الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل دور جديد للدولة

قاسيون

2004 / 11 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إذا كانت العقود الماضية قد أنتجت دوراً محدداً للدولة في المجال الاقتصادي وكذلك السياسي واصُطلح على تسميته بالدور «الأمني» فإن هذا الدور قد استنفد نفسه تاريخياً، والمطلوب البحث عن دور جديد وصياغته بحيث يتوافق مع المتطلبات التي تقدمها الحياة اليوم.
وبالفعل فإن الدور الوصائي السابق للدولة في المجال الاقتصادي، والذي سار بعيداً عن أي تخطيط، رغم وجود الخطط، والذي لم يستطع الحد من الفساد المرتكز إلى نهب ثروات البلاد، بل فاقمه، إن هذا الدور وصل في نهاية المطاف إلى حالة عجز عن تحقيق أي نمو للاقتصاد الوطني، النمو الذي ماهو إلا شرط ضروري لأية عملية تنمية حقيقية تنعكس إيجابياً على المشكلات الأساسية التي يعاني منها المجتمع من مستوى معيشة متدنٍ وبطالة متراكمة.
كما أن هذا الدور في المجال السياسي كبّل قوى المجتمع وعطل الحركة السياسية الفعلية فيه، وبالتالي أخرج جهاز الدولة من تحت أية رقابة فعلية للمجتمع عليه مما ساهم في نشر الفساد وخاصة الكبير منه مع ما يحمله ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة.
أمام هذا الواقع تقوم بعض القوى المتأثرة بروح «الليبرالية الجديدة» داخل جهاز الدولة وخارجه بالدعوة إلى إلغاء أي دور للدولة وخاصة في المجال الاقتصادي أو تخفيضه في أحسن الأحوال إلى الحد الأدنى تحت شعار: الاتجاه نحو اقتصاد السوق «الحر»، وهي إن كانت تدعو في المجال السياسي لإعادة النظر بدور الدولة فإنها عملياً تدعو لنقل سلطة القرار السياسي، إن لم يكن كله، فعلى الأقل جزء هام منه إليها، وبعيداً عن قوى المجتمع الحية، لضمان نقل الثروة إليها، وهكذا ينتقل المجتمع من تحت الدلف إلى تحت المزراب.
والغريب في الأمر أن تجارب الآخرين تبين بوضوح أن مقولة الحد الأدنى للدولة هو شعار تصدّره قوى العولمة الكبرى إلى الدول الأخرى، بينما تقوم هي في بلدانها الأساسية بالعكس تماماً.
فحسب تقارير البنك الدولي فإن حجم الدولة في الاقتصاد في إنكلترا مثلاً ارتفع من 31% عام 1970إلى 39% عام 1997، وفي فرنسا من 39% عام 1980 إلى 47% عام 1997، وفي السويد من 5% إلى 44% عام 1997.
إذاًً، فإن الدعوات التصديرية تهدف إلى إضعاف بنى الدولة المقرر اجتياحها اقتصادياً وسياسياً لتأمين أكبر المنافع للرساميل الدولية الكبيرة في ظل أزمتها المستعصية التي تهدد وجودها نفسه.
وبعيداً عن الضجيج الإعلامي الذي هدفه غسل العقول وتهيئة الوعي الاجتماعي لقبول الأسوأ عبر تجميله، مستفيداً من سلبيات التجربة الماضية التي وإن كانت ناتجة عن ظرف ما في حينه فإنها اليوم أصبحت معيقاً للتقدم اللاحق، بعيداً عن كل ذلك فإن الخيار الليبرالي حتى المخفَف منه هو أسوأ الحلول لمشكلاتنا الحقيقية التي تتطلب الحل، وهي لن تقدم إلا «خدمة الدب لصاحبه».
لقد كانت سورية دائماً قادرة على إيجاد الحلول الخاصة بها بعيداً عن ضغوط الماضي وإملاءات الحاضر، انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا، لذلك فإن القوى الوطنية مدعوة اليوم لصياغة دور جديد للدولة يضمن إطلاق طاقات المجتمع ويصحح المعادلة بينه وبين الدولة بحيث يضعها فعلاً تحت رقابته، وهذا يتطلب إطلاق أوسع الحريات السياسية مع الآليات الضرورية لها من قانون أحزاب وقانون للانتخابات يخدّم القانون الأول ويدفعه نحو تحقيق هدفه الأساسي ألا وهو النهوض بالحركة السياسية في المجتمع وتنشيطها.
ولكن كل ذلك سيكون بعيد المنال ما لم تتحمل الدولة قسطها من المسؤولية في التطور الاقتصادي الذي يتطلب أعلى معدلات نمو، الأمر الذي لايمكن أن يحققه قطاع ما بمفرده، فإذا كان البعض يدعو للتخلي عن الصنمية تجاه قطاع الدولة، فإن الصنمية تجاه القطاع الخاص يجب أن لا تحل محلها، فهو إن كان له دور في عملية التنمية اللاحقة فهذا الدور محكوم بمشاركته الفعلية في العملية الإنتاجية تحديداً، جنباً إلى جنب مع قطاع الدولة الذي يجب أن تتحول مشاريعه الجديدة إلى بؤر جر حقيقية للاقتصاد الوطني ولنا في سد الفرات نموذج تاريخي هام لهذا الدور.
إن دوراً جديداً للدولة تنموياً عقلانياً منفتحاً على المجتمع هو الضمانة الوحيدة لكسر حلقة المشاكل الكبيرة التي نواجهها، من نهب إلى بطالة، مروراً بتدهور مستوى معيشة الشعب، وصولاً إلى نمو منخفض يكاد يتحول إلى لانمو، وفي كل ذلك أساس هام لتأمين كرامة الوطن والمواطن.
■■








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت