الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قالوا وقلنا في هموم الطائفة والأمة

فايز شاهين

2004 / 11 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


لا زال البعض يطالب الشيعة بعدم المطالبة بحقوقهم "حفاظاً على وحدة الأمة" مثل الكاتب المصري الشهير فهمي هويدي حيث انتقد بشدة في مقال له بجريدة الشرق الأوسط ظهور مجموعة من رجال الدين الشيعة في برنامج على قناة (الحرة) لمناقشة حقوق الشيعة المسلوبة في بلادهم في مبادرة غير مسبوقة لفتح ملف هموم الشيعة. كذلك امتدح هويدي مقال سماحة الشيخ حسن الصفار حول هموم الطائفة وهموم الأمة. هموم الطائفة كما ذكر لنا التاريخ وكذلك الصفار في مقاله، هموم الطائفة بدأت منذ أيام الإمام علي عليه السلام، وكذلك عندما تولىّ معاوية الحكم وصلح الإمام الحسن عليه السلام، حيث قام أئمتنا بالتضحية من أجل الأمة، راضين بالظلم الواقع عليهم وعلى شيعتهم من أجل هدف أسمى.

الأمة واقعها السيئ وتاريخها المزيّف
هموم الطائفة التي عنت في الماضي وتعني في الحاضر الظلم والقهر والاستبداد وانتهاك الحقوق هي جزء من هموم الأمة، فالأمة الإسلامية عاشت عصور استبداد لا تخفى على عاقل، حتى مع الكذب والتلفيق في كتب التاريخ التي تتحدث باستمرار عن العصور الذهبية، فهي عصور دمار وسرقة وقتل باسم الدين. إن غياب العدالة والمساواة لتبرير تماسك "هلامي" كاذب للأمة الإسلامية لا يخدم الإسلام ولا المسلمين في شيء، بل يكرّس حالة الكذب على النفس والتظاهر بالنقاء مع معرفة الواقع المر الذي تعيشه الأمة.
بدون شك لا يمكن القبول بتماسك "الأمة" والتي لم تتماسك في تاريخها، لا يمكن قبول ذلك إذا ما عنى ويعني نحر الشيعة المستمر في العراق وقتل وتشريد الملايين منهم وانتهاك حقوقهم واضطهادهم وتعذيبهم وتخوينهم، وقس على ما يحص لشيعة العراق يحصل لبقية الشيعة في العالم العربي والإسلامي. إن الأمة التي تمارس الاضطهاد لن تكون يوماً ما حريصةً على تماسكها ولا على رِفعتها ولن يكون لها مستقبل زاهر يقود إلى العُلى والرفعة كما تتبجح كتب التاريخ والدين والكتب الصفراء المنتشرة في كل مكان، وما يحدث في "الأمة الإسلامية" من شتات ومصائب فاقت كل مصائب العالم يعني أنّ هذه "الأمة المصطنعة" لم تكون أمةً واحدةً بل أُمماً متعددة مصالحها الفردية طغت على مصالح المجموع وهي دُويلات تأكل بعضها بعضاً تارةً باسم الدين وتارةً باسم الوطنية.

مصلحة الأمة في العدالة ونيل الحقوق
إن أول مبادئ نهوض الأمة هو العدالة والمساواة والتي على ضوئها تتساوى الفرص بين أبناء هذه الأمة، ولا يمكن أن تقوم أمة وتنهض بشكل كبير على الكذب والخداع والتضليل وعن طريق القتل والتمييز والسرقة والغزو تحت شعارات كاذبة لنصرة الدين ونشر الإسلام، فالإسلام ضدّ هذه الأعمال البربرية التي لازال التاريخ يذكرها لنا، ويذكر "التسامح" الكاذب مع أهل الكتاب حيث تم استعباد المغلوبين على أمرهم وتحويل كنائسهم إلى مساجد، مثل أيا صوفيا. ولا زالت هذه الأفكار هي التي تُسيطر على كتابات "أهل الدين" في الدول العربية والإسلامية مطالبةً باستعباد وقتل وسلب الآخرين المختلفين عنهم، من يهود ونصارى وشيعة وصوفية وغيرهم.
مع وجود أمثلة للتنازل لمصلحة الأمة، هناك أمثلة أخرى أيضاً رفضت التنازل لمصلحة الأمة قادها الأمام الحسين عليه السلام الذي رفض أن يبايع يزيد، رافضاً الظلم مطالباً بالإصلاح. نحن نعيش وضعاً أشبه بعصور الظلام حين كانت الكنيسة تحكم وحدها أو مع السلطان فقتلت العلماء وعذّبت آخرين وسرقت وفسدت وأفسدت كل شيء. نحن نعيش وضعاً مشابهاً حيث التيار الديني والحكومي يعيشان مع بعضهما البعض في عُشٍ واحد ولا يمكن التعرض لأحدهما دون الآخر؛ يخطئ البعض بقوله بأن مشكلة الشيعة هي مشكلة مع التيار الديني لا مع الحكومة، فالحكومة والتيار الديني يحكمهما توجه واحد وهو المصلحة، وهذه المصلحة أبعد ما تكون عن مصلحة الشيعة أو "الأمة".

حتمية المطالبة بالحقوق ونيلها
لقد مرّ الشيعة بتجربة طويلة مع الحكومة وكان الفكر السائد هو أننا جزء واحد من بلاد واحدة ولم يطرأ أي نوع من فكر الانفصال ولا حتى المطالبة بالمشاركة في الثروة التي هي لنا في أرضنا. لكن مع التغيّرات العالمية ومشاهدة وضع الأقليات في دول أخرى عربية وأجنبية وكيف أن حقوقها محفوظة أو على الأقل لهم تمثيل في الدولة ويعاملون معاملة مناسبة مثل بقية المواطنين، برزت أهمية حقوق الطائفة ليس من الناحية التعّبدية فقط، وإن كان ذلك مهماً، بل من الناحية الاقتصادية أيضاً.
نشرت مواقع النت الإخبارية بأن السودان سيتقاسم الثروة مع إقليم دارفور وهذا "ليس من منظور وطني للحفاظ على وحدة الوطن من التقسيم" كما يعتقد البعض، فقد مارست حكومة السودان القتل والتهجير لأهالي دارفور المسلمين ولا زالت. إذا ما نظرنا إلى وضعنا كشيعة في المنطقة الشرقية وكيف أن ثروة الوطن كلها تحت أرجلنا في الوقت الذي نعيش فيه الفقر والاضطهاد والتمييز الطائفي والديني وتتعامل معنا الحكومة بامتهان شديد مشككة في وطنيتنا، نرى الحقوق التي لنا والتي يجب علينا المطالبة بها ليس فقط لجيلنا بل للأجيال القادمة من المواطنين في المنطقة الشيعية.

عالم المصالح عالم الواقع
إن العالم قائم على مصالح، وتنازلات السودان لم ولن تكون أسبابها وطنية بحتة، بل هي بسبب ضغوط دولية قادتها أمريكا والدول الأوربية والأمم المتحدة، مما يعني أننا لا نتحدث عن مُثُل تضع مصلحة "الأمة" أمامها، بل عن واقع على الأرض يجب أن نتعامل معه بحنكة السياسي الذي يبحث عن مصالحه أولاً. الشيءُ بالشيءِ يُذكر، كل دول العالم الآن نظرت إلى الانتخابات الأمريكية، وقال مسؤولون في عدة دول بأن الأهم من بوش أو كيري هو أيهم يحقق أكبر قدر من مصالح دولهم، ومع ذلك أبدت استعدادها للتعامل مع الرئيس بوش للفترة القادمة حفاظاً على مصالحها، مع أنها انتقدته كثيراً في السابق.
إذا ما كانت هذه الدول تنظر لمصالحها دون خجل ولا ينتقص ذلك من سيادتها، أليس للشيعة أيضاً طموحات ومصالح عليهم البحث عنها في عالم مليء بصراع المصالح، والدول التي تستطيع استمالة الدول العظمى لجانبها هي التي تنتصر، ولاستمالة هذه الدول يجب أن يكون هناك مصالح بين الجانبين. هل المطلوب من الشيعة أن يضحوا بحياتهم ومستقبلهم وأن يكونوا كبش فداء يستمر ذبحهم كما في العراق الآن، فقط ليحافظوا على وحدة الأمة؟ وكأن هذه الأمة لا تستقيم إلاّ بسفك دماء الشيعة في الشوارع! ومع ذلك لم تتوحد الأمة مع كل ما تم من تنكيل بالشيعة خلال الألف عام الماضية.

مصالح الشيعة والوسائل لنيلها
السؤال هو: ما هي مصالحنا مع الدولة السعودية؟ هل البقاء أحياء هي المصلحة؟ لربما هذا أيضاً لن يحصل في المستقبل، ولربما نرى توجه التيار الإرهابي المهزوم في العراق بعد هربه من هناك قريباً يحاول الانتقام من الشيعة في السعودية ويُحمّلهم مسوؤلية ما حصل ويحصل. هل هذا خيال؟ ربما، ولكن الأوضاع العامة تشير إلى منحى مشابه، وهذا ليس بمستبعد. لقد حاول الشيعة منذ نشوء الدولة السعودية إلى الآن الحصول على حقوقهم وفشلوا، فلا أدري لما الاستمرار في نفس المنوال الذي أثبت فشله في الماضي؟ والأحداث الحالية تشير إلى أن السياسة الحكومية لم تتغير، وما حدث قبل أيام حيث نشر الوهابي المدخلي مقالة نشرتها صحيفة المدينة تنال من الشيخ الصفار والشيعة عموما، وكذلك ما نشرته راصد أيضاً من رفض رئيس محكمة القطيف تزويج فتاة شيعية من شاب سني يؤكد بأن الموضوع ليس دينياً بل حكومياً، وإلاّ لتدخّلت الحكومة وبشكل قوي وعاقبت هذا القاضي الفاسد. الحكومة تسترضي التيار الديني على حساب الشيعة، ودائماً تتحدث بأن الوقت ليس مناسباً لنيل حقوقنا، ولن يكون مناسباً، فلن ينال الشيعة حقوقهم دون أن تكون هناك أكثر من ورقة ضاغطة، أهمها فكرة الاستقلال أو الفيدرالية. وفكرة الاستقلال أو الفدرالية تحتاج لدعم دولي قوي وضاغط، وهذا لن يكون بالابتعاد عن الساحة الدولية، بل الدخول فيها والعمل على حبل المصالح وهي حقيقة لا غبار عليها وواقع لا يمكن التهرب منه.
فهل يعي الشيعة اللعبة أو الألعاب السياسية ويدخلوا قنوات التواصل مع العالم لنيل حقوقهم؟ أم يبقوا في قفص الخوف من تهمة العمالة و"العلقمية" ليستمروا في العيش على الهامش منتهكة حقوقهم ومسلوبة خيراتهم وحتى أرواحهم ستبقى في خطر داهم؟ ما قاله الصفّار ليس كتاباً مُنـزلاً وما قاله هويدي لا يُعتد به، والطريق لنيل الحقوق له أكثر من باب، وأهمّها أن نضع مصالحنا أماما أعيُننا أولاً وأخيراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأحزاب الانفصالية في كتالونيا تخسر الأغلبية في الانتخابات ا


.. بلينكن: الاجتياح الواسع لرفح سيزرع الفوضى ولن يؤدي إلى القضا




.. ترقب في إسرائيل لأمر جديد من محكمة العدل الدولية في قضية الإ


.. طائرتان مسيرتان عبرتا من لبنان إلى إسرائيل وانفجرتا في منطقة




.. الإعلام العبري يرصد التوتر المتصاعد بين إسرائيل والولايات ال