الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-زنزانة 211-.. السجان حين يكون سجينا

محمود عبد الرحيم

2011 / 7 / 1
الادب والفن





فيلم اسباني يدين "السلطة البوليسية"
"زنزانة 211".. السجان حين يكون سجينا

*محمود عبد الرحيم:
"زنزانة 211" فيلم اسباني للمخرج دانييل مونثون جرى عرضه مؤخرا بالقاهرة في اطار مهرجان "السينما الاسبانية تتحدث العربية"، ويعد من الأفلام ذات الحبكة الدرامية الملفتة التى تجعل المشاهد فى حالة ترقب واندماج مع الأحداث المتصاعدة بسلاسة، و بشكل يهيئ للتوحد مع شخصيات العمل، وفى ذات الوقت يمنح مساحة للتأمل فى المصير الإنساني ولعبة القدر التى تفاجئ المرء بما لم يخطر على باله، وتحيل حياته لماسأة.
ولعله من الأعمال التى تجعلك تكسر الصورة النمطية عن المجرم، أو بالأحرى تراه من منظور إنساني أوسع، فليس كل من ارتكب جريمة أو يقبع وراء القضبان بشيطان رجيم، وليس من هو خارجها بملاك طاهر، فربما يحمل السجين من النبل و الرحمة والشرف ما لايحمله السجان، الذي قد يكون فاسدا وخائنا، ويدوس بقدميه على كل القيم والمبادئ.
فى الوقت نفسه، فإن السجين أولا وأخيرا إنسان، وكونه مقيد الحرية عقابا على ما اقترفه من جرم، فهذا لا يعني انتهاك حقوقه الآدمية، وهى الرسالة الأخرى التى يسلط عليها الفيلم الأضواء.
وربما يصعب تصنيف هذا الفيلم الذي يمتلئ في البداية بعناصر "الكوميديا"، ثم ينقلب إلى النقيض "التراجيديا"، مع لمحات "رومانسية" تطل علينا من وقت لآخر، وسط جو من الإثارة المرتبطة بالعالم البوليسي الذي تدور فيه أحداث الفيلم، لكنه في الأخير تجربة ناضجة تحمل رؤية تأملية متعددة الأبعاد، تضعنا أمام صورة مصغرة للحياة التى نعايشها، بما فيها من فرح وحزن وأمل واحباط وسخرية وجدية وخداع وصدق.
وبدا أن صناع الفيلم اختاروا إدماج المشاهد داخل العمل، بكشف الخديعة التى يمارسها البطل(السجان الجديد)، على جموع المسجونين، وجعلهم يعلمون بخطته لإخفاء هويته، حين يجد نفسه فى أول يوم عمل له حبيسا داخل زنزانة، وسط تمرد داخل السجن، وهو أمر دال من زاويتين أولهما أن الحقيقة التى نعلمها، قد لا يعلمها غيرنا، والعكس بالعكس، وثانيهما أن الحياة تحمل من الصدف أكثر مما نتوقع، وأن التحول من النقيض للنقيض وارد، وأن لعبة استبدال الأدوار التى نلسمها داخل الفيلم تجعلنا بصدد الدعوة لمعرفة الآخر، دون الحكم المسبق عليه، على نحو قد يغير رؤيتنا له، ونراه بصورة مغايرة، ومن منظور أكثر تسامحا.
ففي الوقت الذي كانت "سلطة السجن"، ومسئولو الأمن خارجه يسيطر عليهم هاجس قمع التمرد الداخلي بأى ثمن، ولو باستخدام العنف والخداع والتضحية بزميل لهم، كان "زعيم المساجين" يسعى للتفاوض على مطالب للجميع، ويعمل على الترفيه عنهم بدعاباته وعباراته الساخرة، ويبدي تعاطفا مع زميلهم الجديد حين علم بضرب زوجته على يد حراس السجن، لدرجة أنه جعل اطمئنان زوجها عليها في مقدمة أولويات المطالب.
وفيما سعت إدارة السجن لكشف (الحارس/السجين) توطئة للتخلص منه بعد أن صار عبئا عليها بعد التورط فى قتل زوجته، يجد على الجانب الآخر تسامحا من "زعيم المساجين"، واحتواءا، ومشاركة له فى مصابه الأليم.
ويعد إظهار حالة التضامن بين رفاق السجن في السراء والضراء، في مقابل الخيانة من جانب رجال الأمن، والتآمر على زميلهم، مقارنة ذات سخرية لاذعة، إذ أن المفترض هو العكس.
وتبدو لقطات "الفلاش باك" للعلاقة الحميمة بين الحارس الجديد وزوجته، وترقب قدوم مولودهما، وربطها باللحظات العصيبة التى مرت بهما، وصولا إلى وفاة كل من الأم وجنينها، ثم مقتل الزوج، ذات دلالة تحمل إدانة واضحة للسلطة البوليسية الغاشمة المجردة من المشاعر الإنسانية التى لا تودى بالحاضر فقط ممثلا فى الأب والأم، وأنما بالمستقبل الذي يمثله المولود الجديد.
إلى جانب، أن كشف تسهيل دخول الممنوعات للبعض داخل محبسهم مقابل التجسس على السجناء أو نظير رشاوي، تأكيدا لتلك للإدانة، وربط لمتلازمة عنف وفساد جهاز الأمن الذي يُفترض به رعاية تطبيق القانون، فيما يقوم في الواقع بخرق القانون على كافة المستويات.
وحتى تحول البطل من حارس يدعي الإجرام إلى مجرم بالفعل، بدا أن الفيلم يحّمل مسئوليته ل"السلطة البوليسية" التى تقاعست عن مساعدته فى الخروج، ومارست الخداع مع المساجين الذين تتفاوض معهم من أجل مطالب مشروعة في تحسين أوضاعهم الإنسانية، ما اضطره إلى محاولة اثبات ولائه لرفاقه الجدد بقطع أذن محتجز سياسي من حركة "ايتا" المعارضة.
بل أنه إذا ربطنا بين المشهد الأول، حيث نرى شخصا ينتحر في محبسه الانفرادي والدماء تسيل من شراينه، وبين مشهد مقتل البطل في نهاية الفيلم، وبينهما مقتل الزوجة الحامل، نجد أننا إزاء توصيف لجهاز الأمن بالدموية.
ويبدو مشهد النهاية بالغ العمق والدلالة حيث جرى تسليط الكاميرا على جدران الزنزانة الانفرادية المليئة بالرسوم والكتابات، ومنها ما يذّكر بمقتل (الحارس/السجين) هنا، ثم القطع على اجتماع لرجال الأمن حيث يقدم مسئول عملية إنهاء التمرد تقريره، مدعيا ببرود أن العملية نجحت، وإن جرت بعض الخسائر الاضطرارية، وكأن صناع الفيلم يريدون أن يرسلوا برسالة أن الانتهاكات ممنهجة، وإن جرى إخفاؤها، إلا أنها مدونة ولا تسقط بالتقادم.
وساهم التوظيف الجيد للقطات احتجاجات أهالى المسجونين من ناحية، ولقطات القوات الخاصة التى تتهيأ لاقتحام السجن، في التخفيف من رتابة المشاهد الداخلية الطويلة، فضلا عن أن القطع المتواصل عليها خلق ايقاعا متسارعا للفيلم، بالتوزاي مع الموسيقي التى شحنت اللحظة الدرامية بالترقب والتشويق.
*كاتب صحفي وناقد مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي