الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الشعبوية
زكرياء الفاضل
2011 / 6 / 28اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الشعبوية غير الشعبية حيث أن هذه الأخيرة منبعها اعتناق الشعب لمذهب معين وتأييده له لما فيه من تجاوب مع عقلية الجماهير وتناسب ومطامحها الاقتصادية والسياسية وتطلعاتها المستقبلية، بينما الأولى لا تملك أرضية فكرية ترسو عليها مبادئها لانعدام هذه الأخيرة. فالشعبوي لا يؤمن إلا بمصالحه الشخصية، فردا كان أو تنظيما، ولا تعرف نفسه سبيلا إلى الإيثار والتضحية إذ انبنى تكوينه السيكولوجي على النرجيسية والأنانية، لذلك تراه لا يؤمن بالوطن والوطنية في حين تجد إيمانه عميق بالوصولية والانتهازية وشعاره الأبدي: الغاية تبرر الوسيلة.
ليس سهلا أن تميز الشعبوي من الوطني أحيانا كثيرة، ذلك أنّ خطابهما غالبا يكون متقاربا شكلا وأحيانا مضمونا. وبالرغم من هذا التشابه في الخطاب يبقى هناك فرق شاسع بين الأول والثاني من حيث الممارسة وصدق النية. فالشعبوي يركب أفكار الجماهير ويتبناها في خطاباته وكتاباته ليكسب شعبية ولا يخاطب هذه الجماهير إلا بما تحبّ سماعه فيأتي كلامه عذبا مطربا جذابا للعواطف، بينما الواقع يبقى بعيدا عن محتوى خطابه المعسول.
إذا كان الشعبوي يردد كالببغاء ما يسود الشارع من أفكار وآراء، سواء كانت صائبة أم خاطئة، ويركب موجة الجماهير كمطية لتحقيق أهدافه، فإنه في المقابل يوجد السياسي الوطني الذي لا يروّج لما يشيع بين الجماهير ولا يركب على ظهر الشعب، لأنه يؤمن بدور المثقف والتنظيم السياسي في التأثير وتأطير الجماهير. لذلك يسير أحيانا عكس تيار الشارع، إن تبيّن له شذوذ في الطرح السياسي للجماهير، كمحاولة منه لتقويم الفكر وتوجيه النفوس وإن تعذر ذلك فإنه يلزم الصمت متتبعا الأحداث حتى يصل الشارع نفسه إلى قناعة بعدم صحة نهجه. فالجماهير، خاصة الشرقية، كثيرا ما تتعامل مع الأحداث بالعاطفة لا بالتحليل العلمي والمنطق السليم.
هناك فرق آخر مهم وجوهري بين الشعبوي والوطني يكمن في نظرة كل منهما للوطن والشعب، حيث الأول لا يرى وطنا بل عقارا وأراضي تنبث أرصدة في الأبناك المحلية والأجنبية، والشعب لا يمثل له إلا قوة عمل منتجة لأرباحه مما يجعل الفرق بين أقواله وأفعاله شاسع بشساعة المسافة بين الأرض وما يسمى بالسماء. أما الوطني فمبتلي بحب الوطن كابتلاء الحلاج بالحق وحبه للشعب كثيرا ما يؤدي به إلى تضحيات جسام يكون ثمنها إبعاده عن محبوبه أو حريته أو حياته، ولا يبتغي مرضاة السلطة بسخط الشعب على عكس الشعبوي الذي لا يهمه إرضاء أحد إلا بالقدر الذي يحقق له هدفه.
من هذا المنطلق تظهر شعبوية كثير من الساسة المغاربة، وعلى رأسهم رؤساء الأحزاب خاصة الممثلة في البرلمان، حيث يتبنون، شكلا ويرفضون مضمونا، عددا من قضايا الساعة المطروحة على الساحة الوطنية كمسألة تغيير نمط تسيير البلاد في اتجاه ملكية برلمانية حيث كل الأحزاب أو أغلبها نادت ببرلمانية الملكية المغربية تحت ضغط الشارع وتأثير حركة 20 فبراير فيه، لكن ما إن أعلن عاهل المغرب عن مشروع الدستور الجديد حتى هللت له خطابات من كانوا ليلة البارحة يؤيدون نظام الملكية البرلمانية بالمغرب. وهم اليوم من أكبر الدعاة لتكريس الحكم الفردي ببلادنا ولا يذخرون جهدا في الدعاية للدستور الجديد بالرغم من أنه لم يستجب لمطالب الشارع المراهنة على بناء ملكية برلمانية وكرس نظام الحكم الفردي بالمغرب. فالسلطات كلها بقيت بيد الملك الذي وسّع صلاحيات الوزير الأول في إطار ضيق، في حين الجماهير طالبت بوزير أول ينتخب عبر اقتراع مباشر وليس يعينه الملك من الحزب الفائز في الانتخابات.
إنّ شعبوية الساسة المغاربة لا تعرف حدودا ومثال على ذلك ما صرح به أحد القادة السياسيين الداعين للتصويت على الدستور حيث قال، عندما أحرجته الجماهير الرافضة لمشروع الدستور الجديد، أنه مستعد للدفاع عن موقف الرافضين لهذا المشروع. وكأن الاحزاب والنقابات والحركات والمواطنين عموما المعارضين للمشروع التشريعي الجديد قاصرين ويحتاجون إلى من يدافع عن آرائهم ومواقفهم. صحيح أن السياسي الشعباوي لا يهتم إلا بالوصول إلى غايته الذاتية حتى ولو كان ذلك على حساب المبادئ، إن هي وجدت في خانة فكره أصلا.
إننا قد نفهم موقف القصر، وإن لم نتفق معه، من المطالب الشعبية إذ له رؤية خاصة به في مجال تسيير البلاد تنظر للأمور من زاوية معينة، لكن موقف الساسة الشعبويين يبقى موضوع استغراب وحيرة في أمره.
أخيرا أترك وصية لشبابنا وهي كالتالي:
الساسة أنواع:
أ) سياسي قوله مناف لفعله، إنه منافق فصدوا عنه
ب) سياسي قوله مطابق لفعله، إنه شريف فشدوا على يده وحافظوا عليه إنه الذرة المفقودة
ت) سياسي لا يتفوه إلا بما يعجبكم، إنه شعباوي فلا تأمنوا له
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما أثر تأسيس أحزاب جديدة على الحياة السياسية في مصر؟
.. طلاء يتفاعل كيميائيا وعشب اصطناعي وروبوت يحفر خنادق: ابتكارا
.. ضحايا وخسائر مدمرة.. ماذا يحدث في لوس أنجلوس؟
.. صراع المصالح الكبرى.. كيف تتغير خارطة النفوذ في سوريا؟ | #ست
.. حرائق في محطة كهرباء بسد مروي إثر هجوم للدعم السريع بالمسيرا