الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاة ودورهم فى الثورة المضادة بمصر

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


شكل تقاعس القضاة المصريين عن أتخاذ أجراءات وقرارات و أحكام سريعة ورادعة بحق ضباط جهازالأمن الداخلى ورموز فساد عهد مبارك عاملآ أساسيآ فى إندلاع المظاهرات والإحتجاجات الداعية لإنقاذ ثورة مصر والعودة للإعتصام بميدان التحرير فى قلب القاهرة .

ثمة تساؤل - يتردد البعض فى أثارته – ويتلخص فى التالى : هل يشكل القضاة فى مصرجزءآ من الثورة المضادة لثورة 25 يناير ؟ .

الإجابة على هذا السؤال تستوجب أستعراضآ للتكوين الإجتماعى للجماعة القضائية المصرية , وبيان طبيعة العلاقة التى تربطها بسلطة الحكم وبنظام مبارك خلال السنوات الأخيرة الماضية .

مرت العلاقة بين القضاة و مبارك بمحطات مؤثرة , لكن الثابت أن حضور الجماعة القضائية داخل ساحة الجدل العام بشأن قضايا ( الإصلاح السياسى والإجتماعى ) جاء عبر مدخل قانونى هو مطلبهم الخاص بالإعمال الحقيقى لمبدأ الفصل والتوازن بين سلطات الحكم وأعادة رسم العلاقة بينها على أرضية القانون والدستور .

الخطاب الإصلاحى للجماعة القضائية - الذى تبناه تيار الإستقلال القضائي فى عهد مبارك - بمفرداته الحقوقية والسياسية لم يكن بجديد , فهو يشكل أمتدادآ لواحدة من مواريث الحداثة التى شهدتها مصر منذ بدايات القرن الماضى , حيث لعب العقل القانونى المصرى دورآ فى تأسيس وأنجاز مشروع الدولة المصرية المرتكزة على الفكر الوضعى ومنطق العقلانية والأخلاق المدنية .

ثورة يوليو حملت تقديرآ سلبيآ لهذا الدور القضائى ولموقع القانونيين فى البنية السياسية والإجتماعية المصرية حيث نظرت اليهم بحسب كونهم الراعى الأكبر لطبقة الإقطاع ويده الطولى ورصيده فى صفوف الرجعية الوفدية .

ما يتعين الإنتباه اليه فى هذا السياق أن العلاقة بين الدولة و الجماعة القضائية المصرية كانت ومازالت محملة بتناقضات وتفاوتات لا يمكن استيعابها الإ عبر فهم صراع وتبلور" المصالح والوعى بموقع هذه الفئة القضائية داخل التكوين الإجتماعى و ديناميات تحولاته المتعاقبة ".

ففى الستينات من القرن الفائت ساد نمط أنتاجى يمكن وصفه بنموذج ( برأسمالية الدولة ) دعمت داخله الدولة وجود شرائح وسطى ضمن فئة القضاة وبهدف تزكية حضور ( البرجوازية الصغرى ) التى شكلت عنصرآ مؤثرآ فى التحالف الطبقى للدولة الناصرية .

هذه ( المواقع الوسطى القضائية ) بدت متجانسة ومتوافقة مع توجهات الثورة الإجتماعية وإصلاحاتها الإشتراكية حيث عمدت إلى تجاهل حقيقة سيطرة و تغول السلطة التنفيذية / الثورية على ما عداها من سلطات , والتزمت الصمت - بمناسبات عديدة - أزاء تجاوز صفوات الحكم وجهازها البيروقراطى والأمنى لشرعية دولة القانون العام وقواعد الدستور.

ومع بداية عقد الثمانيانات والتسعينات وخلال التحول لنمط أنتاجى مغاير ومع تزايد حاجة الحكم ( لإعادة أنتاج الجماعات الوسطى ) أرتفعت حدة توابع وتأثيرات الحراك الطبقى الداخلى بالمواقع القضائية وأمتدادتها لتفقد فى النهاية طابع التجانس والإستقرار النسبى التى تمتعت به خلال الحقبتين الناصرية والساداتية .

ومن هنا برزت أشكالية تترجم وضعية الإستقطاب الذى شهدته الجماعة القضائية فى كليتها وعلى مستوياتها الداخلية فى شكل تمايز مستمر بين شرائح عليا ارتقت فى السلم القضائى بسند من النفوذ المالى والتوارث العائلى للمهنة , وبين شرائح وسطى – وسطى تمكنت من تأكيد شرعية مرورها وحضورها بسند من المتغيرات الإجتماعية و الطبقية التى أحدثتها ثورة يوليو.

خصائص ووعى الطبقة التى تصون الأفكار الحقوقية والليبرالية لدولة القانون والدستور ظلت لصيقة بالفئة القضائية العتيدة و شرائحها العليا . فى حين غلبت قيم و معايير الفئات الوسطى وعقليتها البرجوازية الصغيرة على القاعدة العريضة من أبناء الجماعة القضائية الوافدة لمجتمع القانون .

نظام مبارك أنتبه لتبلور هذا التكوين الجديد لجماعة القضاة المصريين وأخذ فى توظيف تناقضاته بهدف بذر أوجه من الشقاق والتناحر بين صفوفهم ولخدمة هيمنته على مقاليد السلطة القضائية وتوجيها سياسيآ وقانونيآ .

ومن هنا عمد إلى الضغط على العصب العارى لمصالح القضاة الإجتماعية الأساسية - كمستلزمات و أوجه الرعاية الصحية و الإجتماعية والرواتب والإعارات والندب للعمل كمستشارين لاسيما بأقليم النفط و بعض المزايا الخدمية و المصرفية وغيرها - وشرع النظام فى التلاعب بهذه المطالب من أجل تفتييت " الوعى القضائى العام " و تكريس التناقض بين مصالحهم ( كأفراد ) من جانب , وبين مصلحتهم الجماعية الكلية ( كفئة ) من جانب آخر.

فبينما تقتضى مصلحة الفئة فى مجموعها تأكيد منحى الإستقلال المالى و الإدارى عن الدولة و سلطة الحكم , فأن مصلحة القاضى / الفرد تدور حول التحرر من هذه الضغوط المتلاحقة وكمنحى معتاد ومميز لسلوك الشرائح الوسطى .

تلاعب الدولة المصرية بوضعيات المركز الإجتماعى للقضاة ( كفئة مهنية أجتماعية ) فى ظل سيطرتها على القاسم الأعظم من مقررات شأنهم المالى – هو ما يفسر حالة التردد والتراجع الدائم داخل الحركات الإحتجاجية القضائية وعدم اعتدادها بالمطالب الإصلاحيةداخل المجتمع العام .

فعلى سبيل المثال – كانت وقفتهم الكبرى أمام دار القضاء العالى فى 25 مايو 2006 هى ختام المشهد القضائى الإحتجاجى على الرغم من الزخم والتأييد الشعبى والنخوى الذى راهن على صموده ضد مبارك و قيادة القضاة لحركة التغيير الديموقراطى .

ومنذ ذلك الحين فى العام 2006 وعقب صدور حكم بحق المستشاريين / محمود مكى و هشام البسطويسى - وهما من رموز حركة الإستقلال - أنخفض سقف المطالب القضائية و تقلص لمجرد حماية أمتيازتهم ورواتبهم والبحث عن الحصانة ضد أجراءات الفصل والعزل والإقصاء من وظيفتهم القضائية .

ثمة عادت الجماعة القضائية لتقف عاجزة عن الفعل أمام رفض مجلس الشعب نقل تبعية التفتيش القضائى من وزير العدل لمجلس القضاء الأعلى, وكذا رفضه أختصاص مجلس القضاء بتعيين رؤساء المحاكم الإنبتدائية , وعدم موافقته على إدراج نص بقانون السلطة القضائية يمنح الإستقلالية لنادى القضاة .

كما لم تحرك ساكنآ إزاء حجب الدعدم المالى لنادى القضاة فى عهد الوزير / ممدوح مرعى أو فى مواجهة قرار مجلس الصلاحية بإدارة التفتيش القضائى الذى تضمن إحالة أكثر من 186 قاضيآ إلى الصلاحية -لأسباب سياسية لا تتعلق بالكفاءة أوالنزاهة القضائية .

ثمة حاجة للتأكيد على أن الأدوار السياسية والإصلاحية للقضاة تظل دالة فى متغيرات الحركة الإجتماعية والطبقية العامة وفى محددات ومعايير تكيفها مع نظام الحكم القائم ودرجة مقايضة حقوقها وأستقلالها الإدارى والمالى و السياسى بعطايا ومكاسب أقتصادية وحياتية ضئيلة ومرحلية .

خطيئة نخبة تيارالإستقلال فى عهد مبارك أنه راهن على دور جديد للقضاة – الوافدون من منابت وجذورإجتماعية وسطى – بمعزل عن المعطيات التى تحكم حراك الجماعة القضائية وتضبط تأثيرها على مسرح الحدث السياسى والإصلاحى العام .

ومن هنا دانت السيطرة لتيار الموالاة لحكم مبارك – على حساب تيارالمعارضة والإستقلال بنوادى و مجالس القضاة - حيث سادت عقلية قضائية أنتهازية تبحث عن مجرد المزايا العينية والمالية , و أساليب زيادة الرواتب و المكافآت – وتغض الطرف عن وقائع الفساد المالى و السياسى والمؤسسى التى كانت تعص بالدولة و المجتمع .

فتزكية تيار الموالاة واكتساح القوائم الإنتخابية الحكومية لإنتخابات نادى القضاة بعهد مبارك – كان تعبيرآ سياسيآ أجتماعيآ عن السمت التوافقى المهادن والمراوغ لهذه الفئات الوسطى القضائية , وحصادآ أخير لما تعرضت له الجماعة القضائية من ضغوط وأغراءات على مدار سنوات طويلة .

ولذلك فأن هذه الجماعة القضائية - بحكم موقعها فى التقسيم الإجتماعى المصرى وعلاقتها بتحالف السلطة وتجربتها التاريخية - تظل فى موقف ذيلى وتابع للسلطة القائمة ( سواءآ فى ظل نظام مبارك - أو فى صورة المجلس العسكرى ) وتدين بالولاء لها , ولن تقدم شيئآ مؤثرآ للثورة المصرية التى يمكن القول بأنها أضرت بمصالح و أستقرارالقاسم الأكبر من عناصرها الوسطى .

وباختصار هى لن تكون رافعة لعملية تطهير وأزاحة للفساد والفاسدين بشكل جذرى و حاسم طالما أنها لم تتحرر ولم تستقل فى مواجهة الجهاز التنفيذى والعسكر القابض على زمام السلطة, وسطوة الرأسمال القادرعلى التأثيرعلى القانون ووقائع نفاذه على الأرض .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقترح الهدنة.. إسرائيل تمهل حماس حتى مساء الأربعاء للرد


.. إسرائيل تهدد بمحاربة حزب الله في كل لبنان




.. جون كيربي: ننتظر رد حماس على مقترح الاتفاق وينبغي أن يكون نع


.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار




.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ