الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرجوحة الموت

طالب عباس الظاهر

2011 / 7 / 4
الادب والفن


قصة قصيرة جداً

تلي عليه منطوق الحكم ذاته بإنزال أقصى عقوبة بحقه لخيانته العظمى، والإعدام شنقاً حتى الموت، ولكن وهو معصوب العينين هذه المرّة، وبعد شهور من نزوله عليه لأول مرة كالصاعقة في قفص المحكمة الخاصة، وتحت سمعه وبصره وقتذاك، فقد حانت الآن اللحظة الحاسمة كما يظهر... فها هو يسمع ضجيج الجماهير التي دعيت للتفرج مجاناً، على حفلة إعدامه الماجنة.
لم يكُ يتصور إن الأمر سيؤول فيه إلى مثل هذه اللامبالاة الغريبة، بُعيد تلك الرحلة المدمرة من آلام القلق والرعب والتوجس و... و... والتي أتت على آخر بصيص أمل بأعصابه المرهقة... بيد إنه مع السف الشديد هاهو يدرك متأخراً ، بأن البطولة الحقة؛ هي أن يحيا الإنسان ويموت بواقعية في تحديه لمتوالية المصاعب، والمصائب التي تنهال على رأسه منذ نيته الأولى للخروج إلى المعركة، وإعلان تمرده على شرنقة الخنوع والغفلة، حتى ساعة موته، لا أن يتوهم نفسه وكأنه كائن أسطوري خارق للمعقول والمنطق!، فالأبطال كما يبدو هم الوحيدون من يرحلون في هذا الوطن بصمت وسكون.
أحس بالأشياء تفقد قسوتها وهو يستحضر صورة طفلته الوحيدة " فرح " التي لابد وأن تكون حاضرة الآن تصارع أمواج حشد الأجساد، وفضول شواخص الرؤوس وتدافعها، لتحضى بإلقاء النظرة الأخيرة عليه... وراح يتخيل تقاطيع الخوف على وجهها البريء، وهي ترمقه من على كتف أمها، ولشدَّ ما كان يستشعر الألم في صميم إنسانيته المسحوقة من أجلها، وتتضح معالم وجه الندم من بين شتى الهواجس التي تنتابه، وتضج في داخله، لتفريطه بخيار كان يمكن أن يكون أقل قسوة مما عاناه، لو أحسن التصرف بالفعل، ما دامت النتيجة ظلّت واحدة على كل حال، وهي هذه التي يواجهها الآن، بكنف هذا الإهمال العجيب، وأحسّ بعنف تصارع الضدين في عمق مشاعره، ما بين دواعي انكساره لخذلان إبنته الصغيرة كأب، وبين ما يجب أن يكون عليه من الاعتداد بتضحياته التي أوصلت به إلى هذا المصير... إذ إن حتى هذين الغليظين المغفلين اللذين يسوقان به بقسوة نحو المجهول، ويشدّان بقوة على جسده، يبدوان أكثر تشنجاً منه في حركاتهما، وهما يتأبطان ذراعيه المرتخيتن، بيد إنه ما عاد يحمل اتجاههما أي اثر سلبي يشي بالضغينة أو الحنق...بل بالعكس، شعر نحوهما بالمحبة والشفقة والغفران، لأنهما عكسا له بصدق، وجه المحنة في الجهل المتفشي في موطنه الحبيب، الذي آمن به حد العبادة؛ فإتهم بالخيانة العظمى!.
فجأة تراءى له إنه يسمع كركرات طفلته الصغيرة والجميلة فرح تقترب منه، ثم خيّل إليه إنه يحملها على صدره، مما أغراه مرحها لأن يقربها نحوه أكثر فأكثر، كي يشمها ويطبع قبلة أبوته الحارة على وجهها، بعد رحلة تلك الشهور القاسية، وهو يتحرق شوقاً لمرآها ولو من بعيد، وأحس بأنها تبادله نفس الرغبة العاتية، بيد إنه وقبل أن تلامس شفتاه خذّها الريان، سمع صوت أنّة توتر الحبل وسحبه بقوة، فشعر بألم حاد في رقبته، أفقده الإحساس بالوجود، بينما ظل جسده يتأرجح في الهواء بفرح طفولي غريب !.
[email protected]
****************************************************************************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??