الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوم يا مصري

سعد هجرس

2011 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


هناك أشياء كثيرة تجعلك تشعر بأن الثورة التي أضاء الشباب المصري شعلتها يوم 25 يناير لم تصل بعد ـ للأسف الشديد ـ إلي مجالات متعددة من حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن النظام الذي أسقطت الثورة رأسه ورموزه الكبيرة مازال كما هو في كل الأنحاء، سواء بسياساته أو بأشخاصه أو بالاثنين معا.
لكن هذه الأمور السلبية تمثل جانبا واحدا من وجهي العملة لحسن الحظ لأن هناك علي الجانب الآخر جهودا جبارة للحفاظ علي الثورة وقوة دفعها وحرصا علي تجدد النداءات من أجل حشد مليونيات متتالية في ميادين التحرير المصرية من آن لآخر إنقاذا للثورة ودفاعا عن وجودها وأهدافها في مواجهة الثورة المضادة ومحاولات الالتفاف والاحتواء والاغتيال.
****
فإذا أخذنا مجال الثقافة كمثال، فإننا نستطيع أن نتفهم أن الاستجابة الإبداعية لحدث كبير بضخامة وحجم ثورة 25 يناير لا يمكن أن تكون فورية لأن استيعاب هذا الحدث الهائل والمدهش والمذهل والملهم للشعوب العربية والعالم بأسره يحتاج إلي وقت وتأمل.
وعادة فإن "الترجمة الفورية" ورد الفعل "المباشر" لمثل هذه الأحداث السياسية الكبري يكون أسوأ تحية لها وأردأ تعبير عنها.
فما بالك وأن ثورة 25 يناير مازالت في طور البدايات أو في أحسن الأحوال فإنها مازالت نصف ثورة تبحث عن نصفها الناقص، وتسعي لاستكماله واستكمال أهدافها التي لم يتحقق معظمها بعد، فهي بالكاد حققت جزءا من نصفها الأول، وهو المتعلق بهدم النظام القديم المترنح الذي مازال قائما رغم سقوط رأسه، أما نصفها الثاني المتعلق بإرساء دعائم نظام جديد فلم يبدأ أصلا.. أي أننا مازلنا نقف في المسافة الانتقالية من النظام التسلطي الاستبدادي الفاسد في مشارف بناء دولة الحق والقانون علي قاعدة المواطنة وعلي أرضية الحداثة والعقلانية.
وهي بطبيعتها مرحلة ملتبسة ومراوغة ومليئة بالتعرجات والمنعطفات.. والمنزلقات أيضا.
****
في مثل هذه الأوقات التي يفتقر فيها الكثيرون إلي اليقين ووضوح الرؤية تأتي أهمية الأشكال المتعددة لاستنهاض الهمة وتبديد الحيرة.
ومسرحية "قومي يا مصر" واحدة من هذه الأشكال فهي أولا تذكرنا بأن هناك شيئا مهما يحاول البعض أن يجعلونا ننساه أو أن نكفر به إذا تذكرناه اسمه ثورة 25 يناير.
وهي ـ ثانيا ـ تجعلنا نسترجع تاريخا طويلا أطول من ليل المريض، من الاستبداد والفساد، من الطغيان والافتراء، من الديكتاتورية والاستغلال عاني منه هذا الشعب الصبور، وظل كاظما غيظه وكاتما غضبه حتي فاض به الكيل ولم يعد بقوس الصبر منزع، فخرج مفجرا ثورة لا مثيل لها في تاريخ البشرية.
المسرحية تأليف الكاتب المسرحي المبدع بهيج إسماعيل والعجيب أنه كتبها منذ خمس سنوات أي قبل الثورة بأكثر من أربع سنوات في وقت كان فيه الكثيرون، يسخرون من الشعب المصري، ويتهمونه بالجبن والتقاعس.. لكن بهيج إسماعيل واحد من المؤمنين بأن مصر من الدول القليلة في العالم التي لها روح وأن تلك الروح ترفرف عليها منذ القدم وحتي اليوم.
فإذا غفت مصر في وقت ما أو أخذتها سنة من النوم فلا تظن أنها ماتت إنها فقط في غيبوبة تأمل في انتظار الروح وها هي الروح قد عادت علي أيدي أبنائها البررة.
وبالنص الذي يحمل هذه النبوءة أمسك المخرج عصام الشويخ مدير عام المسرح المتجول بكل الشخصيات المرسومة علي الورق ونفخ فيها روحا وصنع منها حالة مسرحية مشحونة بالحياة والشجن والمعاناة والألم والأمل، تمتد من زمن الفراعنة حتي يوم 25 يناير 2011.
كل هذه المعاني جسدها علي المسرح وكساها لحما ودما ومشاعر وأحاسيس الفنانون: محمد متولي، وخالد محمود وبثينة رشوان، وحمدي حفني، ونيرمين كمال وسوسن طه ومحمد أبوسعدة وأحمد النمرسي ومحمد أحمد ومصطفي بكري ووليد رفاعي وكمال زعير ودنيا وعماد حمدي ومحمود علوان، وزملاؤهم الذين قاموا بأدوار مساعدة.
في إطار ديكور ناصر عبدالحافظ وتصميم الأزياء التي أهدتها للعمل الدكتورة نهي دراج مدرس طباعة المنسوجات بكلية التربية النوعية وبمصاحبة أشعار فيصل بجاتو، وموسيقي وألحان محمد شحاتة، وغناء وليد مصطفي وسمية وجدي، وكمان مينا عطوان، وناي فتحي كولة، وعود محمد شحاتة.
كل هؤلاء وغيرهم الكثيرون من الجنود المجهولين للمسرح المتجول، ورغم الإمكانات المادية الفقيرة.. قدموا صيحة التشجيع الإيجابية "قوم يا مصري" لثوار 25 يناير وكانت اللفتة الجميلة استضافتهم لعدد من مصابي الثورة وتقديم الورود والدعم الأدبي لهم.
وهذه قصة أخري تقوم بدور البطولة فيها السيدة إيمان الخضيري رئيسة جمعية "مصريون متحدون" التي احتضنت هؤلاء المصابين وقامت وتقوم بعمل عظيم في علاج الكثيرين منهم في الداخل والخارج.
وكان مشهدا لا يقل روعة عن مشاهد المسرحية أن ينزل أبطال "قومي يا مصر" من خشبة المسرح إلي الصالة ليقدموا الورود إلي مصابي الثورة في لفتة رائعة وبالغة التحضر.
لا يضاهيها سوي نبل المستشار الثوري زكريا عبدالعزيز الذي جلس وسط مصابي الثورة في صالة المسرح متابعا حالتهم فردا فردا بدقة شديدة ورقة مدهشة فهمت منها أنه دائم الاهتمام في صمت وتواضع وبعيد عن المظهرية بهؤلاء الأبطال الذين ألهموا وألهبوا المشاعر بنداء يوم 25 يناير.. وما بعده: "قوم يا مصري".. و"ارفع راسك فوق.. انت مصري".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يُحطم رياضيو أولمبياد باريس كل الأرقام القياسية بفضل بدلا


.. إسرائيل تقرع طبول الحرب في رفح بعد تعثر محادثات التهدئة| #ال




.. نازحون من شرقي رفح يتحدثون عن معاناتهم بعد قرار إسرائيلي ترح


.. أطماع إيران تتوسع لتعبر الحدود نحو السودان| #الظهيرة




.. أصوات من غزة| البحر المتنفس الوحيد للفلسطينيين رغم المخاطر ا