الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دسترة المجلس الوطني للغات و تحديات تأهيل و تفعيل اللغة العربية في الحياة العامة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2011 / 6 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في الوقت الذي كنا ننتظر دسترة أكاديمية محمد السادس للغة العربية؛ كمؤسسة قادرة على تأهيل اللغة العربية و إدماجها في الحياة العامة؛ باعتبارها اللغة الرسمية الأولى للمغرب؛ خرج علينا مشروع دستور 2011 ليعوض هذه المؤسسة بالمجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية.
و قد جاء في الفصل الخامس من مشروع دستور 2011 : "يحدث مجلس وطني للغات و الثقافة المغربية؛ مهمته؛ على وجه الخصوص؛ حماية و تنمية اللغة العربية و الأمازيغية؛ و مختلف التعبيرات الثقافية المغربية؛ تراثا أصيلا و إبداعا معاصرا؛ و يضم المؤسسات المعنية بهذه المجالات؛ و يحدد قانون تنظيمي صلاحياته؛ و تركيبته و كيفيات سيره" .
و إذا كان إحداث هذا المجلس؛ يستجيب لخطاطة الحقوق الثقافية و اللغوية؛ التي تمثل حصة الأسد في مشروع الدستور؛ فإن هذا الإحداث لا يستجيب لتأهيل اللغة العربية كلغة رسمية أولى؛ خصوصا و أن الأمازيغية التي تم ترسيمها إلى جانب العربية؛ غير مؤهلة اليوم للقيام بوظيفة اللغة الرسمية؛ لأنها ما زالت في طريق المعيرة التي يقوم بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. و هذا يعني أن الباب سيفتح على مصراعيه أمام اللغة الفرنسية؛ التي ستحتل ما تبقى من المجال العمومي.
نحن لا نقول أن اللغة العربية قاصرة اليوم على القيام بوظائفها كلغة رسمية؛ و لكن؛ كان من الأفضل أن تعمل الدولة على تأهيلها أكثر لدمجها في الحياة العامة؛ كي تقوم بوظيفتها. و هذا التأهيل و الإدماج كان من الممكن أن تقوم بهما مؤسسة أكاديمية تمتلك تصورا علميا قادرا على النهوض باللغة العربية.
إن التراجع الذي عبرت عنه الدولة؛ و هي تنتقل بسرعة البرق من إرادة تأهيل اللغة العربية و دمجها في الحياة العامة؛ من منظور سياسي واضح؛ إلى التنصيص على حماية و تنمية اللغة العربية إلى جانب الأمازيغية؛ و مختلف التعبيرات الثقافية المغربية؛ باعتبارها تراثا أصيلا و إبداعا معاصرا. هذا الانتقال –في الحقيقة- يدفعنا إلى طرح أكثر من سؤال حول مستقبل اللغة العربية في المغرب؛ خصوصا مع تعالي الأصوات الفرنكفونية من هنا و هناك؛ داعية تارة إلى تعويض العربية بالعامية؛ و داعية تارة أخرى إلى تعويض العربية بالأمازيغية. لكن الخلفية الحقيقية التي تتحكم في هذه الدعوات؛ هي محاولة تهميش اللغة العربية؛ لفتح المجال أمام سيادة اللغة الفرنسية؛ و ذلك لان العامية و الأمازيغية؛ لن تكونا قادرتين على منافستها؛ لأنهما معا لم تتجاوزا بعد الطابع الشفوي التواصلي.
إن ما لا يمكن للمغاربة أن يقبلوه في مشروع دستور 2011 هو أن يضع لغة عالمية؛ تعتبر من بين اللغات الستة المعتمدة في الأمم المتحدة؛ و من بين اللغات العشرة الأكثر استعمالا على مستوى شبكة الانترنيت؛ إلى جانب لهجات لا تتوفر على رصيد كتابي –حتى- يؤهلها للقيام بوظيفتها التواصلية على أكمل وجه.
كما لا يمكننا أن نقبل اعتبار لغة عالمية حية؛ تعبيرا ثقافيا و تراثا (أصيلا)؛ إن العربية لغة تفرض نفسا في عالم اليوم بقوة؛ و هي لا تتطلب منا سوى احترام هذه المكانة؛ التي صنعتها النخب الفكرية و العلمية العربية؛ أما أن نخون نضالات مفكرينا و سياسيينا؛ و نمارس على أنفسنا مازوشية مرضية؛ فهذا ما لن تقبله منا الأجيال القادمة؛ التي ستجد نفسها فاقدة لأصولها الثقافية و الدينية ... التي تمكنها من بناء خصوصيتها بين الأمم .
يجب على سياسيينا –إذن- أن يكونوا في مستوى تحيات المرحلة؛ و ألا يلعبوا بالنار؛ لأن هذا اللعب/المغامرة؛ يمكنه في أي وقت أن يأتي على كل ما شيدته الأجيال السابقة علينا؛ و هي تحلم بمغرب يستمد هويته من التاريخ العربي المجيد؛ و يعبر عن هذه الهوية بلغة عربية فصيحة؛ ساهم المغاربة في تطويرها إلى جانب إخوانهم من المشارفة .
نحن هنا لا نعارض خطاطة الحقوق و الحريات التي يقوم عليها مشروع دستور 2011 و من هذا المنطلق لا يمكن لحسنا الديمقراطي أن يدافع على انتهاك الحقوق اللغوية لمجموعة من المغاربة؛ و لذلك فإن ترسيم اللغة الأمازيغية يمثل إضافة نوعية لثقافة التعددية و الاختلاف التي يجب أن ندافع عليها في مغرب اليوم. و لكن –لنكن صرحاء- هذا ليس مبررا البتة لفقدان حسنا الاستراتيجي؛ الذي يعتبر أن اللغة العربية في المغرب؛ (غنيمة) تواصل حضاري دام لقرون؛ بين الأمازيغ و العرب؛ و لهذا يجب أن نحافظ على هذه الغنيمة و نطورها؛ لأنها جزء من تاريخنا القديم و الحديث؛ و كذلك رصيد حضاري متميز؛ يحمل قيما سامية؛ ساهمت إلى أبعد الحدود في تشكيل المغرب على الصورة التي نفتخر بها اليوم كمغاربة .
ننتظر أن تتحمل الدولة كامل مسؤوليتها؛ في تشريع قوانين تنظيمية واضحة؛ تترجم النص الدستوري؛ الذي يؤكد على الطابع الرسمي للغة العربية؛ كما يؤكد على التزام الدولة بحمايتها و تطويرها و تنمية استعمالها. و هذا يفرض على الدولة إعادة النظر في الواقع اللغوي السائد؛ الذي يقوم على انتهاك النص الدستوري الخاص بترسيم اللغة العربية؛ و ذلك حينما يتم فرض اللغة الفرنسية على المغاربة في القطاعات الحيوية للدولة؛ من دون أي سند دستوري واضح .
إننا لا نسعى إلى محاربة الانفتاح اللغوي و الثقافي الذي تعيشه بلادنا؛ لأننا نعتبره مكسبا حضاريا يفتخر به جميع المغاربة؛ و لكن لا يجب أن نسير بهذا الانفتاح إلى حدود انتهاك مقوماتنا الحضارية؛ لان هذا الوضع الخطير الذي يسعى اللوبي الفرنكفوني إلى فرضه على المغاربة؛ يمكنه أن يهدد في أي حين الأمن اللغوي الذي نعم به المغاربة لقرون؛ في توافق تام بين المحافظة على الهوية الوطنية؛ و الانفتاح على الثقافات و اللغات المختلفة .
لقد كان المغرب على مر التاريخ؛ معينا حضاريا لا ينضب؛ نجح لقرون في تصدير الثقافة و اللغة و الدين ... لجواره الأوربي و الإفريقي؛ كما مثل لقرون نقطة ارتكاز حضاري في منطقة البحر الأبيض المتوسط. و قد حضرت اللغة العربية دائما كرأسمال ثمين؛ ساهمت إلى أبعد الحدود في تحقيق هذا الإشعاع الحضاري .
من هذا المنظور؛ لا يمكن للنخبة الوطنية أن تسمح بتحويل المغرب إلى هامش؛ بعد أن كان يمثل المركز لقرون؛ و عندما نرفض وضع الهامش؛ فإننا نقصد بذلك ألا نتحول إلى مطرح نفايات لفرنسا؛ نستورد البضائع الثقافية المنتهية الصلاحية؛ و العمل على تزوير تاريخ صلاحيتها؛ لإعادة ترويجها في العالم كبضائع صالحة الاستعمال.
و على قائمة هذه البضائع (المنتهية الصلاحية) تحضر اللغة الفرنسية؛ التي يسعى اللوبي الفرنكفوني في المغرب إلى تزوير تاريخ صلاحيتها؛ مع أن السوق اللغوية الدولية؛ تؤكد بالأرقام التراجع المريع الذي تعرفه في العالم؛ فهي تحضر دائما في مؤخرة التصنيف؛ و إذا أضفنا إلى ذلك الاختراق اللغوي الأنكلوساكسوني داخل فرنسا؛ يمكن أن نفهم بشكل جيد جدا ما نقصد بانتهاء صلاحية استعمال الفرنسية.
إن محافظة المغرب على وضع المركز في منطقة البحر الأبيض المتوسط؛ لن يمر بالتأكيد عبر اللغة الفرنسية؛ التي تفقد تباعا آخر معاقلها عبر العالم؛ و لكنه يمر عبر اللغة العربية التي تعتبر مركز الهوية المغربية؛ بالإضافة إلى الانفتاح على اللغة الإنجليزية؛ التي تفرض نفسها اليوم كلغة تواصل علمي و فكري و حضاري ... عالمي.
و هذا يتطلب شجاعة سياسية؛ تمكن صناع القرار السياسي في المغرب؛ من التمييز؛ بين العلاقات الاقتصادية و السياسية الإستراتيجية مع فرنسا؛ و بين التبعية ثقافيا و لغويا و حضاريا لفرنسا؛ و ذلك لان هذه التبعية العمياء لا يمكنها أن تساعدنا في بناء شخصيتنا الوطنية؛ بخصوصيتها العربية/الإسلامية/الأمازيغية/المتوسطية/الإفريقية؛ بل ستفرض علينا بعدا استعماريا واحدا؛ تجسده اللغة الفرنسية؛ ليس باعتبارها لغة تواصل علمي/فكري؛ و لكن باعتبارها سلاح المعركة؛ التي قادها المستعمر الفرنسي؛ لاستئصال جذور هذه الهوية المتعددة المشارب؛ التي ساعدت اللغة العربية و الدين الإسلامي في ترسيخها؛ من خلال الإيمان بالتعددية و الاختلاف و الانفتاح ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأرض بتتكلم أمازيغي ..
إدريس أزيرار ( 2011 / 6 / 28 - 18:50 )
دائما وأبدا ستظل تنفث سمومك تجاه كل ما هو ليس عربيا عروبيا ، ودائما تصر وبدون أدنى وازع من ضمير على الإفتراء والتجني على حقائق التاريخ والجغرافية. تكذب وتضحك على نفسك ظانا أن غيرك لم يؤتى من العلم إلا قليلا..
يغيظك ويقض مضجعك أن يتم ترسيم اللغة الأمازيغية ، وهذا أبسط حق من حقوقها ،فهي أولى بالترسيم من غيرها لأنها بنت هذا البلد هنا ولدت وهنا ترعرعت ، ولن تموت مادام هناك أبناؤها الأوفياء الذين رفضوا رفضا باتا أن يغيروا جلدهم ويستبدلوه بجلد غيرهم.هذه اللغة هي لغة أصيلة متأصلة في شمال إفريقيا الذي لم تعرف وطنا غيره . وهي لم يؤتى بها ((بحد السيف )) من مكان بعيد !!
تصرحون جهرا وفي وضح النهار وبكل وقاحة عن حقدكم وعن إصراركم على إقصاء اللغة والثقافة الأمازيغية ، وعندما يرد على تهافتكم بنفس أسلوبكم تتهموننا ب(معاداة السامية)، عفوا ، ب(تنامي الشعور المعادي للعروبة في المغرب)
حقا إن الفكر العروبي فكر يشتعل حقدا وعنصرية !
يتبع..


2 - إقرأوا الشوفينية العروبية !
إدريس أزيرار ( 2011 / 6 / 28 - 19:09 )
إن ما لا يمكن للمغاربة أن يقبلوه في مشروع دستور 2011 هو أن يضع لغة عالمية(( يقصد العربية طبعا ))؛ تعتبر من بين اللغات الستة المعتمدة في الأمم المتحدة؛ و من بين اللغات العشرة الأكثر استعمالا على مستوى شبكة الانترنيت؛ إلى جانب لهجات ((يلمح الى الامازيغية بشكل اساسي))لا تتوفر على رصيد كتابي –حتى- يؤهلها للقيام بوظيفتها التواصلية على أكمل وجه.
- فهذا ما لن تقبله منا الأجيال القادمة؛ التي ستجد نفسها فاقدة لأصولها((يعني اصول المغاربة عربية !!)) الثقافية و الدينية ... التي تمكنها من بناء خصوصيتها بين الأمم
-يجب على سياسيينا –إذن- أن يكونوا في مستوى تحيات المرحلة؛ و ألا يلعبوا بالنار؛ لأن هذا اللعب/المغامرة؛ يمكنه في أي وقت أن يأتي على كل ما شيدته الأجيال السابقة علينا؛ و هي تحلم ((بمغرب يستمد هويته من التاريخ العربي المجيد؛ و يعبر عن هذه الهوية بلغة عربية فصيحة))؛ ساهم المغاربة في تطويرها إلى جانب إخوانهم من المشارفة
تعليق : اذن هذا اعلان حرب ، حرب ابادة في حق الهوية الامازيغية الهوية الحقيقية للمغاربة ولسكان شمال افريقيا ! وبودي ان اتساءل : ماذا ترك العروبيون للصهاينة اذن؟!


3 - العربية هي التي انتهت صلاحيتها لعلكم تعقلون
إدريس أزيرار ( 2011 / 6 / 28 - 19:29 )
يواصل الكاتب العروبي : ا؛ و ذلك لان هذه التبعية العمياء لا يمكنها أن تساعدنا في بناء شخصيتنا الوطنية؛ بخصوصيتها ((العربية/الإسلامية/الأمازيغية/المتوسطية/الإفريقية؛))
تأملوا إذن مقدار التجني في ترتيبه لخصوصية الشخصية المغربية في حين كان يتوجب أن ترتب على هذا المنوال : الامازيغية/الافريقية/المتوسطية/العربية
اخيرا ما اود قوله : القلم قلمك بامكانك ان تكتب ما تشاء بامكانك ان تحلم بان يصبح المغرب بلدا خالصا للعروبة لا تنافسها اية هوية.. ولكن ما اتمناه لك ولنا هو طول العمر انا وانت من نفس الجيل ( جيل السبعينات) واذا ما قدر لنا طول العمر ساذكرك باضغاث احلامك وسنرى من منا ستتحقق متمنياته !
ولن انهي تعليقي قبل ان اذكر بالمثل الغربي الدارج اوجهه الى الفكر العروبي : تجي لدارنا و تضرب اولادنا))))


4 - تصحيح
ادريس ازيرار ( 2011 / 6 / 28 - 20:51 )
الامازيغية/الافريقية/المتوسطية/الاسلامية/العربية
المثل المغربي وليس الغربي

اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان