الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السقوط المغربي

سعيدي المولودي

2011 / 7 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


السقوط المغربي
في ظل الحملات المسعورة التي قادها المخزن و"عبيد البخاري" الجدد الذين أفرزهم العهد الجديد، والذين يتنكرون لكل القيم الإنسانية والتقاليد والأعراف الاجتماعية وقيم الديموقراطية والحرية والتعدد والاختلاف، ويتماهون من صلبها مع منطق الانحرافات وتلطيخ العمل السياسي والكشف عن لحظات امتزاجه بالبؤس والضحالة الفكرية وانعدام الضمير، والأمية الثقافية،والتدني السلوكي والأخلاقي،لا يمكن للمرء إلا أن يأسى بحرقة لما آلت إليه الأوضاع ببلادنا، والتحولات اللانوعية التي تشهدها وتستوجب إعادة ترتيب الأوضاع والاستعداد لمرحلة قاتمة من المواجهات التي ظهرت بوادرها منذ شهور قليلة.
إن ما أنتجه المخزن الجديد من نماذج سياسية وثقافة سياسية خلال هذه الشهور يكشف بقوة عن الهاوية الكبرى التي يتحرك نحوها المجتمع المغربي، ويؤكد أن تطور هذا المجتمع نكوصي حتى الأعماق ويشحن لحظة بعد لحظة لتحطيم الكثير من المكتسبات التي تحققت في ظل الانفراجات التي صاغها النظام ورعى امتداداتها في المجتمع بجرعات محسوبة، كما يؤسس لخطاب جديد عماده العنف المادي والرمزي الذي يستهدف تدمير المقومات الاجتماعية والثقافية والحضارية للسياق التاريخي الذي نحياه، مثلما يؤشر لميلاد إستراتيجية هجومية يقودها ويرعاها المخزن الجديد لتكريس الاستبداد ونشر إطار الثقافة التسلطية والتحكمية التي يسعى لتسويقها، ويستقطب إلى فضاءاتها الفئات المهمشة في المجتمع ليجعل منها أداة للتعبئة الهوجاء والتجييش الأعمى الذي يوطن ثقافة العنف ويوسع من دائرة انتشارها، حتى لو اقتضى الأمر نسف كل ما هو إيجابي في المجتمع المغربي والزج به في مناطق فوضى توظف لرعاية الانقسام والتجزيء واستلهام تجربة بعض الأنظمة الجوفاء التي تهدد بالعودة إلى نظام المليشيات القبلية والطائفية، واستبعاد أية احتمالات لإمكانية العيش أو التعايش خارج لحظة الفوضى والجنون واللامسؤولية والتسيب الذي يراد له أن يكون طريق العهد الجديد، كما يرسمه الدجالون المناهضون لكل ما يمكن أن يقودنا إلى بناء مجتمع مغربي عقلاني منفتح قائم على مباديء الحرية والاختلاف والتسامح والحوار والجدل المثمر، وتوجيه مؤسساتنا السياسية نحو اعتناق هذه المبادئ بدل أن تتسلح بثقافة الهجانة والنذالة وتتكلم لغة السقوط والانحدار الفكري والسياسي والهبوط الأخلاقي.
لقد راكم المخزن الجديد والموالون لإغراءاته المنبطحون لإرادته وتعاليمه الجوانية والبرانية شروط خلق معرفة وثقافة رثة رديئة تعتمد التسطيح والزيف والإدراك المقلوب لوضع الأشياء والحقائق، والعبثية في التعامل مع تناقضات المجتمع المغربي وتحولاته، ثقافة لا تروم اكتشاف المغرب وسيرورته الحضارية والمستقبلية في ظل عالم متحول بدأت الشعوب تصنع تاريخه، بل تحفر في اتجاه طمس معالم النظرة الواقعية إلى وقائعه، وما شهده من تغيرات فيها الإيجابي والسلبي بطبيعة الأمور، ومشروعها الأساسي هو تقويض أية محاولة لرد الاعتبار للإنسان المغربي ولطموحاته وإخضاعه بالقوة والعسف والكيد إلى إغواءات وأوهام أن كل شيء على ما يرام، وترويج أسطورة المجتمع المثالي الحداثي الديموقراطي والنظام الثابت الأواسي الذي لا يقهر،والهدف الأسمى لها اهو إعاقة التقدم والحفاظ على الأوضاع كما هي.
إن كثيرا من "اللغات السياسية" التي وظفت منذ شهور واستثمرت في سياقات متعددة تحتاج إلى تحليل أعمق وأنفذ، سيقودنا حتما إلى الوقوف على الأشكال الثقافية المتكلسة التي ينتجها المخزن وتجترها الجماعات السياسية المقاتلة إلى جانبه، وهي أشكال تعبر عن رؤية قاتمة للعالم تتوخى توقيف اللحظة التاريخية وفصلها عن مجرى التاريخ المعاصر وبناء نماذج ثقافة تأويل وإدراك عقيمين ومشوهين يقومان على الزيف والدجل والترهيب وتصريف المطلقات كأدوات منهجية للإقناع أو الإكراه بمعنى أدق.
إن المخزن الجديد يحاول باستمرار أن يلبس لباسا متجددا، فمنذ سنوات كانت ثقافة المفهوم الجديد للسلطة، وهو مفهوم كان يوحي بغايات الانعتاق من التركة السوداء لعصور السلطة التحكمية والقهرية، ويسعى إلى الاحتماء بفضاءات وليدة عمادها الديموقراطية واحترام كرامة المواطن، لكن المفهوم اضمحل في غمرة الاستهلاك العقيم، وبقي مجرد إطار فارغ لتسويق "متخيلات" زائفة لم يكن لها من هدف غير تصعيد صورة السلطة الشمولية والمثالية وترسيخها كقدر مغربي محتوم لا مرد له.
الغريب أن أدبيات الجماعات السياسية المقاتلة في جبهة المخزن ظلت وجها للتطبيل والتهليل لهذا المفهوم وغيره من المفاهيم المنفلتة التي لم تجد لها صدى أو حضورا على أرضية الواقع الملموس، وأدت مع حملة فرض صيغة الدستور الجديد الدور ذاته مضاعفا، ومع ذلك فإن جل الخطابات أو الأدبيات المنتجة في ظل الحملة لم تبتعد عن بنية النصوص التهريجية والتضليلية التي تنبني على عنصر الاعتداد بالقوة التي لا تقهر التي يتمتع بها المخزن، القوة التي تبدو أثر قوة من الأحداث التاريخية والسياسية الجهوية والدولية، وفي الحقيقة وسواء على المستوى الكمي أو الكيفي فإن هذه الخطابات لم تضف شيئا إلى سياق أدبيات هذه الجماعات العتيقة غير التحامل المفضوح على الرأي المخالف، وتعنيفه وتخوينه واستثمار قاموس السباب والشتائم الهجين، ولم تكن لها أية فائدة سياسية إذ لم تفلح في تقديم وصياغة بدائل مقنعة وموضوعية للأفق السياسي أو الاجتماعي الذي تصبو إليه في ظل الدستور الجديد، ولذلك فإن الحقيقة الوحيدة التي رسختها أجواء الحملة العاصفية أن الجماعات السياسية المقاتلة إلى جانب المخزن جسدت النموذج الملموس للضحالة الفكرية وضيق الأفق السياسي والثقافي إذ لم تستطع أن تعطي معنى لمواقفها ولنص الدستور، ودون تحفظ فإن أيا منها لم يتعامل مع الدستور من موقع النزول إلى قعر دلالاته وأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية القريبة والبعيدة، وربما لم تقرأ الغالبية العظمى النص من هذا المنحى، واكتفت باستعمال واستنفار "القدرات" العجيبة الكامنة التي سخرها المخزن وفجرها المال الداعم لها لإغراق سياق الحملة في دوامات لا تتوقف من الدجل والتخريف والتعصب وإثارة الرعب والنعرات الطائفية والدينية واضطهاد الرأي المخالف باعتماد كل أشكال المطاردات والقمع واللغة النابية الساقطة التي أطلق لها العنان لتمارس دورها في "القتل" و"التدمير".
إن كثيرا من نماذج أدبيات الجماعات السياسية التي اطلعنا عليها ترمز في الواقع إلى الانحطاط والسقوط والإسفاف والجهل وتعكس في جانب منها معالم الثقافة الحزبية التي لا تجسد غير نموذج أصلي يعد جوهر الثقافة المخزنية. ومن المفيد لفت النظر في هذا السياق إلى ظاهرة مثيرة طبعت آليات الثقافة الحزبية خلال هذه الحملة، هي هيمنة المرجعية الموحدة أو الواحدة لدى كل القبائل السياسية وانسجام منطلقاتها تمام الانسجام لا فرق بين يمين ولايسار ولا وسط ولا تطرف ولا اعتدال، بل وتطابقت منظوراتها مع أعشاش الزوايا الدينية والطرقيات المتخلفة الموجهة بحيث أصبح من العسير التمييز بين موقف الحزب أو أي زاوية منسية في براري البلاد أو جمعية مهنية للحدادين أو الجزارين أو الباعة المتجولين، وتداخلت الخطب الحزبية مع خطب الجمعات وأضحى الجميع يتكلم لغة نمطية واحدة بحيث تم تذويب كل الخصوصيات والتمايزات المفترضة في صهريج العقلية والثقافة المخزنية التي اختزلت الجميع في بوتقة هذا التوحد العقيم، وجعلت الجميع عاجزا عن التفكير الصحيح، أو تقديم تصورات رفيعة عن الأوضاع بالبلاد ونص الدستور الجديد وحجم احتمالات إسهاماته في تغيير هذه الأوضاع أو وقف النزيف الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه، وبذلك تكون الجماعات السياسية المقاتلة في جبهة المخزن تصرفت في الحقيقة وفق إيقاع "ما قبل المنطق الديموقراطي" ودافعت بدون وعي عن أن المخزن أقدم شكل من أشكال النظام والحياة السياسية، وهو أبقى، وعلى هذا الأساس تم ترتيبها تبعا لقواعد وطقوس الولاء والتبعية العمياء، ومن ثم لم تسهم في الواقع إلا في إنجازات ثقافة الانحدار والسقوط وإضفاء الطابع التاريخي والشرعي عليها.

سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة