الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية .. والمدرب الأجنبي !!

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 6 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


طالعتنا الصحف في الأيام الأخيرة بأخبار تفيد أن الحكومة المصرية أبدت امتعاضها لنظيرتها الأمريكية لقيام إحدى الوكالات الأمريكية بالإعلان في الصحف المصرية مباشرة لقبول طلبات من جمعيات مصرية للتدريب على الديمقراطية ، وخاصة الانتخابات وحقوق الإنسان وما تسمى الأنشطة المدنية ، بقيمة تعادل 380 مليون جنيه ، وتلخص اعتراض الحكومة المصرية على أنها لم تستأذن ولم تستشر في شيء من هذا .. ومع ذلك اكتفت الحكومة بالتعبير عن امتعاضها!!
وازدادت الصورة غرابة حينما نشر أحد كبار الكتاب أن أكثر من 600 منظمة مصرية تقدمت للوكالة الأمريكية بطلبات ومشروعات للتدريب على الديمقراطية .. وليعرف القارئ أن هذه الأموال ستنفق على ندوات وسفريات ونشرات ..الخ وليس بالطبع على مشروعات اجتماعية أو إنتاجية مثلاً ..
المعروف أن الأمريكان لا ينثرون أموالهم في الفراغ ، وإنما بالتأكيد هناك أهداف وراء ذلك ، نكتفي بالقول إنها أهداف في خدمة الدبلوماسية العامة الأمريكية .. وبالتحديد الترويج لأفكار بعينها تتصل بصلب الفهم الأمريكي للديمقراطية ..
والكاتب لا يدعو طبعًا إلى تشديد القيود الحكومية على أنشطة المجمع المدني .. فقد كان الحزب الوطني والمنظمات التابعة لحرم الرئيس المخلوع هم المستفيدون الأوَل من هذا النوع من المنح .. مقابل الصمت عن بعض منظمات حقوق الإنسان والمرأة التي تحصل بدورها على جزء من الكعكة..
كنت أتصور أن الأوضاع ستتغير كثيرًا بعض ثورة 25 يناير ، ولكن جاء التغيير بالمزيد من المظاهر السلبية ، فالتمويل هذه المرة يمتد إلى بعض التشكيلات المرتبطة بأحزاب ليبرالية ، وللأسف أيضًا بدأ يمتد إلى بعض التجمعات الشبابية ذات الخبرات القليلة في التعامل مع الأجنبي وفهم أغراضه الحقيقية ..
وأول ما يدعو للانزعاج أن البعض يتصور أن هذه الوكالات الأمريكية لا صلة لها بحكومة بلدها .. وهذا ليس صحيحًا فارتباطها بواشنطون ماليًا وأيديولوجيًا قوي جدًا .. وقد لعبت هذه الوكالات والمنظمات الأمريكية أدوارًا معروفة في شرق أوربا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا .. أما عن الوطن العربي فحدث ولا حرج !!
يبدو أن الثورة المصرية قد فاجأت الدوائر الرسمية والأهلية الأمريكية فتحاول الآن اللحاق بما فاتها ، متصورة أنها من خلال هذه الأنشطة يمكن أن تخلق أجيالاً من المرتبطين بالقيم الأمريكية ، وخاصة فيما يتعلق بالديمقراطية .. وليسمح لي القارئ بالتركيز هنا على النقاط التالية :
(1) المفهوم الأمريكي للديمقراطية يركز على جوانبها السياسية ، ويربطها ربطًا لا ينفصم بالحرية الاقتصادية المطلقة للمشروع الخاص دون تدخل للدولة في الحياة الاقتصادية أو تقديم الخدمات الاجتماعية أو دعم الفئات الضعيفة في المجتمع ..
(2) الفهم الأمريكي للديمقراطية يربطها برؤية نعرفها جميعًا "للتسامح" مع العدو الصهيوني ، والتدخل السافر في الشئون الداخلية تحت شعارات مثل "الإنسانية" والدفاع المغرض عن حقوق "الأقليات" .. الخ .
(3) إن سجل الولايات المتحدة مع الديمقراطية في الوطن العربي مليء بالخروق والبقع السوداء ، حيث سادت في أغلب الأحوال ما تسمى "المدرسة الواقعية" التي لم تتورع عن إسناد وحماية أبشع النظم دكتاتورية وفسادًا وتخلفًا طالما أنها لا تعترض طريق المصالح الأمريكية في المنطقة ..
(4) لا يمكن بالطبع التغاضي عن حقيقة أن مثل تلك المشروعات للتدريب على الديمقراطية تستهدف استمالة قيادات من الشباب الذين صنعوا الثورة .. وتحويلهم من مناضلين متطوعين إلى محترفين يحصلون على مقابل للدراسة والتدريب .. أو على الأقل تلميع نماذج شبابية جديدة بعينها يمكن أن تقود تطور الأحداث مستقبلاً ..
(5) لا أتصور أن بلدًا عريقًا كمصر، عرف الديمقراطية فكرًا وممارسة منذ أواسط القرن التاسع عشر بحاجة إلى مدربين أجانب ومقررات تدريب مستوردة وخبراء في "الديمقراطية" يعملون على وضع العملية كلها في إطار المصلحة الأمريكية .
(6) إن من أبسط حقوق كل شاب أو مواطن سيشترك في هذه الأنشطة التدريبية أن يقال له بكل وضوح إن هذا النشاط بتمويل أمريكي .. وعندئذ يكون له الحق في اختيار ما يمليه عليه ضميره ..
.. كنت وما زلت أنتظر من الجمعيات والأحزاب والائتلافات المصرية أن تعتمد على أنفسها تمامًا في إعداد برامجها الوطنية لنشر الثقافة الديمقراطية .. لأن هذه الثقافة ترتبط أولاً بإبداع وطني مطلوب ، ودون إضفاء طابع عالمي كاذب على الديمقراطية الأمريكية التي يتم تصويرها على أنها صالحة لكل زمان ومكان ..
إن الممول يختار المدرب .. والمدرب هو الذي يحدد خطة اللعب وأسماء اللاعبين .. بينما الديمقراطية هي حياة الشعب اليومية ولا يصح أن يتحكم فيها أجنبي حتى لو ارتدى قفازات من حرير مرسوم عليها زورًا العلم المصري ..
ومن المعروف لأبسط دارس للعلوم السياسية أن الولايات المتحدة تعتمد في تنفيذ سياساتها وخدمة مصالحها على نوعين من القوة .. النوع الأول هو القوة الصلبة التي تتمثل في غارات حلف الأطلنطي التي قتلت ملايين البشر في سائر أنحاء العالم ، أو العمليات التخريبية والاستخبارية التي لم تتورع يومًا عن خلق تنظيم القاعدة نفسه..
أما النوع الثاني فيطلق عليه القوة الناعمة التي تعتمد على الضغوط الاقتصادية والمناورات الدبلوماسية والتأثير الثقافي .. وقد تزايد استخدام الأسلوب الأخير بعدما أثبت نجاحه مع ما تسمى الثورات الملونة في شرق ووسط أوربا..
ومن المعلوم أن كل الإدارات الأمريكية قد استخدمت مزيجًا بنسب مختلفة حسب الحالة من القوتين الصلبة والناعمة.. فالمهم في الأول والأخير هو المصالح الأمريكية ، التي تتمثل في منطقتنا في ثلاثة مصالح رئيسية : النفط وإسرائيل والموقع الاستراتيجي ..
كلمة أخيرة ..
إننا لم نقم بثورة على الاستبداد والفساد .. كي نضحي بعد ذلك بالاستقلال !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ