الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان أمام كوارث الطبيعة، من الوجود إلى السلب

ماهر اختيار

2011 / 7 / 4
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


تعجز أحيانا مخيلة الإنسان عن تصور النتائج التي تخلفها بعض ظواهر الطبيعة من سلب لإنجازات سطرتها العقول البشرية عبر سنوات طويلة، فالمشهد الذي وضع الكثيرين في حالة من الذهول هو تحول السيارات إلى أسماك و طائرات مطار سنداي إلى ما يشبه حشرات اليعسوب، أما القوارب اليابانية البيضاء فقد كانت تسير بدون قبطان. هذا هو المشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام بعد أمواج تسونامية ناتجة عن زلزال في اليابان. في واقع الأمر، ليست وسائط النقل هذه هي من وجدت نفسها وحيدة في حالة من السلب وانعدام الوجود، وإنما أكثر من خمسين مفاعلاً نووياً وضعت أيضاً مصيرها بيد زلزال هدد كينونتها دافعاً الدول الأوربية إلى وضع مشاريعها النووية موضع الشك ومصدر لعدم الأمان. إن لهذه الكارثة الطبيعية معنى عميق ودفين تجسد عبر العصور، ألا وهو : إن الطبيعة التي أعطت هذا الإنسان أسباب وجوده وتطوره، تستطيع، من خلال بعض من ظواهرها وعبر دقائق معدودات، سلب ما أنجزه عبر مؤسساته العلمية وسلوكه العقلي الفذ.
إذا ما أردنا إتباع طريقة تجريبانية في محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الزلزال وما هي الإجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها للتقليل من حجم الخسائر الناتجة عنها، فإن الإجابة تأتي واضحة جلية ومتفق عليها مؤسساتياً بين باحثي هذا الميدان، ولكن دعونا نتجاوز خطوات هذه الطريقة محاولين طرح سؤالاً تم تجاوز صيغته علمياً وهو لماذا تحدث ظاهرة الزلزال وما هي الغاية من تلك الخسائر البشرية والمادية التي يخلفها؟ إن الإجابة عن سؤال مطروح بصيغة (لماذا) تعد إجابة غريبة عن العلم، لأن البنية المفهومية والمناهجية لهذا الأخير تهتم بسؤال (كيف). حقيقة، لا أريد تجاوز العلم في تفسير ظاهرة طبيعية، ولا أريد أيضاً البحث عن الأسباب الباطنية أو الغائية للأشياء، وإنما أحاول، متحرراً قليلاً من قيود العلم ومن قواعد مؤسساته، أن أفهم الوسط البيئي الذي يحيط بنا والذي يهبنا أسباب الحياة ويهددنا في الوقت نفسه.
يقول أحد مؤرخي مدرسة الحوليات الفرنسية مارك بلوك إن الماضي يجيب عن بعض تساؤلات الحاضر، وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، دعونا نتأمل بعض الظواهر السابقة والتي قد تقدم إجابة واضحة حول علاقة الإنسان بالطبيعة وتتضمن حيثيات غامضة كامنة في آلية ووظائفية تلك الظواهر الطبيعية، تلك التي تضرب انجازات الإنسان بقسوة وتحيل دقتها وقوننتها إلى ركام. إذا لكي نقارب هذا الأطروحة من الواقع دعونا نتناول ظاهرة طبيعية أخرى حدثت في 14 نيسان 2010 عندما ضرب شمال أوربا حدثاً بدا للوهلة الأولى وكأنه مشهد يجذب الكثير من الهواة لالتقاط بعض الصور وذلك للتمتع بجمال الطبيعة. لكن هذا الحدث كان يتضمن جانباً سالباً لواقع المجتمع المعاصر لدرجة جعلت من هذا الأخير مشلولاً القدرة، مذهولاً، فاتحاً فاه وعاجزاً عن التعبير عما يصدر عن هذه الطبيعة من عوائق تعمل على تهميش الإنسان وتقزيم قدراته العقلية والجسدية. في الواقع إن هذا الحدث لم يكن زلزالاً أو إعصاراً وإنما كان عبارة عن رماد يقذفه بركان في أيسلندا عبر أجواء شمال أوربا، ونتيجة لهذه الظاهرة، فقد كتبت لو فيغارو في إحدى صفحاتها " بعد أن قذف بركان أيسلندا رماده، يجد العالم المعاصر نفسه مشلولاً، فمجتمع مؤسس على حرية السفر عبر القارات وبسرعة كبيرة، يضطر للانتظار طويلاً بسبب توقف الرحلات الجوية".
ماذا حدث؟ وكيف يقف إنجازٌ عظيمٌ كالطائرة، عاجزاً أمام رماد بركان؟ على ما يبدو إن تفوق الإنسان على جانب من جوانب الطبيعة واختراعه لمركبة تجتاز سعة المكان وهلامية الزمن بسرعة قوية موفرة عليه الكثير من الوقت والإرهاق الجسدي يمثل تقدماً مرحلياً وليس انتصاراً إنسانياً على الطبيعة، وذلك لأن هذه الأخيرة لا تفتأ تفرض عليه عقبات متعددة وغير مفكر بها، وأحيانا تفرض عوائق ومشكلات تعجز مخيلة الإنسان عن التنبؤ بها. ففي مثالنا هذا وجد الخبراء أن الرماد مركبٌ من عينات من حصى صغيرة جداً عملت على حجب الرؤية أمام قائدي الطائرات، ولم يستطع هؤلاء الخبراء معرفة مدى خطورة هذا الرماد على محركات الطائرات، لذلك منعوها من التحليق.
إذا يبدو لنا أن محاولات الإنسان الفرضية والتجريبانية في حل مشكلات واقعه تمثل تقدماً جزئياً، وكأننا أمام كائن لا تتجاوز قدراته العقلية عتبة رد الفعل ومواجهة ألغاز حاضره دون أن يستطيع التنبؤ بالمشكلات الجديدة التي قد تفرزها الطبيعة والتي تبقى خارج خبرته العلمية والتقنية. هنا نعود للبحث عن كيفية إيجاد إجابة عن سؤال لماذا تحدث هذه الظواهر الطبيعية الكارثية؟
إن الإجابة ستكون فرضية تعكس الواقع نظرياً، و قد تكون ساذجة في نظر البعض : إن الأرض هي المضيف الذي استقبل الكائنات الحية بما فيها الإنسان، وهي التي تتضمن طرقاً تحدد الممكن واللا ممكن، و تحمل في طياتها السقف الواجب عدم تجاوزه، إنها تتضمن القانون واللا قانون لدرجة أن بعضاً من ظواهرها دفعنا للوقوف بحالة من الذهول. وكأننا أمام طبيعة تقول لنا كفَ فالضيف يجب عليه احترام عتبات المضيف وقواعده لكي يكون مرحباً به في الماضي والحاضر والمستقبل. إن طبيعة الأرض تتضمن ممكنات لا يستطيع الإنسان تجاوزها، لا بل، إن محاولة تجاوزها تهدد وجوده وكينونة هذا الكوكب. في الواقع إن إبداعات الإنسان المتعلقة بالطاقة النووية والاختراعات التي تساعد على استعمار الأرض هي خطوات تخدم هذا الكائن ولكنها قد تتجاوز قدرة هذا الكوكب على التحمل، ولذلك هلع العالم فزعاً وخوفاً ليس من موجات التسونامي التي تبعت الزلزال في اليابان وإنما من الأخطار المحدقة بالمفاعلات النووية الموجودة في هذا البلد.
وأخيراً يجب الاعتراف صراحة بالحقيقة التالية: لقد وجد الإنسان في جغرافية المكان الذي يسكنه ممكنات العيش، جغرافية شرعت له الإقامة وتطوير حياته عبر ممرات جبلية تسمح له بالعبور، عبر جزر في عرض البحر تسمح له بإقامة محطات لاستراحة قواربه، عبر بحار تسمح له بالسفر لنقل أقرانه وبضائعه، ولكنها في الوقت نفسه جغرافية لها القدرة على سلب ما وفرته للإنسان بلحظات، فهي دمرت مدن بحركات صفائحها التكتونية، وعطلت لأيام الرحلات الجوية بسبب رماد بركانها. إنها الطبيعة التي تعمل على إضفاء صفة السلب على موجبات كانت قد وفرتها سابقا للإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة التبادل.. بين تهديد إسقاط الحكومة واعتبارات اليمين الإس


.. مصر تنفي اعتزامها بناء حاجز جديد على الحدود مع قطاع غزة




.. كلاب تطارد مستوطنا في القدس


.. لماذا يقلق زيلنسكي من فوز ترمب بالرئاسة؟




.. بعد 50 يوما من المدة الانتقالية.. كيف ستكون المرحلةُ المقبلة