الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجمة على الأسرى الفلسطينيين سياسية بامتياز

علي جرادات

2011 / 7 / 6
القضية الفلسطينية


ليس رداً على خطوات نضالية طالما خاضها الأسرى الفلسطينيون، بل، بمبادرة، وبقرار سياسي معلن، من نتنياهو وائتلافه الحكومي، (الذي يصفه حتى بعض الإسرائيليين بالفاشي)، باشرت " مديرية مصلحة السجون العامة" في إسرائيل تنفيذ جملة من الإجراءات القمعية بحق الأسرى الفلسطينيين، بدعوى الضغط الهادف لاستعادة الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، بأقل ثمن ممكن، تماشياً مع شروط الحكومة الإسرائيلية لصفقة التبادل، بل، تماشياً مع شروط أكثر أجنحتها تشدداً، الذي يلجأ، وإن بزيادة كمية ونوعية، لذات الوسيلة الفاشلة التي كانت قد جربتها الحكومة الإسرائيلية السابقة، ما يثير السؤال: هل الضغط لتحسين شروط صفقة تبادل الأسرى هو الدافع الوحيد لهجمة حكومة نتنياهو ضد الأسرى الفلسطينيين، أم أن هنالك دوافع أخرى، وإن كان الأمر كذلك، فما هي هذه الدوافع، وما هي أسبابها؟؟؟؟
لا ريب في أن الضغط الهادف إلى تخفيض عدد ونوعية الأسرى الفلسطينيين المطلوب الإفراج عنهم مقابل استعادة الجندي "شاليط"، هو أحد دوافع الهجمة الجارية ضد الأسرى الفلسطينيين، غير أن استخدام هذا الضغط كوسيلة ثبت فشلها سابقاً، يشي بأن هنالك استهدافات أخرى، فقسوة إجراءات هذه الهجمة واتساع نطاقها، ينطويان على روح انتقامية، تفوح منها رائحة عنصرية فجة، مثلت السمة الأبرز لجناح نتنياهو-ليبرمان- يشاي السائد في الائتلاف الحكومي، الذي ينتهج قواعد أكثر تشدداً، لإدارة الصراع على كافة الجبهات، ويبدو أن هذا الجناح قد اختار معضلة الجندي "شاليط"، التي فشل في حلها بالوسائل الأمنية أو بالتفاوض وفقاً لشروطه، مدخلاً وغطاء، للهجوم على الأسرى الفلسطينيين، في محاولة لرسم قواعد جديدة في التعامل معهم، عبر تجريدهم من بعض مكتسبات شروط عيشهم، سبق انتزعوها بنضالات مديدة، وبطولات عظيمة، وتضحيات غالية وجسيمة، تعمدت بدماء قافلة طويلة من الشهداء، إن كان في معارك الإضرابات المفتوحة عن الطعام، أو في ما لا يحصى من أشكال المواجهة اليومية مع السجان على مدار عقود، أو في معارك المجابهة في أقبية التحقيق.
لقد اشتملت هجمة حكومة نتنياهو على توسيعٍ لإجراءات التفتيشات الليلية العارية الإذلالية، فضلا عن تحويل الحرمان من التعليم من إجراء عقابي لحالات بعينها إلى قرار شامل لكل الأسرى، إضافة إلى توسيع نطاق الحرمان من الزيارة والكتب والصحف، علاوة على جملة من التضييقات المتعلقة بالاستقرار والعلاج والرياضة والتغذية والتنقل وإقتناء مستلزمات الطهي والإنارة والتسلية و...الخ، من التضييقات التي لا يعرف مدى انعكاساتها السلبية على الحياة اليومية للأسير غير من عاش السجن لسنوات، ناهيك عن زيادة غير مسبوقة في عدد الأسرى المعزولين في الحبس الانفرادي، الذي يساوي قرار زج المناضلين فيه لسنوات، (وبلا أدنى مبالغة)، الحكم عليهم بالإعدام وبالموت البطيء غير المعلن.
في السياق يجدر التذكير بأن سياسة "مديرية مصلحة السجون العامة" في إسرائيل قامت على قاعدة عدم الإعتراف بأن للأسرى الفلسطينيين حقوقاً، وأنها، كذراع تنفيذية للسياسة الرسمية الإسرائيلية تجاهم، ليست على استعداد للنقاش في مطالبهم إلا بوصفها احتياجات قابلة للتغير، في الكم والنوع، تبعاً لتحولات الصراع معهم. وتحيل هذه القاعدة في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين إلى منهج الغائي شامل، انتهجته إسرائيل وطبقته منذ قيامها في التعامل مع الفلسطينيين عموماً، وعلى كافة المستويات، فهم، وفقاً لهذا المنهج، ليسوا شعباً له أرض جرى إبتلاعها، وحقوق وطنية وتاريخية جرى اغتصابها، بل، هم مجرد "مجموعات سكانية غير يهودية تعيش على أرض إسرائيل"، يكفي لحل قضيتهم تلبية احتياجاتهم المعيشية، القابلة للزيادة والنقصان، تبعا لمجريات الصراع وتحولاته.
هنا، ورغم أن هذا المنهج ظل منهجاً إسرائيلياً ثابتاً في التعامل مع الفلسطينيين، وبضمنه التعامل مع الأسرى، إلا أن فجاجة التطبيقات العملية لهذا المنهج، قد شهدت قفزات نوعية منذ تولي تحالف نتنياهو-ليبرمان-يشاي سدة الحكم، مع معارضة يقودها حزب "كاديما" الليكودي الأصول، الذي لا يختلف مع هذا التحالف فيما هو جوهري وأساسي. وهذا ما يستدعي التنبه إلى أن الهجمة الجارية ضد الأسرى، إنما هي حلقة في ترجمات سياسة إسرائيلية متطرفة شاملة غير مسبوقة، يقودها نتنياهو، ولا ينفع لتفسيرها، ذرائع من قبيل امتلاك الأسرى لهواتف نقالة، يعلم القائمون على إدارة السجون، ويعلم نتنياهو من بعدهم، أن بعض السجون، وخاصة المعتقلات المفتوحة، لم تخلُ منها منذ أواسط تسعينيات القرن المنصرم، وأن الأسرى الفلسطينيين لم يضطروا لتهريبها إلا لأن إدارات السجون تحرمهم منها كحق، فيما تتيحه وتسمح به للأسرى اليهود، وللأسرى الجنائيين عموماً، بل، ولا يخلو الأمر من غضٍ للنظر عن تهريب هذه الهواتف أحياناً، بهدف الاستفادة الأمنية عبر التنصت على المكالمات، التي يعرف الأسرى أنها مراقبة ومُسيطَر عليها من الألف إلى الياء، ما يجعلهم يقتصرون استخدام هذه الهواتف على الشؤون الإنسانية.
بلى، إن هجمة حكومة نتنياهو على الأسرى الفلسطينيين، ليست فقط مجرد وسيلة للضغط في موضوع صفقة تبادل الأسرى، ولا يمكن تفسيرها بذريعة الهواتف النقالة أو ما شابه من ذرائع، ما يتطلب من الأخوة الأسرى، ومن عموم أبناء الشعب الفلسطيني، وحركته الوطنية، وطيفه القيادي، الرسمي منه والشعبي، التعامل مع هذه الهجمة بجدية أعلى، وبما تحتاجه من خطوات نضالية نوعية مفروضة، لم يعد بالإمكان تفاديها، كما تشير المعلومات الواردة من السجون.
عليه، فإنه، وإن كان للأخوة الأسرى تقدير خطواتهم النضالية لصد ما يتعرضون له من إجراءات تستهدف إذلالهم وتجريدهم من مكتسبات جوهرية حققها نضالهم المديد على مدار عقود، فإن على كل فلسطينية وفلسطيني القيام بما يمليه الواجب الوطني في التصدي لهذه الهجمة المسعورة، عبر تنظيم أوسع حملة شعبية تضامنية اسنادية منظمة ومتصلة، من شأن إطلاقها وتكاتف الجهود إزاءها، أن يحوِّل قضية الأسرى الفلسطينيين وما يتعرضون له من إجراءات قمعية، إلى قضية رأي عام محلي وإقليمي ودولي، إذ لا يعقل استمرار رؤية العالم لقضية معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين إرتباطا بقضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي يتحمل تشدد القادة الإسرائيليين مسؤولية عدم إتمام صفقة تبادل استعادته، والتي مضى على التفاوض حولها خمس سنوات. قصارى القول، إن خلف الهجمة على الأسرى الفلسطينيين قرار سياسي مبيت، ولا ينفع لصدها إلا التعامل معها بوصفها كذلك، سواء من الأسرى أنفسهم أو من المعنيين بإسنادهم، على الأقل لتخفيف معاناتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج