الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العتمة . الفناء

نصيف الناصري

2011 / 6 / 28
الادب والفن


الراحة والنوم، ما هما إلاّ صورتان منكَ
جون دن، قصيدة " يا موت لا تتباه بنفسك "







1




سنوات طويلة أمضيناها بصحبة { ايبيس } في أنهار فن التنجيم .
لم نعثر على وجه الانسان المتقوض في ضوء الشمس ، ولم
نعثر على سوسنة الرجاء المتفسخة . في الممرّ المنخفض الذي يوصلنا
الى ليل وأبواب بحر الموت . اختفت أصواتنا وتلوّت الأشجار صائتة في
الطريق . كل ما نراه الآن . صراصير تترنح في طيرانها عبر
اللهب الأسود لجهات الأرض المهتزة دائماً . لماذا لحظة الرغبة
مليئة بالاشارات التي تفصل الثمرة عن شجرتها ؟ الحشائش
الجافة التي يجمعها الانسان في الليل ويركنها قرب قفير عسل
حياته . تطيرها الريح المسوّدة والمثقلة بمعطفها عليل الأجفان .
الى أيّ حدّ نبقى نصيخ السمع الى شجرة الزوال المثقلة بالأعطيات ؟
ينبغي لنا أن نتخلص من الظلال الداكنة والمشرئبة لموتنا ، ونرمي
شفرة الصلاة في الأسرار الطنّانة للطبيعة . يحتاج الانسان الى فجر
جديد يتجادل فيه مع الملائكة حول الأدوية والأقراص التي تخفف
الصدمة المسبقة لموته . الى متى نبقى نستعد ونرحب في العناصر
الأكثر ترويعاً في موت الانسان ؟ وحدها مصائرنا التي لم تستنطقها
تماثيل الآلهة . معلقة من دون حصانة في أسفل الشجرة التي تصاهر الجذام .



2



حياة كلّ منّا تستمدُ بذرتها من الكلمة التي تنمو في فوضى الماوراء
ودائماً نخفي صمتنا قبل انطلاق المراكب في قناديل الفجر الصافية
ونؤجل رحلتنا الى الينبوع الضامر للحظة الانبعاث . حياة كلّ منّا ضفة
شديدة الانحدار ، لكن احساسنا تحت العوالم الخبيئة للقلق هو ما يمنحنا
بداية جديدة لطقوسنا المتحفظة في عبور اللحظات . أحلام الانسان تمرّ
كنسمة جافة في الجزر الطحلبية لليله ونهاره ، ويتدفأ موته في التهيجات
المرصعة لحصاد قمح أيامه ، وفي الرنّة المتصلبة لصرخته تحت الجذوع
العتيقة لشجرة العالم . يكتمل البرق وتنتصب في يقظتها أشرعة رغبته في
الوصول الى النيران المفتوحة على الحافة المتلألئة لشواطىء الأمل .



3




عابراً حمم بركان حياتي . أقيسُ الظلال المشنوقة للوردة في الضغائن
الشائنة للحظة موتي ، ومثل تفككات لا مرئية في الأعماق المتكتمة لجروح
الجنس البشري في ينابيع القرون . تتقدم صرختي بين المرايا التي توّسع المتاهة .
هل لي أن أشهد مآثر الصاعقة المجدولة فوق الصواري العظيمة لأحلام
الانسان النائم ما بين الموت وما بين الميلاد ؟ غاباتنا المتحجرة الآن بلا بروق
ولا صلاة ، وفي بخار تطوافاتنا يتناسل الضجر الطويل لقرابيننا المرفوعة .
كل شيء ينغلق علينا في المياه الآسنة لمرايا آمالنا .




4




خلاص الحجارة وتمائمها من الفناء ، خلاصنا نحن وخلاص العشبة المستجيبة
لنداءاتنا تحت القلاع الضخمة للخوف وأناشيده المحرمة . هل ينبغي لنا
أن نحضر التاريخ في الانفصالات التي نغريها بالقدوم لصعود الديمومة ،
من أجل أن لا تفلت منّا اللحظة الأخيرة المطبقة على الانسان الميت ؟ كيف يتسنى
لنا أن نتسلل بهدوء من الأفق المعتم للعالم ، صوب أفق آخر أكثر رحمة ورحابة ؟
حيوات تنفست هواء الأرض بالمليارات وغابت . خطّافات مصوّتات .
ديناصورات وحيوانات ثعبانية مالت فيها الرياح العظمى للفناء صوب الهاوية .
كل شيء ينتهي الى حجر وصاعقة . حيوات أخرى قادمة تنتظر عند الجدار
الصريح للصلب . هذه المنظومات التي يسير في فوضى شرائعها العالم . اهانة
لوجود الانسان . ينبغي أن نسقط رهاناتنا الصدئة في بئر النجمة الكبيرة ، ونحيا
في فراديس الأحلام والسطوعات الأثيرية للفكر .




5




ندفعُ في كل آنٍ مجاذيفنا صوب التدميرات التراجيدية للشيخوخة ، وتتحطم بين
رمال تنفساتنا قناديل الزمان . هل لنا أن نصالح ما بين موتنا وما بين الصخرة
التي تشعشع في مجدها وغبطتها السرمدية على الشواطىء المتكشفة للطبيعة ؟
طائر الطيطوى بشير الكارثة العظيمة وشاهد اللحظة المنحنية على الهاوية .
يصرخ تحت ثقل الرياح الثلجية اللاتطاق فوق رماد مصائرنا وينذرنا : { لا ثمرة
شهاب تباغت ليلنا في الماضي والحاضر والمستقبل ،
ولا ميراث عيد ينوّر شفاهنا المتورمة في انفتاح الرماد على الأغنية المختنقة ،
ولا صلاة تترك ملحها على الرغيف المتعفف لصيفنا قليل الحمولة ، ولا الأنهار
تصبّ في التسليات المتغضنة للحظتنا الراهنة } . علامة بلا شكل تتلمس بانتظام كل
ماهو حيّ في أصواتنا ، وتغرقنا في العتمة اللامتناهية للفناء .




6




يخاطبُ النفرّي ويتضرع في نار محبته المريضة ، الى فكرة اخترعتها الشعوب
السامية ، من أجل خلاصه المرتجى . هل نحتاج نحنُ الجراد المريض في السل
الى ايمانات وشعائر وأساطير ، أم نحتاج الى الاخوة والحب والجنس والطعام
والموسيقى والأحلام والمعرفة ؟
اخترعنا في حيرتنا وضعفنا ولعثمتنا الفادي ، واخترعنا الهادي .
لا الفادي نوّرت في ليل العالم أضاحيه ، ولا أينعت وردة الرجاء
ولا الهادي رست سفينة نجاته في مرافئنا التي زلزلتها الأعاصير .
حقيقة . حقيقة واحدة يجب أن نتقرب من مصاهرتنا ونتقبلها بمحبة عظيمة .
ما نحن إلاّ حشرات زاحفة تتماثل مع كل المخلوقات في الطبيعة ،
والأجمل والأكثر قداسة منّا ، هي الرخويات ، والطنّانات في خلاياها المستلقية
على العطر اللازوردي للنذور والأشجار الصاعقية للحياة .





7




أيها الموت يا خليلي
يا خليلي الذي يكّسر مصابيح وغُصينات حياتي
ويقرع للعدم ندى أجراسي
ويسهر بثقله الجبّار على الأريج الزعفراني لرغباتي وآمالي .
منكَ لا شفيت من ألمي العضال
ولا دوّيداتكَ الذئبية التي ستجيء
تحنوّ على فضة جثماني وخزامى أنفاسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو