الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيئة العنف

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2004 / 11 / 13
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


تعد الكويت من ابرز الدول التي استطاعت تحقيق نجاح نوعي في استثمار عائدات النفط لخلق مناخ داخلي هادىء نسبيا، فمعظم المواطنين يعتمدون عليها في تحصيل معاشهم، كما نوفر لهم وظائف مضمونة في القطاع العام، وتقدم لهم قروضا سكنية واجتماعية تسهل حياتهم اليومية، كما تتكفل الدولة بالشخص في حال عجزه عن العمل او تعذر حصوله على وظيفه ملائمة، وقليل من هؤلاء المواطنين يمتلك الاستعداد اللازم للتضحية بكل تلك الخدمات والتسهيلات التي تقدمها الدولة للدفاع عن فكرة يؤمن بها او لنصرة قضية عادلة يمكن ان تكلفه حالة الرفاه التي يتمتع بها.
هذه الصورة قد تكون مختلفة في دول توفر لها ريع النفط لكنها اخفقت في استثماره سياسيا واجتماعيا وظل المواطن هناك في حالة من المعاناة لسنوات طويلة تحول تدريجيا الى قلق اجتماعي وسياسي يتفجر يوميا على هيئة تذمر او شكوى او صدام بين مواطنين منهكين ودولة عاجزة عن كسب شعبها.
وتتباين تأثيرات الوضع الاقتصادي على الحياة العامة في الدولة حسب الظرف الاجتماعي والثقافة السائدة، فيمكن ان تتسبب الثروة المادية بتثبيط همة التغيير عند المواطنين في فترةما، لاسيما وان سادت بينهم ثقافة الربح السريع والرفاه الدائم والخوف من التغيير. والبحث عن رضا السلطة باعتبارها مصدر الدخل والضامن الوحيد لاستمراره وهو خوف مشروع في نظر الكثيرين ينتج عنه بسط حالة من السلم الاجتماعي والبعد عن لغة الصدام او المعارضة الحادة مع النظام القائم كما هو الامر في الكويت في سنوات سابقة.
كما يمكن ان يكون لسوء الاوضاع الاقتصادية اثر كبير في شجاعة البعض لإعلان المعارضة، ومصادمة الدولة على اعتبار انهم لن يخسروا شيئا مهما، ولكون التغيير في اسوأ الاحوال لن ينتج لهم واقعا اسوأ مما هم فيه فعلا، الامر الذي يرفع من اسهم محاولات التغيير ويشجع اخرين على الانضواء تحت راية معارضة الدولة القائمة.
لكن هذا التقسيم لا يمكن اعتباره نهائيا وغير قابل للجدال، اذ يمكن ان يكون التأثير معاكسا تماما، فقد تتسبب الوفرة المالية برفع سقف المطالبات الشعبية وتمددها الى الحيز السياسي، كما يمكن للفقر والحرمان ان يستهلك الافراد في ملاحقة احتياجاتهم اليومية، وانصرافهم عن الشأن العام. ان توفر المستلزمات الاساسية والكمالية لدى المواطنين الكويتيين لفترة طويلة نسبيا. منحهم طموحا مضاعفا للحصول على مكاسب وحقوق وطنية لا تقل عن ما هو موجود في المجتمعات الاخرى، وساهم الانتفاح الاعلامي السريع والتواصل مع التقنية الحديثة ومع الافراد في مختلف دول العالم، برفع مستوى الهموم السياسية وتنضيج المطالب الوطنية. واصبحت المطالب الوطنية مركزة في مطلبين احدها مطلب اقتصادي يتلخص في توفير معيشة كريمة ولائقة، والثاني مطلب سياسي يهدف الى رفع سقف المشاركة السياسية وسلطة اتخاذ القرار، والحصول على حقوق وطنية عادلة.
بالنسبة للتيارات الاصلاحية فان تحقيق هذه الاجندة يتم عبر معارضة سياسية تمتد وتضيق حسب المعطيات الاجتماعية والثقافية للتيار، وتستهدف بصورة عامة تغيير او تعديل السياسات القائمة باخرى تراها ملائمة بوسائل سلمية، اما بالنسبة لتيار العنف المتنامي فانه لن يتردد من ارتكاب اعمال دامية تهدف تقويض نظام الحكم ومؤسسات المجتمع المدني، وفرض سياسات وآراء يراها البديل الوحيد والانسب لادارة البلد.
للخروج من احتمالات العنف ثمة طريقان الاول: استعجال الدولة في حركة الاصلاح السياسي، عن طريق الغاء القوانين المتعارضة مع الدستور مثل المرسوم بقانون بشأن الاجتماعات والتجمعات العامة، والقيود المفروضة على اصدار الصحف، واصلاح النظام الانتخابي عبر تخفيض من الناخب واقرار حقوق المرأة السياسية وتمكين العسكريين من ممارسة حقهم في الانتخاب وتعديل الدوائر.
والثاني: تصحيح الاوضاع الاقتصادية، وايجاد مخارج حقيقية للازمات القائمة في البلد، فالضغط المعيشي على المواطنين، وارتفاع الاسعار، وزيادة الاعباء المالية، وفرض ضرائب جديدة كلها مخاطر يجب ان تعمد الدولة على حلحلتها قبل ان تتحول الى استياء عام، اما اكتفاء الدولة بالحديث عن الاعباء الاقتصادية وتحميل المواطن المسؤولية عن طريق فرض الضرائب وزيادة الرسوم، فهو حديث لا يستطيع المواطن ان يفهمه في ظل انفاق حكومي غير رشيد في مواضع اخرى.
لا يمكن للمواطن ان يستوعب مسؤوليته في تحمل اعباء مالية جديدة رغم تدني دخله السنوي، اذ لا يتجاوز متوسط دخل الفرد الكويتي الـ عشرة الاف دينار كويتي في السنة، ومن الصعب ان يثق بان نواب مجلس الامة يمكن ان يشعروا بهمومه المعيشية، وهم متورطون في الضغط على الميزانية الى جانب الحكومة، اذ يبلغ فيه دخل النائب السنوي ما يقارب الستين الف دينار سنويا عدا المكافآت والبدلات والتسهيلات الاخرى، وتدفع الدولة للنواب (كرواتب فقط) في السنة الواحدة ما مقداره 2880000 دينار كويتي، هذا عن نواب الامة، فماذا عن الوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدين وكم يكلفون الميزانية في الشهر الواحد والسنة الواحدة؟
تهيئة بيئة خالية من العنف يتطلب اكثر من حديث ودي عن الازمات والاخطار السائدة انه يتطلب البدء في إجراءات وقائية عاجلة، ودراسة مستفيضة لكل الاسباب والثغرات التي يمكن ان تثير كوامن العنف في المجتمع، كما تحتاج البدء بخطوات اصلاحية جديرة بإعادة الثقة بين المواطن والدولة، واقناعه بانه جزء من حالة وطنية قابلة للتطور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه