الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذات العارية كوردة / نحن لا نتبادل الكلام - جديد الشاعر حسين عجيب

ياسر اسكيف

2004 / 11 / 12
الادب والفن


بالاقتصاد اللغوي , وبعيداً عن الإنشاءات البلاغية التي تستند في قيامها على الزخرفة بديلاً عن النبض , والمتّكئة على عكاكيز التشبيه بديلاً عن التعثّر والارتباك في ظلمات الذات وتكويناتها الخفية , ينجح الشاعر السوري ( حسين عجيب ) في خلق الإضافة وجعلها جزءاً من التجربة الشعرية السورية , لإضافة لا تحمل طموح التّكرّس والتكريس بقدر ما تشكّل جزء من حراك هو الوحيد القادر على منحها حكماً يخص القيمة .

والاقتصاد الذي نعنيه ليس واحداً من مرادفات الفقر أو الحاجة بقدر ما هو جنوح نحو خلق علاقة تفقر مساحة التأويل بين الدال والمدلول , وميل جامح نحو تجريد يمنح النص نعمة ابتعاده عن التحول إلى سلطة كهنوتية تضع أذن الجرّة حيث تشاء بدعوى الحق فيما لا يحق للغير .

( نحن لا نتبادل الكلام ) هي المجموعة الشعرية الثانية للشاعر بعد ( أشباه العزلة ) التي صدرت في العام 1997 عن دار الينابيع – دمشق . و( نحن لا نتبادل الكلام ) صدرت , بتقشّف محزن وعدد محدود من النسخ 100 نسخة فقط لا غير , على نفقة الشاعر .

هل أنّنا لا نتبادل الكلام, والأهم من ذلك , من نحن الذين لا نتبادله. ؟
نحن السوريون لا نتبادل الكلام حقاً , لا نتبادل شيئاً على الإطلاق . لقد تموضعنا , أفراداً وجماعات , في موقعين لا ثالث لهما , متكلم ومستمع . والذي يرى غير ذلك يتأسس حوارنا معه على المعنى غير السطحي وغير الجاهز
للكلام , والذي يمكن تكوينه بإعادة إعمار السياق الشعري الذي تحركت فيه التجربة الشعرية موضوع قراءتنا .

إن للكلام كما تقدّمه نصوص المجموعة معنى يبتعد كثيراً عن كونه لغة وأداة خطاب فحسب , أي إعادة إنتاج لمفردات اللغة وتكريساً لعلاقتها بالسياق الذي أنتجها . الكلام هو نحن , باعتبارنا تجربة مستمرة , الأمر الذي يولّد سؤالاً لا بدّ من طرحه , وهذا السؤال يولّد بدوره مزيداً من الأسئلة . هل نحن السوريون – مفردها سوري – كائنات تتبادل وتتحاور ؟ هل نحن كائنات متجاورة أم متراتبة ؟ هل نحن نحن ؟ وهل هذه ال ( نحن ) تشابه أم اختلاف ؟

يزداد عجز الكلام عن تجاوز حيّز اللغة ,
فيغدو الادّعاء نمط حياة .
الحنين المتزايد للبيت
أدخلنا في نظام التشابه
ولم يخرج منه حي . – ص 105 –

يقدّم المقطع السابق هاحساً يكابده ( مشروع ) كائن حر يبحث بدوره عن مشاريع كائنات حرّة ليؤسس حواره خارج البيت ونظام التشابه في محاولة منه للابتعاد عن الموت . وبالتالي فمن الطبيعي أن يبدو( حسين عجيب )
فرداً نافراً وناشزاً , أو كما يقال ( مغرّداً خارج السرب ) . لكنّ هذا التغريد , الذي يشي برغبة في الانضمام التصويتي إلى النسق مستقدماً معه عناصر , تبدو كافية للتشكيك بمدى وعي الفرادة , ومدى تموضع الذات في نسيج علاقاتها , ذلك التغريد سرعان ما يتأكد كسمة وخصوصية تفرّق ولا تجمع , وتحديداً عند التلقي المتأني المتمتع بحس نقدي , حيث تؤكد الذات الشاعرة وعياً حادّاً بتموضعها عبر وجودها المتزامن في السياق وخارجه . في السياق كوجود حتمي , أو قدري , بل كذات محكومة , إلى هذه الدرجة أو تلك , بقوة التّشكل القبلي والمسبق , وخارج السياق كذات واعية لضرورة الخروج , أي أنها في الخارج بقوة الوعي . وهذا التناقض التراجيدي نلمسه في القليل من النتاج الشعري السوري .
والشاعر لا يقدّم في نصوصه ذاتاً ساعية إلى الآخر بشروطها أو بشروطه , إنما بالشروط التي تفترضها المشاركة والتي تتخلّق في الحوار . إنها ذات بجوار ذوات تسعى إلى تعزيز الحدود بقدر سعيها إلى خلق عناصر المشاركة , ومن هنا تتّخذ الذات في تموضعها حالة مونولوجية تقدّم من خلالها مكاشفة حميمة وبوح يلقي بكل الأقنعة جانباً .

كما يفعل الجميع من حولي
كنت أعتقد أنني الأفضل .
بيدي كشفت عن ظهري
عن أقصر الطرق إلى القلب
وتسمّم الهواء .
17 مليون
شركائي
لن أزيدهم
ما دمت غير قادر على العكس . – ص 122 –

إن التلقائية في المقطع السابق تظهر قعر البؤس بكل جلاء , وتظهر أيضاً , فعاليتها في كشف المستور من التواشج بين الفردي والعام . الشاعر يتكلم عما لا تظهره الصورة الضوئية , عما أوجعه وسوف يوجعه , عن سذاجته ووهمه , لكنه بانفتاحه هذا , يقدم أطروحة جيرة بالتأمل والدرس , متمثلة في العرض الموجز لفجيعة وطن من خلال أسطر ثلاثة . فالسبعة عشر مليوناً هم شركاء حسين في الفجيعة والخراب , وهم , لمن لا يعرف ذلك , عدد سكان سوريا حسب أقرب إحصاء من زمن كتابة النص , ولأن حسين لا يستطيع إنقاص عدد المحكومين بالخيبة ( الحذف أو الإنقاذ ) فإنه يستطيع عدم زيادة العدد على الأقل , أي عدم الإنجاب , وبالتالي امتناع عن القتل .

هاجس الحوار , الاعتراف المتبادل بالكينونة والوجود بين كائنات تحتل ذات الحيز , هو السمة الأبرز في النصوص , وحضوره لا يأتي أبداً كمطالبة إعلانية مبتذلة إنما عرض لتجربة الاستبداد وما تخلّفه من آثار مدمّرة في كلّ اتجاه . حيث يتحوّل الكائن البشري إلى رقم , والجماعة إلى قطيع أو نسق من الأشياء , وتصبح الخصومة , وهذا هو الأهم , مبدأ لا نتيجة :

مات الشاهد والمدّعي والضحية
ألمسهم ولا تتردد
صف طويل من تماثيل الشمع .
هي بلادي
أزهار في كأس
أوراق وخرائط
تحت أرجل متخاصمين أبداً . – ص 95 –

كما أن الذات الواقع عليها العسف والتهميش والإلغاء تتحول بدورها إلى ذات إقصائية بامتياز , ومعها يتكرّس مبدأ ( الطاووسية ) وتضخم الوهم إلى درجة مخيفة , بحيث لا تقبل معه الذات سوى القتل كطريقة فاضلة للاعتراف بالآخر :

كل سوري فتح قناة السويس
وحتى الآن
تعتقد المرأة التي تحمل نطفة سوري في بطنها
أنها تقوم بمعجزة
ولا يعرف بعدها
من قتل من . – ص 117 –

وهذه الذات المنتبجة بالوهم , باللاشيء , والتي تعيش الادعاء نمطاً غالباً في الحياة , هي ذات تتكرّر كنسخ , ولا تنتج أبداً . لهذا حينما يسود مناخ التنوع , وينتفي الاصطفاف على أسس قبلية وقدرية , حينما يصبح الاختيار تجلياً للإرادة وليس مكوّن وراثي , أي :

بعد ما يتعوّد السوريون
التسامح والتفكير الهاديء
سوف توضع سنية صالح مع الماغوط
إلى جانب رياض الصالح الحسين
في الكتاب المدرسي . – ص96 –

أخيراً , لا يمكنني الادعاء بأنني قدّمت قراءة تفي ( نحن لا نتبادل الكلام ) حقّها , ولا يمكنني الوعد بفعل ذلك مستقبلاً .
ولقد ركّزت في إعادة إنتاج النصوص على جانب بعينه مهملاً ما عداه , ومردّ فعلتي هذه نابع من بحثي عن غير المسبوق , ومن رؤيتي بأن الشعرية في نصوص حسين عجيب , ونصوص شعراء سوريين آخرين , تتأس على نوع من وحدة النص التي تحيل إلى الخارج بصفته فضاء لإعادة الإنتاج وليس مرجعاً في تلك الإعادة , أي أن التجربة الشعرية تخلق , أو تحرّض على خلق , التجربة في التلقي , وليس العكس الذي يتأسس على الدخول إلى التجربة الشعرية من خلال تجربة التلقي وفعل القراءة . والأمر السابق يحتاج إلى دراسة مستفيضة لا طاقة لي عليها الآن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي