الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاضل خليل ذاكرة .. و .. بورتريه

عدنان منشد

2011 / 7 / 5
الادب والفن


لعلي كنت في العاشرة او نحوها عندما اشتركت مع فاضل خليل في مسرحية (اوديب ملكا) لسوفوكلس لاول مرة على خشبة من خشبات المسرح في مدينة الناصرية، وكانت المسرحية من اخراج الفنان الراحل مهدي السماوي، وكان بمعيتنا فنانون كبار، امثال المطرب حسين نعمة وعبدالمطلب السنيد والفنان التشكيلي كاظم ابراهيم والفنان المغترب داود امين، فضلا عن الفنان المخرج حميد الجمالي واخرين. كان الدور المرسوم لي ان اكون قائد (الجوقة) نظرا لطولي الفارع منذ ذلك الزمن، بالقياس مع اقراني من طلبة مدرسة الشرقية الابتدائية للبنين. وكان عليَّ في ختام المسرحية ان اقود اوديب او فاضل خليل الى عمق المسرح،
ثم اتوارى معه في الكواليس استجابة لصحوته التراجيدية في جريمتي قتل الاب والزواج من الام، ومن قبلهما جريمة قتل الوحش القابع على اسوار طيبة.منذ ذلك الزمن الذي يرقى الى بواكير العقد الستيني من القرن الماضي، وانا اعد الفنان فاضل خليل استاذي ومعلمي الاول في المسرح، على الرغم من تباعد اللقاء بيننا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات لعوامل موضوعية وذاتية، او لاسباب قاهرة ما زلت اجهل دواعيها حتى الان.. قد يكون الموقف السياسي احد هذه الاسباب، وقد تكون حالة (النجومية) التي كلكلت على فاضل خليل بفعل دوره الشهير في مسرحية (النخلة والجيران) وما تبعه من ادوار في السينما ودراما التلفزيون، وهي حالة لا يستهويني السير في ركابها. ولهذا نسيت حقا فاضل خليل لبضع عشرات من السنين، خصوصا في مجال النقد، بل انني صببت عليه حلم غضبي يوم عرض مسرحيته (هيروسترات) في اواخر التسعينيات، حتى تذكرته فجأة لسبب يتعلق بالفنان قاسم محمد المقيم في دولة الامارات العربية، يوم اعددت للاخير ملفا في جريدة (الخليج) الاماراتية، فاذا به يهزني هزا عنيفا، واكاد اطير به فرحا، اذ اكتشفت وانا اصافحه اشياء كانت غائبة عني، وادركت كم هو استاذ بالفعل، بل وخطر لي ان هذا الفنان قد يكون في جعبته الحل الصحيح لمشكلة التلميذ والمعلم التي ما زالت تؤرقنا حتى الان.
ليس من المستحب عادة اطراء التلميذ لمعلمه الاول، اذ يعتبر من قبيل المباهاة المرء بنفسه. ولكنني اتساءل: اذا كان هذا المعلم معترفا له بالحضور من الخاصة والعامة كفاضل خليل، فما العيب ان يشارك التلميذ في الاطراء، خصوصا وهو يعرف عن معلمه ما لا يعرفه الناس، وقد يهمهم ان يعرفوه؟ ليس المدح ولا الهجاء بالامر المستهجن، وانما المستهجن فقط هو الكذب، ولهذا سوف اعاهد القارىء الا اقول في هذا السياق على الاقل، الا ما اعتقد انه الحق.
ربما كان افضل ما في فاضل خليل على الاطلاق دأبه الفني المستمر . لا ادري ان كانت مشاركاته في التمثيل المسرحي مع المخرجين الكبار، امثال (قاسم محمد، ابراهيم جلال، سامي عبدالحميد، بدري حسون فريد، جاسم العبودي، جعفر السعدي، جعفر علي، عوني كرومي) تأكيدا لهذا الدأب ، ولا اعرف كيف تولد مشاركاته في السينما ودراما التلفزيون وجودا قويا عند الناس خصوصا الافلام العراقية المعروفة (الحارس/ الرأس/ التجربة/ الاسوار/ البيت/ الفارسل والجبل..) . كما لا اعرف ان كانت شواغله الاخراجية تورث مثل هذا الحضور في مشهدنا المسرحي، ومنها مسرحية (الرهان) لتشيخوف، (سالومي) لاوسكار وايلد، (تألق جواكان موريتا ومصرعه) لبابلو نيرودا ، (عطيل كما اراه) لشكسبير، (الشياع) عن رواية اسماعيل فهد اسماعيل، (فويسك) لبوشفر، (الباب القديم) لخليل شوقي، ، (حلاق بغداد) لالفريد فرج، (خيط البريسم) و (الشريعة) ليوسف العاني (مائة عام من المحبة) و (في اعالي الحب) لفلاح شاكر، و (سيدرا) لخزعل الماجدي..
باختصار ، كان فاضل خليل ولسنوات متعددة نجما فنيا ووجها اجتماعيا معروفا بين الناس، واستاذا وعميدا لكلية الفنون الجميلة، ونقيبا للمسرحيين، ومديرا مفوضا لشركة بابل ، ومديرا عاما لدائرة السينما والمسرح. وكاد هذا الحضور الفني الواسع ان يتعرض للاذى لو وقعت مذكرات الرفيق الراحل (صالح دكله) عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الصادرة في مطلع التسعينيات بيد السلطات الامنية، اذ ورد اسم فاضل خليل اربع مرات متتالية في هذه المذكرات، كفتى متحمس في توزيع مناشير الحزب الشيوعي في مدينة العمارة في اواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
تعرض فاضل خليل بعد سقوط نظام صدام للفصل من دون ان ينبس ببنت شفة، ثم اختطف ولده الاصغر واجبر على ابتزاز ما لديه من مال ومدخرات من دون ان يرفع صوته احتجاجا. ومع ذلك، ظل هذا الفنان (ارستقراطي) الاخلاق والحس اذا جاز هذا التعبير، كأن المسائل كلها وامور الحياة جميعها تتحول عنده في نهاية الامر الى مشكلات اخلاقية، الاجدر بها ان تترفع عن الزائل والساقط في مسار التجربة الديمقراطية لعراقنا الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??