الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريطانستان

عمر دخان

2011 / 7 / 4
الارهاب, الحرب والسلام


لطالما عُرفت بريطانيا بكونها الملجأ الآمن للمطاردين و المطرودين من بلدانهم، و المضطهدين و المظلومين في كل مكان حول العالم، حيث أن أبوابها كانت و لاتزال دائما مفتوحه في وجه القادمين الجدد من كافة أنحاء العالم، مرحبة بهم و مقدمة لهم المأوى و العمل، و الأهم من ذلك، الأمان من المطاردة و الحرية المطلقه للتعبير عن آرائهم و توجهاتهم السياسية و الدينية دون حدود و دونما خوف أو وجل.

و لم يستثن ذلك الانفتاح حتى الكثير من المتطرفين و الإرهابيين المطلوبين في بلدانهم الأصلية، و الذين أُعطي لمعظمهم حق اللجوء السياسي و العيش على الأراضي البريطانية، بل و سُمح لهم ممارسة نشاطهم الإعلامي و السياسي دون أي تضييق، و الكثير منهم حصل على الجنسية البريطانية بعد انقضاء المدة اللازمة لذلك، و أصبح بريطانياً كامل الحقوق و الواجبات دونما تفرقة بينه و بين بقية المواطنين، في بلد اعتبرت إجراءاته بخصوص الهجرة في وقت ما هي الأشد إنسانيه و انفتاحا.

ذلك الانفتاح لم يكن بتلك الإيجابية على المجتمع البريطاني و حتى على المسلمين الحقيقيين البريطانيين، حيث أدى إلى امتلاء بريطانيا بأسوأ نماذج التطرف البشري من دعاة الموت و القتل، و الذين وجدوا حرية للتعبير لم يكونوا ليمنحوها للأخرين لو هم فعلا أقاموا دولتهم الثيوقراطية، و زاد من ضراوتهم التزام بريطانيا بالدفاع عن حرية التعبير اللامشروطه، و عدم مضايقتها لأمثال هؤلاء من دعاة الدماء و الدمار.

كان لي حوار مع صديق بريطاني قبل فترة طويله، و تحدثنا في موضوع التطرف الذي بدأ ينخر في كيان بريطانيا في حد ذاتها، و كيف أنه لا يضر عموم المجتمع البريطاني فحسب، بل يضر المسلمين و صورة الإسلام في كل مكان – على الرغم من أن هذا الصديق ليس مسلما بل هو مسيحي وطني بريطاني – و يمكن له أن يزيد من انتشار التطرف حول العالم، فكان رده علي بأنه منذ العام 1998 و منذ أن وقعت بريطانيا اتفاقية حقوق الإنسان و بدأت في مسيره التحول نحو التنوع الثقافي في مجتمعها، و كان تلك مسيره قادها العماليون الجدد و كانت على عكس مسيرة العماليين التقليديين و الذين كانوا أشد التزاما بالمبادئ البريطانية التي تمنح حرية التعبير أيضا و لكنها تمنع التحريض على التخريب و الأعمال الإرهابية، و شرح لي كيف أنه وفقا لتلك الاتفاقية، يصبح من الصعب جدا على الحكومة البريطانية تسفير أي شخص مهما بلغت خطورته.

تابعت الكثير من الخُطب و المحاضرات التي يلقيها أمثال أولئك في حدائق لندن و في قاعاتها، و دهشت من كمية الحقد و الكراهية التي يقومون بنفثها نفثا في عقول الشباب المسلم، و كيف أنهم لا يتوانون عن الدعوة إلى تدمير البلد الذي هم يعيشون في خيراته، بل و الذي جاءوه مشردين مطاردين يوما ما، و لا حظت أيضا أن الخطاب المستخدم لو تم استخدامه في الجزائر مثلا لتم رمي صاحبه في السجن مباشرة بتهم أقلها الإرهاب، بينما هو في بريطانيا يصول و يجول، ناشرا فكره المريض المبنى على تدمير الآخر و على فكرة أساسية مفادها أن كل من خالف فكرهم يجب أن يتم إبادته من على وجه البسيطة، و لم أستطع التوقف عن تخيل ماذا كان سيحل بأمثال أولئك في دولة عربية مثل الجزائر لو هم صرحوا بمثل تلك الأفكار، سواء في مكان عام أو حتى في مجالسهم الخاصة.

اطلعت أيضا على العديد من المواد المرئية و الصوتية و التي تحمل أفكار هؤلاء، الذين يأكلون من الغلة و يسبون المله كما يقول المثل الجزائري، و صعقت بكمية الحقد و الكراهية التي تبث في تلك المواد، و التي لا يُسمع فيها أدنى صوت للتعايش أو السلام الذي يدعون أنهم يدركون معناه و يمارسونه، و هم مارسوه طبعا على شكل اعتداءات على كل من خالف لهم الرأي – أحيانا من المسلمين أيضا – و تهديدات إجراميه و لعن و قدح للنظام السياسي البريطاني و تشفٍ في قتلاه في كل مكان بشكل يبعث على التقزز، أضف إلى ندائهم بضرورة إقامة الدولة الإسلامية و لتذهب الحرية و الديمقراطية للجحيم، و هو نداء يمكن أن يتسبب في اختفائك من على وجه البسيطة في دول عربيه .

قام هؤلاء أيضا بإنشاء مناطق يُمنع دخولها على غير المسلمين بدون وجه حق، و أتذكر مشاهدتي لزيارة قام بها وزير الداخلية البريطاني جون ريد إلى منطقه ينتشر فيها المسلمون، و أثناء إلقاءه لخطاب بينهم قام أحد المتطرفين المعروفين و المدعو أبو عز الدين بمقاطعته بصوت عالي متهما إياه بمعاداة الإسلام و من ثم سأله " ماذا تفعل في منطقة المسلمين؟" و كأن تلك المنطقة أصبحت ملكا له و لأتباعه الذين يتحدثون طبعا باسم الإسلام كأنهم يملكونه، بينما في الحقيقة هي نفسياتهم المريضة التي تسيرهم. المدعو أبو عز الدين هو من أصل جامايكي، و هو من أشد المتطرفين تطرفا و عندما تسمع حديثه تدرك أن مكان هذا الشخص هو وراء القضبان دون نقاش، لأنه خطر على نفسه و على المجتمع و العالم ككل، و هو مثل الكثيرين من أمثاله غالبا ما يعيش على نفقة الدولة البريطانية، مستغلا كافة خدماتها و متنقلا بجواز سفرها، و أولاده يلعبون في حدائقها، و تحميه و تحمي حريته التي لا يستحقها الشرطة البريطانية، و بعد ذلك يخرج علينا مناديا بضرورة تدمير تلك الدولة "الكافرة"!

مثل هؤلاء المتطرفين و كل من يتبع أفكارهم و يسير على هداهم هم السبب الحقيقي للإساءة للإسلام و المسلمين، و هم مرضى نفسيون يعتقدون أنهم وجدوا في الدين الإسلامي الغطاء المناسب لإظهار نفسياتهم المريضة، مع تغليفها بالطابع الديني لتبدوا و كأنها فعلا من الدين، و هو يريدون فعليا السيطرة على العالم و تدميره قطعة قطعه، مستغلين الحرية التي تمنحها لهم الأنظمة الغربية التي يلعنونها صبح مساء، بينما هم يعيشون في خيراتها و في حمايتها، و كلما حاولت الشرطة البريطانية القيام بعملها و إيقاف أحدهم عند حده، يبرز سيف "معاداة الإسلام" و "الحرب على الإسلام" ليتم تسليطه على الأمن البريطاني و إتهامه بذلك، و كأن هؤلاء هم ممثلو الإسلام و إيقاف إجرامهم هو تعدٍ على الإسلام. انا من موقعي أتمنى أن يتم القبض عليهم جميعا و ترحيلهم إلى الدول "الإسلامية" التي يريدون أن يقيموا نماذج لها في بريطانيا، مثل السعودية و إيران، و سنرى حينها إن كان بإمكانهم التظاهر و حمل اللافتات التي تلعن النظام الحاكم و تسيء إليه.

يجب على المسلمين أن يتخذوا موقفا أقوى من هؤلاء المتطرفين و من يساندهم مهما بلغ عددهم، يجب إيقافهم عند حدهم من أجل مستقبل الأطفال المسلمين و غير المسلمين، و لكي لا يتحول كل أطفالنا إلى قنابل موقوته و آلات دمار مليئة بالحقد و الكراهية ضد دول ولدوا فيها و يتمتعون فيها بكامل حقوق المواطنة، و يجب أن يكون المواطن المسلم مثالا للمواطن المثالي بتعاونه مع سلطات بلده و المساهمة في الحفاظ على أمنها، من خلال التبليغ عن أي أنشطه مشبوهة أو أشخاص مشبوهين أو لقاءات تُلقى فيها خطب تحريضية و يتم فيها غسل أدمغة الشباب، لأن مقاطع الفيديو التي رأيها في الحقيقة كانت مرعبة جدا لأي إنسان سوي، و جعلتني أشعر فعلا بخطر أمثال هؤلاء ليس على العالم الغربي أو العربي فحسب، و لكن على العالم في كل مكان، خاصة و أنهم يستغلون الجانب الروحاني للإسلام للسيطرة على عقول الناس و من ثم بث رسائلهم التحريضية بشكل خفي يحول المسلم من مواطن و جزء من المجتمع إلى فيروس ينخر في جسم مجتمعه، و الكارثة أنه يعتقد أنه بذلك يحسن صنعا، غير مدرك لأبعاد ما يقوم به و مدى تأثيره على العرب و المسلمين في كل مكان.

التطرف سلاح الضعفاء، و المتطرفون هم غالبا أشخاص لا حول لهم و لا قوة، أشخاص يعتقدون أن قتل المدنيين و ترهيب الآمنين بعمليات جبانة هو رمز قوة، و يعتقدون أن الخطابات النارية و الألفاظ النابية على الإنترنت هي رمز قوة أيضا، بينما هم لا يملكون شيئا، و يتم اصطيادهم بشكل مستمر و يتساقطون كالذباب معتقدين أنهم شهداء و أنهم ضمنوا مكانهم في الجنة عن طريق قتل الأبرياء و المدنيين، و ترهيب كل من هو أضعف منهم، فتراهم على سبيل المثال يتطاولون على كل من ينتقد تفكيرهم و توجهاتهم المريضة و لو كان مسلما، و غالبا ما يتم ترهيبه و الاعتداء عليه و ربما قتله، بينما هم لا يستطيعون مجابهة قوات الأمن المدربة على مواجهتهم، و لا يستطيعون مجابهة الدول العظمى مثل الولايات المتحدة سوى بالكلام النابي و التهديدات الفارغة على الإنترنت، و كل محاولاتهم الإرهابية ضد الولايات المتحدة باءت بالفشل، و بينما تراهم يتفاخرون بالعمليات القليلة التي نجحوا في إتمامها ضد المدنيين الأبرياء، ينسون أن كل منفذي العمليات يتم اصطيادهم عاجلا أم آجلا، و يسقط من صفوفهم الآلاف بينما لا يسقط من الجنود سوى أعداد قليله، و مع ذلك هم يعتقدون أنهم منتصرون لمجرد أنهم يحملون فكرا دمويا و مستعدون للموت في سبيله، و على الأغلب سينتهي بهم الأمر إلى الفناء عاجلا أم آجلا، لأن من يصادم دون أن يفكر يستحيل له أن ينتصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة