الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشكل الأسمى للثورة: الشعب يريد إسقاط النظام

عبد الإله بوحمالة

2011 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ما وقع في تونس ومصر، ومن خلال ما يجري حاليا بليبيا واليمن وسوريا، يوجد اليوم أمام السلطة السياسية بأبعادها المختلفة في كل بلدان الوطن العربية الأخرى، وكذا أمام أحزابها وتنظيماتها ونخبها وأمام الفاعلين واللوبيات والمتنفذين في المجالين الاقتصادي والإداري، الفاسدين منهم والصالحين على حد سواء، معاني جديدة ومربكة وغير مسبوقة في تبلور الفكرة السياسية المثالية التي تنشد الإصلاح والتغيير، وفي احتضانها ورعايتها، وفي الجهات الحاملة لألويتها، ثم في الأخير الأساليب المستحدثة لتعبئة الشعب حولها وتحشيد المساندة لها.
كما يوجد أمام كل هذه الفئات اليوم معاني جديدة في تمخض تلك الفكرة عن مطلب سياسي واضح بشعارات دقيقة في كل النماذج المذكورة، وبسقف بعيد المدى يبدو لأول وهلة كأنه سقف طوباوي بالمقارنة مع مقاييس المطالب الشعبية التي رفعت منذ حصول الشعوب العربية على استقلالاتها إبان القرن الماضي إلى الآن.
لكن دعنا في البدء نتساءل: منذ متى كانت الشعوب في السابق قادرة على أن تعتصم في الشوارع والساحات بكل هذا الزخم، ومنذ متى كانت تجرؤ على الصراخ والاحتجاج بكل هذه الثقة وهذا العزم في تصميمها المستميت وبالنفس الطويل من أجل إسقاط أنظمتها ورغبتها في التحرر النهائي من رؤوس هذه الأنظمة المخلدة ورحيلهم إلى الأبد بل وحتى محاكمتهم، منذ متى كان يحدث ذلك دون أن تقمع أو تعنف ويشتت جمعها ويكبح جماحها بقوة السلاح والنار، ودون أن تنتصر في الأخير إرادة الجمود والإمعان في الاستبداد والجبروت على إرادة الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتغيير.
إننا إذن أمام واقع جديد لسياق جديد بفاعلين جدد وأدبيات جديدة وطموحات غير متواضعة بالمرة. فالمطلب المفرد الذي يختزل مطالب شتى جاء هذه المرة من بنات أفكار شباب متحمس ومسيس أكثر مما كان مظنونا فيه، ومتحديا ومتحدا ومتضامنا ومسالما أكثر مما كان متوقعا منه.
والتعبير عن هذا المطلب جاء صريحا وواضحا ولا مواربة فيه، وجاء غير محكوم بخوف ولا تردد، ولا مطوق بنوازع ذاتية وأحلام ومصالح شخصية أو نخبوية أو فئوية، بل الأهم من هذا وذاك، أنه جاء غير مكبل بتلك المقولات والأحكام والفذلكات الإيديولوجية الجاهزة مما هو معهود ومرفوض، من مقولات المساومة والابتزاز والتوظيف السياسوي المغرض والرخيص.
ومن جانب آخر جاءت القنوات الموظفة في الاستقطاب والدعوة إلى هذا المطلب من بين أكثر الأساليب والآليات حداثة وأوسعها انتشارا وأكثرها حرية وأشدها قربا ومواءمة لروح العصر ولجيل الشباب، أي جاءت عبر ما باتت تتيحه الثورة الرقمية، وما أصبح يوفره الإنترنت والعالم الافتراضي من إمكانات لامحدودة في التواصل الاجتماعي والحوار الفوري المبسط والعفوي.
إنها تركيبة جديدة خرجت إلى الوجود من بذرة الأحلام المشتركة المشروعة للشعوب، فتحولت إلى فكرة وطنية ورؤية مخلصة للمستقبل، ولدت في رحم المجتمعات الرازحة لعقود تحت نير الاستبداد والظلم والقهر، وسقيت من عرق ودماء الضحايا والمسحوقين، لتجد في النهاية تربتها الملائمة في الذهنيات الجديدة لشباب، رصيده مرتفع فعلا من الشجاعة والكبرياء، وسجله خال من الانتهازية والتواطؤ، وذمته بريئة من كل ما يصنع ويوضب عادة في دهاليز الأنظمة وعسسها والموالين لها، وفي بورصة محترفي النضال، ومنتديات أدعياء الثقافة والتنظير، فكانت النتيجة سلاح بسيط لكنه قوي وفعال وشرعي ومضمون لإحداث التغيير بقوة السلم، سلاح استطاع في حالتي تونس ومصر أن يفصل في أيام معدودة رأس النظام المريض عن أطرافه الفاسدة، وأن ينجز الاستحقاق الأول للثورتين، وفي حالات ليبيا واليمن وسوريا هو سائر إلى أن يفعل نفس الشيء وبنفس المسار وقد ينتهي إلى نفس النتيجة، وذلك فقط بشعار واحد ردده الجميع في ساحات الاعتصام مخاطبين الأنظمة المترهلة في عز صممها وعنادها وغطرستها بضرورة التغيير وبحتميته.
إنها صيغة جديدة للثورة، بل إنه الشكل الأسمى لها.
فحينما تطالب الشعوب سلميا بالتغيير والإصلاح العميق ثم تقمعها الأنظمة وتنكل بها أو تلتف عليها كل يوم بتنازلات سخيفة وإصلاحات شكلية ووعود فضفاضة فإنه من الطبيعي أن يرتفع السقف إلى النقطة الأبعد التي لا تتصور، ومن المؤكد أن يعلن الشعب كلمته الحاسمة والأخيرة ممثلة في الشعار الذي رفع في تونس وأعيد رفعه في كل الساحات التي تمور حاليا بالغليان، وسيعاد رفعه في كل الثورات القادمة الأخرى والذي مفاده أن "الشعب يريد إسقاط النظام".
وبعد أن تستوعب الأنظمة هذه المعاني والرسائل الجديدة وسياقاتها ونوعية الشباب الذي يناضل من أجلها سيبقى أمامها إما أن تستجيب فورا بإصلاحات شعبية حقيقية وعميقة أو أن تستعد للمغادرة والرحيل.. لأن الشعوب فعلا أصبحت قادرة على إسقاط النظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل