الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير

عبد الغفار شكر

2004 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


مشكلات الواقع وآفاق المستقبل
لا تستطيع مؤسسات المجتمع المدنى أن تقوم بدورها المأمول بفاعلية فى بناء الديمقراطية فى المجتمعات العربية، فهذه المجتمعات تعانى من بقايا الاستبداد وتمركز السلطة فى يد فئات محدودة، كما تعانى من ضعف شديد فى المشاركة الشعبية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد انعكست هذه الأوضاع على موسسات المجتمع المدنى سلبيا حيث توجد العديد من القيود التى تحول دون تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتحولها بالفعل إلى مؤسسات ديمقراطية قادرة على الاسهام فى البناء الديمقراطى بالمجتمع، وتتحمل القوى الديمقراطية مسئولية العمل على تقوية المجتمع المدنى وتحريره من القيود التى تحد من حركته وتأثيره والسير فى نفس الوقت على طريق التطور الديمقراطي، وأى نجاح تحرزه القوى الديمقراطية فى إحدى المهتمين سوف يؤثر ايجابيا فى الأخرى وسيساعد بالتالى علي مضاعفة الآثار المترتبة على النتائج المتحققة. ومن الخطأ أن تركز القوى الديمقراطية على إحدى المهمتين فقط متصورة أن إنجازها سوف يساعد على معالجة المهمة الأخرى، فلا يمكن بناء الديمقراطية فى أى مجتمع تغيب عنه مؤسسات مدنية فعالة، ولا يمكن كذلك تقوية المجتمع المدنى فى مجتمع تغيب عنه الحريات والحقوق الأساسية والمؤسسات والآليات اللازمة للممارسة الديمقراطية، وبالتالى لن تتحقق نتائج ملموسة باعطاء الأولوية لاحدى المهتمين بل يتعين السير نحو تحقيقهما معا. ولكى تتمكن القوى الديمقراطية من صياغة استراتيجية نضالية تهدف إلى تحقيق مزيد من التطور الديمقراطية وتقوية المجتمع المدنى فى آن واحد، فإنه يتعين علينا أولاً أن نتعرف على الأوضاع الحالية لمؤسسات المجتمع المدنى وكيف أثرت عليها الأوضاع السلطوية وحاصرتها ومن ثم نطرح كيفية معالجة هذه الأوضاع التي تجسد مشكلات الواقع الراهن في معظم المجتمعات العربية من خلال الاستراتيجية المقترحة للانتقال إلي آفاق مستقبلية تنضج في إطارها عملية البناء الديمقراطي وتقوية المجتمع المدني
أولاً: تأثير السلطوية على المجتمع المدنى
يمر المجتمع المدنى فى الوطن العربى بمرحلة انتقالية بالغة الصعوبة والتعقيد، تتشابك فيها الأبعاد العالمية والدولية، والمتغيرات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتيارات الفكرية والثقافية. وقد اتسع نطاق المجتمع المدنى المنظم من 20 ألف مؤسسة فى منتصف الستينات إلى 70 الف فى أواخر الثمانينيات، ومع ذلك فهى تعانى فى مجملها العديد من القيود والعوامل المحبطة الناجمة عن تعثر التحول الديمقراطى فى الوطن العربى. وتتفاوت أوضاع هذه المؤسسات من قطر لأخر باختلاف النظم السياسية رغم أنها تلتقى جميعا فى تركيز السلطة فى يد فرد أو نخبة محدودة تهيمن من خلالها السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وعلى المجتمع. ففى مجموعة الأقطار التى تشهد تعددية سياسية وحزبية مقيدة أو توجها نحو الديمقراطية مثل لبنان والمغرب ومصر والأردن واليمن والجزائر وتونس هناك اتجاه لنمو الجمعيات الأهلية والمنظمات الاجتماعية الأخرى أكثر من النظم السياسية الأخرى المحافظة. وبالتالى تتنوع المنظمات وتنشط فى مجالات لا نجدها فى الأقطار الأخرى، وأوضح مثال لذلك منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن المرأة والمنظمات التنويرية. أما فى أقطار الخليج العربى فإننا نلاحظ انخفاض حجم الجمعيات، وتكاد تختفى جمعيات حقوق الإنسان وكذلك المنظمات الدفاعية، ويتجه جزء كبير من الجمعيات إلى العمل الخيرى الذى يرتبط بالوازع الدينى كما هو الحال فى السعودية والكويت والبحرين والامارات. وفى دول أخرى حيث تسود نظم ذات طبيعة شعبوية تسلطية أو شمولية، فإن الدولة لا تسمح بتأسيس منظمات أهلية تعكس مبادرات المواطنين، لكنها تؤسس لجانا شعبية تكون امتداد للدولة كما هو الحال فى ليبيا، أو تؤسس اتحادات نوعية تهمين عليها الدولة كما هى حالة العراق (1) . وأيا كانت درجة الاختلاف فى وضع مؤسسات المجتمع المدنى من قطر لأخر فإن معظمها يعانى من التوتر فى العلاقة مع الأجهزة الإدارية لأكثر من سبب:
1-أعطت القوانين صلاحيات كاملة للحكومة من خلال الوزارات المختصة كالشئون الاجتماعية أو العمل أو الشباب أو الداخلية فى الإشراف على الجمعيات والمنظمات الأخرى. وقد تحولت هذه الصلاحيات فى التطبيق الفعلى إلى نوع من الإشراف والرقابة البيروقراطية التى انتقصت من استقلالية هذه المنظمات، كما تحولت فى بعض الأحيان إلى رقابة أمنية أثرت سلباً عليها.
2-فى بعض الأقطار العربية تتعدد مستويات الأشراف والرقابة من قبل الحكومة على المنظمات، مما يخلق مشاكل عديدة تعوق تنفيذ المشروعات التى تتبناها هذه المنظمات.
3-السلطات التى منحها القانون للحكومة فى بعض الأقطار العربية (مصر، سوريا، الامارات، الجزائر) لحل المنظمات الأهلية أو دمجها فى أخرى، تصبح أيضاً مصدراً للتوتر وعدم الثقة بين الطرفين، أو قد تتحول إلى سلطة للتهديد فى يد الدولة فى بعض الاحيان.
4-أصبحت عملية توزيع المخصصات المالية على الجمعيات الأهلية مصدراً آخر للتوتر بينها وبين الحكومة، وقد ارتبط ذلك بتدفق المعونات الاجنبية التى يجب أن تحظى بموافقة الحكومة، وفى حالات أخرى يتم توزيعها من خلال الحكومة مما يخلق حساسية بينها وبين القطاع الأهلى.
5-تختلف درجات التعاون أو التوتر بين الحكومات والجمعيات الأهلية باختلاف الأقطار العربية وباختلاف مجالات النشاط، فالتعاون يزداد بين الحكومة والمنظمات التى تسهم فى مساندة الدولة من خلال سد الفجوات أو ثغرات الأداء الحكومى، أو من خلال اضطلاع البعض منها بدور فى تنفيذ الخطة القومية بينما ترتفع حدة التوتر بين الحكومة والمنظمات إذا أدركت الأولى أن نشاط بعض هذه المنظمات يتضمن تهديداً أو تحديا لها. من أمثلة ذلك العلاقة بين بعض الحكومات العربية ومنظمات حقوق الإنسان. كذلك فإن التوتر بين الطرفين قد يجد مصدره فى الأشخاص القائمين على بعض هذه المنظمات حيث تبرز قيادتها كعناصر معارضة للحكم. ومن ثم فإننا نلحظ اتجاه بعض المنظمات نحو اختيار شخصيات على علاقة طيبة مع الحكومة، ليكونوا واجهة طيبة لهذه المنظمات ولضمان رضا الحكومة عما تقوم بـه من نشاط (2).
وقد استخدمت الحكومات أكثر من آلية لضمان سيطرتها على مؤسسات المجتمع المدنى.
أولاً: آلية التشريع:
استخدمت النظم السلطوية آلية التشريع للهيمنة على مؤسسات المجتمع المدنى واخضاعها للسيطرة الحكومية مما يحد من نموها وقيامها بالدور المطلوب منها واسهامها فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع وأجريت تعديلات على القوانين القائمة عندما تبين أنها لا تكفى لاحكام السيطرة على مؤسسات المجتمع المدنى من جمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية واتحادات طلابية. ومنظمات حقوقية ودفاعية. وكان لهذا الإطار التشريعى الذى يفرض قيوداً عديدة على إنشاء ونشاط هذه المنظمات أكبر الأثر فى الحد من قدراتها وامكانيات نموها. وفيما يلى نعرض لنماذج من هذه القيود وما ترتب عليها من آثار سلبية:-
1-بالنسبة للتسجيل والاشهار:
تشترط كل الدول العربية ما عدا لبنان والمغرب موافقة السلطات الحكومية قبل بدء النشاط، وتوضع شروط مبهمة وغامضة لقيامها مثل عدم مخالفة النظام العام واثارة الفتنة وتستخدم هذه الشروط لرفض قيام الجمعيات التى لا تطمئن إليها الحكومة. ويعتبر قرار الرفض نهائياً لا يجوز التظلم منه أمام جهة قضائية فى بعض الأقطار العربية. ونرى نفس القواعد بالنسبة للنقابات العمالية والمهنية حيث لا يجوز إنشاء أكثر من نقابة لكل مهنة او أكثر من لجنة نقابية فى نفس الموقع.
2-سلطة حل الجمعيات:
يعتبر حل الجمعيات بواسطة السلطة الإدارية لا يقل خطورة وربما كان أكثر من رفض تأسيسها خاصة إذا أعطيت الجهات الإدارية حق حل الجمعيات فى غير المخالفات الخطيرة وبدون حق الاستئناف إلى القضاء. وفيما عدا لبنان والمغرب فإن معظم التشريعات العربية تعطى للسلطة الإدارية حق حل الجمعيات لأسباب متنوعة يمكن أن تصدر بشأنها عقوبات أقل مثل الانذار أو لفت النظر وليس حل الجمعية.
3-العلاقة بين السلطة الحكومية والمنظمات الأهلية
يتجاوز دور السلطات الحكومية بالنسبة للجمعيات حدود الرقابة والتوجيه بما يضمن سلامة الأداء وانتظام الأمور المالية وسلامة التصرفات المالية إلى حد الهيمنة والسيطرة الإدارية على الجمعيات، حيث تنص بعض القوانين على حق السلطة الإدارية فى إدماج الجمعيات وتعديل أغراضها واستبعاد بعض المرشحين لمجالس الإدارة وحق الاعتراض على القرارات، وتحديد الهياكل التنظيمية بشكل تفصيلى من خلال لائحة نموذجية تضعها الجهة الإدارية وتلتزم بها مجالس إدارة الجمعيات وللسلطات الحكومية حق الإطلاع على السجلات والغاء أنشطة معينة.
4-الموارد المالية:
تلتزم الجمعيات بمسك الدفاتر التى تحددها الجهة الإدارية وعدم الحصول على تبرعات ألا بعد موافقة الجهة الإدارية وضرورة تحديد مصادر التمويل، ويستخدم التمويل الأجنبى ذريعة لمحاربة الجمعيات واتخاذ إجراءات ضدها.
5-فرض عقوبات مغلظة على أعضاء مجالس الإدارة المخالفين يصل إلى عقوبة السجن مما يؤدى إلى أحجام المواطنين عن المشاركة فى العمل التطوعى خوفاً من التعرض لهذه العقوبات (3) .
ومن الجدير بالذكر أن النقابات العمالية والمهنية والجمعيات التعاونية والاتحادات الطلابية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدنى تخضع لنفس القيود تقريباً فى علاقتها مع السلطات الحكومية.
ورغم أن الدساتير فى معظم الأقطار العربية تؤكد حق المواطنين فى إنشاء الجمعيات والنقابات ألا أن التشريعات المطبقة تسلب المواطنين هذا الحق وتحرمهم من ممارسته بحرية. وكنموذج لهذا الوضع فإن قانون النقابات العمالية فى مصر يعطى للجهة الإدارية وهى وزارة العمل سلطات واسعة بالنسبة للنقابات مثل الحق فى الاعتراض على تكوين النقابة وطلب حل مجلس الإدارة المنتخب ومنح وزير العمل سلطة تحديد شروط العضوية فى مجلس الإدارة وقواعد تمثيل أعضاء اللجان النقابية فى النقابات العامة. وحق تحديد مواعيد الانتخابات وإجراءات الترشيح والانتخاب لمجالس الإدارة، وإصدار اللائحة النموذجية واعتماد اللائحة المالية ومراقبة مالية النقابات. وما تزال هذه الوصاية الإدارية قائمة رغم صدور حكم المحكمة الدستورية فى 15/4/1995 الذى ينص على "حق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها، والمواد والقواعد التى تنظم بها شئونها، ولا يجوز بوجه خاص ارهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق أو تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها ولا أن يكون تأسيسها بأذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة الإدارية فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أفضل لتأكيد مصالح أعضائها والنضال من أجلها".
ويؤكد موقف الحكومات من مؤسسات المجتمع المدنى أنها ما تزال تدير تفاعلات المجتمع بمنطق الحزب الواحد أو المسيطر وبآليات الاحتكار للقوة السياسية ولصناعة القرار، بل إن حصار المجتمع الأهلى يدل على رغبة هذه السلطة فى عدم السماح للتطورات والمبادرات المستقلة للجماهير بالإفلات من قبضة نظام الحكم (4) .
ثانياً: احتكار الإعلام والحد من حرية الصحافة:
يعتبر الإعلام الحر والمستقل جزءاً من المجتمع المدنى بما يوفره للمواطنين من معارف تساعد على غرس قيم الثقافة المدنية وتطورها مساهما بذلك فى تكوين رأى عام متفهم لضرورات تطوير مؤسسات يمارس المواطنون من خلالها دوراً إيجابياً فى الدفاع عن مصالحهم وتحسين أحوالهم، وممارسة التضامن الجماعى بما يقوى قدرتهم فى مواجهة إمكانيات الدولة الهائلة، كما يساعد الإعلام الحر والمستقل على تأكيد قيم الحوار والتسامح والتراضى على حلول وسط من خلال وسائل التنافس السلمية. ونحن نلاحظ أن هذا الدور الإعلامى مفتقد فى كثير من الأقطار العربية حيث تحرص الحكومات على إحكام سيطرتها على أجهزة الإعلام الجماهيرى كالتليفزيون والاذاعة واحتكارها بحيث لا تعبر ألا عن رأى الدولة، وتعمل هذه الحكومات أيضاً على الحد من حرية الصحافة. ولهذا فإن جزءاً هاماً من تحرك مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية يجب أن يوجه إلى تحرير الإعلام من السيطرة الحكومية، واتاحة الفرصة لكل اتجاهات الرأى أن تعبر عن نفسها، وأن تتحول أجهزة الإعلام إلى منابر للحوار الحر ومصادر للمعلومات المتحررة من أى قيد، وإثراء معارف المواطنين بما يمكنهم من التجاوب مع متطلبات المشاركة الإيجابية، والتفاعل بشكل سليم مع التعددية الثقافية والدينية والسياسية التى هى احدى السمات الأساسية فى المجتمع العربى، ولتحقيق ذلك يكتسب تحرير الاذاعة والتليفزيون من سيطرة الحكومة أهمية خاصة، وتعديل القوانين المنظمة لها لتصبح جهازاً إعلاميا مستقلا تمثل فيها التيارات الفكرية والسياسية وتحصل من خلالها الأحزاب السياسية على فرص متكافئة لمخاطبة الشعب. والغاء الرقابة الحكومية على الإذاعة والتليفزيون عدا ما يتعلق بالآداب العامة. وتعديل قوانين الصحافة والمطبوعات والنشر لفتح الباب أمام حرية إصدار الصحف، وتعديل المواد والنصوص القانونية التى تفرض عقوبات قاسية على قضايا الرأى والنشر(5) .
ثالثاً: الحد من الحريات والحقوق الأساسية:
لا يمكن ان ينمو المجتمع المدنى وتنضج مؤسساته فى ظل مناخ غير ديمقراطى، وهناك ارتباط قوى بين تطور المجتمع المدنى والانتقال إلى الديمقراطية فى أى مجتمع من المجتمعات. وقد ربط الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بين الحق فى تكوين الجمعيات والحق فى المشاركة الشعبية وتوافر الحقوق والحريات الأساسية فى المجتمع، وحيث تتكامل هذه الجوانب الثلاثة باعتبارها شروطاً ضرورية للتطور الديمقراطى للمجتمع. ويلعب التضييق على الحريات والحقوق الأساسية دوراً محبطاً بالنسبة لإمكانيات تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتشكل القيود المفروضة فى معظم الأقطار العربية على حرية التنظيم بما فى ذلك حق تشكيل الجمعيات وتأسيس النقابات عاملاً سلبياً يحول دون إسهام المواطنين فى العمل العام، كما يلعب دوراً مماثلاً القيود المفروضة على حرية الرأى وحق التعبير وما يتعرض له المواطن من انتهاك لحقوقه المدنية. ومن المهم أن تنتهى كافة القيود المفروضة على ممارسة الإنسان العربى لحقوقه وحرياته الأساسية لتمكينه من المشاركة فى القضايا العامة للمجتمع والمساهمة الإيجابية فى تكوين مؤسسات اجتماعية وشعبية متحررة من أى قيود حكومية.
الآثار السلبية للتضييق على مؤسسات المجتمع المدنى:
سوف نكتفى هنا بمعالجة الآثار السلبية لموقف النظم السلطوية من مؤسسات المجتمع المدنى على دور هذه المؤسسات فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع بشكل عام بما تقوم به من دور فى تربية أعضائها وفق قيم ديمقراطية وتدريبهم من خلال الممارسة ومن خلال الحياة الداخلية للجمعية على السلوك الديمقراطى واكسابهم الخبرة التى تمكنهم من المساهمة فى تعزيز التطور الديمقراطى بالمجتمع خارج مؤسساتهم. وقد أدت القيود التى أشرنا إليها فى علاقة الأجهزة الإدارية بمؤسسات المجتمع المدنى وبالنسبة لحق تأسيس الجمعيات وتمتع المواطنين بحرياتهم الأساسية واحتكار الإعلام للفئات الحاكمة، أدى هذا كله إلى آثار سلبية اضعفت الطابع الديمقراطى والدور الديمقراطى لمؤسسات المجتمع المدنى. ويمكن التعرف على هذه الحقيقة من خلال رصد واقع هذه المؤسسات فى المجالات الآتية:
1-مدى النمو فى العضوية الفاعلة والنشطة بالجمعية:
تتحدد ديمقراطية أى مؤسسة اجتماعية بعوامل متعددة يأتى على رأسها مدى مشاركة الأعضاء فى نشاطها ابتداءً من تخطيط النشاط إلى التنفيذ والتقييم ومراقبة الأداء وانتخاب القيادات، كما تتحدد ديمقراطية المؤسسة بمدى اتساع العضوية الفاعلة والنشطة ونموها فترة بعد أخرى. ولكننا نلاحظ أن عضوية كثير من الجمعيات الأهلية والمؤسسات القائمة على العضوية الاختيارية تتآكل عاما بعد الآخر ولا يوجد زيادة فى العضوية إلا بالنسبة للمؤسسات التى تشترط للاستفادة من خدماتها أن يكون المستفيد عضواً بها.
2-مستوى المشاركة فى حضور الجمعية العمومية للمنظمة:
وإذا كان النمو فى العضوية يعتبر مؤشراً على قدرة المنظمة على اجتذاب نشطاء جدد، فإن مستوى مشاركة العضوية وحضورها الجمعية العمومية للمنظمة (وهى أعلى سلطة فى المنظمة بحكم القانون) يشير إلى مستوى فاعلية الأعضاء ومشاركتهم فى صنع توجهاتها، وتحديد أولويات أنشطتها، والرقابة على أعمالها، وانتخاب قياداتها. وتؤكد الدراسات الميدانية عزوف الأعضاء عن حضور اجتماعات الجمعيات العمومية التى تنعقد بأقل نصاب قانونى بعد تأجيلها أكثر من مرة، وغالباً ما يقتصر الحضور على أعضاء مجلس الإدارة والعناصر المرتبطة بها والعاملين بأجر فى المنظمة. وبالتالى فإن اجتماعات الجمعية العمومية التى تعتبر أهم مؤسسات المشاركة داخل المنظمة هى اجتماعات شكلية لا تعكس مشاركة حقيقية وفاعلة للأعضاء، وتنفرد قلة محدودة العدد بإدارة المنظمة، مما يضعف الطابع الديمقراطى للمنظمة.
3-معدلات التغيير فى عضوية مجالس الإدارة:
تقاس ديمقراطية أى مؤسسة أيضاً بمعدلات التغيير فى عضوية هيئاتها القيادية لاتاحة الفرصة لتداول القيادة أمام أكبر عدد ممكن من أعضائها للتدريب على القيادة واكتساب خبراتها. ومن ثم يتأهل هؤلاء الأعضاء للمشاركة فى العمل العام خارج المنظمة ويتزودون بالخبرة اللازمة للقيام بدور قيادى. وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى تزويد مختلف مجالات المجتمع بالقيادات الجديدة مما يعزز التطور الديمقراطى للمجتمع بصفة عامة. وتشير نتائج الدراسات الميدانية فى أكثر من قطر عربى إلى محدودية الدور الذى تقوم به هذه المؤسسات فى هذا الصدد، حيث يلاحظ جمود النخبة داخل المؤسسة واستمرارها فى القيادة لسنوات طويلة وارتفاع متوسط اعمارها مما لا يتيح للأجيال الجديدة فرصة حقيقية لتولى القيادة واكتساب خبراتها، وتتقاعس بذلك عن أداء أحد أدوارها الأساسية وهو تزويد المجتمع بالقيادات الجديدة.
4-آلية إصدار القرارات:
تنفرد النخبة المحدودة فى قيادة المنظمة باصدار القرارات المحددة لسياساتها وأولوياتها، ولا تتوفر بالتالى فرصة واسعة للمشاركة فى صنع سياسات المنظمة وتوجهاتها، حيث ينفرد مجلس الإدارة بالسلطة الفعلية فى إصدار معظم القرارات. ويشرف رئيس المجلس على العمل اليومى ويصدر القرارات المطلوبة لتسييره. وهكذا تصبح مؤسسات المجتمع المدنى صورة مما يجرى على مستوى السلطة العليا فى المجتمع من تركز القرار فى يد قلة محدودة أو فرد واحد، ولا يتوفر لها امكانية حقيقية لتجسيد نمط ديمقراطى فى القيادة ينعكس بعد ذلك على دوائر أوسع من مؤسسات المجتمع المدنى.
هكذا فإنه فى ظل السلطوية والسيطرة الحكومية على مؤسسات المجتمع المدنى لا تستطيع هذه المؤسسات أن تقوم بدور فعال فى التمكين للتطور الديمقراطى للمجتمع. وما يزال هناك فجوة كبيرة بين الدور المنوط بها وما تقوم به فعلاً. ومن المهم اختراق هذا الوضع بعمل نضالى طويل المدى يستهدف تحرير الإنسان العربى وتمكينه من السيطرة على مصيره انطلاقا من قدرته على بناء منظمات شعبية مستقلة يمارس من خلالها عملا جماعياً يؤهله للقيام بدور أكبر فى المجتمع، ويساهم أيضاً من خلال تطور هذه المنظمات فى دفع التطور الديمقراطى للمجتمع. وهناك بالفعل جهود مستمرة ومعارك متصلة بين مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية وبين بقايا الاستبداد والأنظمة السلطوية سوف يحسمها فى النهاية قدرة هذه القوى والمؤسسات على ترسيخ ثقافة مدنية ديمقراطية فى المجتمع وتوفير أكبر قدر من الحريات والحقوق الأساسية وتطوير أشكال مناسبة للعمل الجماعى وإفراز قيادات جديدة تواصل حركة التطور الديمقراطى استناداً إلى مجتمع مدنى قوى ومستقل.
ثانياً: برنامج الإصلاح الديمقراطي: ويتضمن بشكل خاص:
1- اقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات.
2- احترام التعددية السياسية والنقابية والثقافية.
3- دعم استقلالية المبادرة الشعبية وإنهاء كافة القيود التي تحول دون تواجد مجتمع مدني قوي يتكون من منظمات مستقلة لمختلف فئات المجتمع: تنظيمات سياسية ونقابية واجتماعية وثقافية.
4- احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
5- اشاعة ثقافة ديمقراطية تقوم علي قيم الحوار واحترام الرأي الآخر ورأي الأغلبية والتسامح والشفافية.
6- قيام إعلام ديمقراطي حر يكفل حرية تدفق المعلومات في المجتمع وتداول الآراء من مصادر متعددة دون قيود.
7- التوسع في أشكال المشاركة الشعبية المباشرة.
ثالثا: تقوية مؤسسات المجتمع المدني:
في إطار هذا البرنامج الديمقراطي للمجتمع كله يصبح من الممكن تطوير أوضاع منظمات المجتمع المدني لتكون أكثر فعالية ولتصبح بالفعل مؤسسات ديمقراطية قادرة علي الإسهام في التطور الديمقراطي للمجتمع كله وذلك من خلال:
1- تعديل التشريعات المنظمة للعمل الأهلي والمدني بحيث توفر استقلالية حقيقية في ممارسة النشاط.
2- تطوير التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء أجهزة فنية مشتركة لها وتنسيقها حملات إعلامية مشتركة لطرح قضاياها ومشاكلها علي الرأي العام بحيث يصبح مساندا لقيامها بدور حقيقي في التنمية والتطور الديمقراطي.
3- توفير المناخ المناسب لقيامها بنشاط فعال من خلال التمكين للقيم الثقافية المساعدة علي التحول الديمقراطي وانعكاسها في سلوك المواطنين كقيم التسامح والحوار والاعتراف بالآخر والإدارة السلمية للاختلافات والتنوع.
4- تطوير العلاقة مع الدولة: حيث أثبتت التجربة حرص الحكومات علي وضع مؤسسات المجتمع المدني تحت وصايتها، وتمارس معها سياسة مزدوجة، فهي تتخوف من المبادرات الأهلية المنظمة خاصة تلك التي تحمل رؤية شاملة وتتخذ موقفا متحفظا من المنظمات الدفاعية كمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المرأة، ولكنها تتسامح مع المنظمات التي تنشأ في إطار اتفاقيات مع الدول المانحة للمساعدات لمواجهة المشاكل الناجمة عن التحول إلي اقتصاد السوق وسوف تبقي المواجهة بين الدولة والمجتمع المدني طالما بقيت سياسة الدولة تجاهها علي هذا الحال. ولذلك فمن المهم تطوير هذه العلاقة بحيث لا يفهم أن تقوية مؤسسات المجتمع المدني واستقلالها سيكون علي حساب أضعاف الدولة، لأننا في حاجة في ظروف العولمة إلي دولة قوية، قادرة، عادلة، تطبق الديمقراطية وتعطي المجتمع المدني فرصة النمو والازدهار. وفي هذا لإطار تعالج قضايا عديدة منها تطوير التشريعات القائمة وإلغاء القيود المفروضة علي مؤسسات المجتمع المدني لضمان استقلاليتها وديمقراطيتها الداخلية، والتأكيد علي أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني علاقة جدلية، تقوم علي التأثير المتبادل والمتطور، تبعا لتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي علاقة تتراوح بين التكامل والصراع تبعا لمجال نشاط المؤسسة والتأكيد علي التكامل بين الدولة والمجتمع المدني فلكل منهما دوره الخاص. ويتطلب التعاون بين الطرفين لتحقيق هذا التكامل تحديد الأطر والآليات التي تكفل صياغة العلاقة بينها علي أسس موضوعية ومؤسسية مما ينعكس إيجابيا علي المجتمع.
5- تعميق الطابع المؤسسي للمجتمع المدني: يتطلب تقوية منظمات المجتمع المدني وتحولها إلي مؤسسات حقيقية تتوفر لها المقومات الأساسية التي لا يمكن بدونها أن تمارس نشاطها كمؤسسة مثل توفير البيئة الحقوقية التي تحدد وضعها القانوني في المجتمع وتكسبها الشرعية والاعتراف وتجديد شكلها القانوني ومجال تحركها، ووجود نظام أساسي يتضمن شروط العضوية، وتوزيع المهام وكيفية اتخاذ القرار وشروط تنفيذه وكذلك تحقيق الديمقراطية الداخلية. ومن المقومات الأساسية لتعميق الطابع المؤسسي تحديد أهداف المنظمة متضمنة إستراتيجياتها وبرامجها. ويتطلب تعميق الطابع المؤسسي لهذه المنظمات استنادا إلي الحقائق السابقة العمل الجاد من أجل تحسين البيئة الحقوقية بحيث تتوفر لها الشرعية وتدخل في إطار القوانين المرعية، والحرص علي تعميق الديمقراطية الداخلية لهذه المنظمات وتأكيد مبدأ الشفافية بالنسبة لبرامج النشاط والتمويل. وتنظيم برامج مستمرة لبناء الكادر البشري وما يتضمنه ذلك من بناء قدرات فردية وجماعية وتحديد اختصاصات الجميع وتزويدهم باستمرار بالمعارف والمهارات الضرورية. واستكمال البناء التنظيمي المتصل بالجهاز الإداري، وخلق الوظائف المناسبة في علاقة عمل سليمة بين العمل التطوعي والعمل المأجور. والحرص علي توافر الخبرة بالنسبة لإعداد الخطط وترجمة الأهداف إلي برامج عمل، وتقييم الإنجازات وضمان استدامة النشاط استنادا إلي الأنشطة المنفذة، وتطوير القدرة في الحصول علي تمويل مناسب لضمان استمرار النشاط واتساع نطاقه.
6- تطوير القدرات البشرية: وتشمل هذه العملية تدريب القيادات القائمة وتطوير قدراتها، واكتشاف قيادات جديدة، وتأهيلها لتحمل مسئوليات التخطيط والمتابعة والتقييم، وتوفير المهارات والخبرات الضرورية لها لممارسة مسئولياتها في كافة مجالات النشاط، ويدخل في ذلك تقديم مساعدات فنية لمؤسسات المجتمع المدني حول كيفية إعداد التقارير وإنشاء برنامج وطني لتدريب القيادات الوسيطة، والعمل علي إدخال مقررات دراسية عن العمل الأهلي بمؤسسات التعليم العالي وقيام هذه المؤسسات بدراسات وأبحاث حول المجتمع المدني ويشمل تطوير القدرات البشرية أيضا التدريب علي التكنولوجيا الجديدة وكيفية استعمال الكمبيوتر والفاكس والانترنيت، وذلك لبناء نوع من الارتباط مع المؤسسات الإقليمية والدولية ومراكز المعلومات بحيث تصبح مؤسسات المجتمع المدني جزءاً من شبكة من العلاقات والمصالح المشتركة علي مستوي القطر ومستوي الوطن العربي كله.
7- التمويل: تعتبر مشكله التمويل من أهم العوامل التي تعرقل عمل مؤسسات المجتمع المدني وتحد من نشاطها، وتلعب المساعدات المادية دوراً محوريا في تحديد اتجاهات عمل هذه المنظمات، ويرتبط التمويل بشروط عديدة تضع هذه المؤسسات تحت وصاية المانحين، مما يتطلب معالجة واعية لمشكلة التمويل حفاظا علي استقلالية مؤسسات المجتمع المدني وعدم الانحراف بنشاطها عن الدور الذي يجب أن تلعبه في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع ويتطلب ذلك العمل علي تخصيص موارد مالية من مصادر وطنية، وتوزيع الموارد المالية في جدول زمني محدد، وإنشاء صندوق قومي لدعم العمل الأهلي والمدني من موارد حكومية ومن القطاع الخاص والمؤسسات الدولية بحيث يكون متحرراً من أي شروط علي المجتمع المدني. وهناك حاجة ماسة إلي تطوير مهارات تدبير الموارد المالية وبصفة خاصة من خلال الأنشطة التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني.
8- توافر المعلومات: يتطلب بناء قدرات مؤسسات المجتمع المدني وتقويتها توافر معلومات كافية لديها عن مجالات نشاطها وعن أوضاع المجتمع في نطاق مسئولياتها، ويتطلب ذلك إنشاء بنك للمعلومات علي المستوي القومي، وإنشاء قاعدة بيانات لكل منظمة والتنسيق بين المنظمات في تبادل المعلومات، والاستفادة من شبكة الانترنيت في الحصول أولا بأول علي أي معلومات أو بيانات تحتاجها لممارسة نشاطها وتنفيذ برامجها.
9- التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني: من المهم لتقوية مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز نشاطها أن تبرز في المجتمع كطرف أساسي تتكامل أنشطته من خلال التنسيق بين هذه المؤسسات بحيث يزيد تأثيرها في المجتمع. ويشمل هذا التنسيق تطوير عملية إنشاء شبكات من المنظمات التي تعمل في مجالات مشتركة أو تنشط في نطاق جغرافي واحد، لدعم جهودها في هذه المجالات. ووضع آليات وأطر تكفل التبادل المنتظم للمعلومات والخبرات، وعقد اجتماعات دورية لبحث المشاكل المشتركة، والتنسيق في مواجهة الأطراف الأخرى لتقوية الوضع التفاوضي لها. ومن المهم أن يشمل التنسيق أيضا المنظمات ذات الجذور العميقة في المجتمع مثل النقابات والتعاونيات واتحادات الطلاب والحركات الاجتماعية للاستفادة من خبراتها الطويلة في مجالات العمل الشعبي. وأن يتم التنسيق أيضا علي مستوي الوطن العربي كله وتبادل الخبرات بين مختلف المؤسسات في الأقطار العربية وما يتصل منها بصفة خاصة بالتطور الديمقراطي وتعبئة الحركة الجماهيرية لتحقيق مزيد من التطور الديمقراطي.
هوامش الفصل الرابع

(1) د. أماني قنديل، المجتمع المدني في العالم العربي، منظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطن، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1994. صــ68،69.
(2) د. أماني قنديل، المرجع السابق. صــ82.
(3) د. أمين مكي مدني تشريعات وقوانين المنظمات الأهلية العربية، ورقة مقدمه إلي المؤتمر الثاني للمنظمات الأهلية العربية، القاهرة 17-19 مايو 1997.
(4) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية علي مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر، القاهرة، الطبعة الأولي، يناير 1999 صــ98.
(5) حسين عبد الرازق، الديمقراطية، كتاب مصر وقضايا المستقبل، سلسلة كتاب الأهالي، العدد رقم60، سبتمبر 1997. جريدة الأهالي صــ52.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيع دراجة استخدمها الرئيس الفرنسي السابق لزيارة عشيقته


.. المتحدث باسم الصليب الأحمر للجزيرة: نظام الرعاية الصحية بغزة




.. قصف إسرائيلي يشعل النيران بمخيم في رفح ويصيب الأهالي بحروق


.. بالخريطة التفاعلية.. توضيح لمنطقة مجزرة رفح التي ادعى جيش ال




.. هيئة البث الإسرائيلية: المنظومة الأمنية قد تتعامل مع طلب حما