الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماعة الحلول الثورية والحيوية ... و لكن!

علي الأمين السويد

2011 / 7 / 6
كتابات ساخرة


من البديهي أن الخط البياني لحساب الربح والخسارة في نتائج أي تحرك ثوري يمكن أن يتذبذب بين السالب والموجب، مما يعني أيضاً أنه من الطبيعي أن يُأخذ بالحسبان درجةُ أهمية وحاجة ذلك التحرك ألتغييري بالنسبة لأصحابه. فكلما كان الأمر الموجب للتغيير يستحق العناء بنظرهم أكثر، كلما بُذلت التضحيات بشكل أكبر. وبما أن عمليات التغيير لا يمكن إلا وأن يكون لها ثمن ما يُدفع، فلا بد أن يُحدد المرء موقفه بشكل لا لبس فيه من ماهية المقصود بالتغيير أولاً، ثم يعمد إلى تحديد موقفه من طبيعة التحرك المتخذ نحو التغيير تالياً.
والمدقق في شرائح المجتمع السوري يمكن أن يلحظ تراقص ذلك الخط البياني بين الصفر و اللانهاية، فإرادة التغيير عند النظام وطفيلييه صفر بحكم رفض التغيير، ولكن الخط البياني يتحرك قليلاً عند الذين لم ينالوا المكاسب التي تدفع بهم إلى اللحاق بركب النظام، فيرى أن التغيير يمكن أن يتم تحت مظلة النظام. و إعراب هذا الموقف سهل يقول بأن هؤلاء و ببساطة يبحثون عن مكاسب شخصية ضيقة يرميها لهم النظام.
أما الشريحة التالية فهي تلك التي تبحث عن التغيير منذ زمن بعيد ولكنها تعرف قدرها الذي رسمه لها النظام، وتلتزم به. فلا كانت قريبة من النظام فتنعم في خيره و عطائه، ولا هي ضحَّت بأي شي لنيل ما يريدون، فبقوا في مكانهم يلقون بعيونهم يمنة تارة وتارة شمالاً علّ النظام يرمي لهم مكرمة هنا أو هناك.
و بما أن الأرض لا تبقى مستوية بحكم دورة الحياة والتاريخ، فقد انفجر بركانٌ لا يبقي ولا يذر، ولا يقيم وزناً إلا لإرادته و لهذا النظام المستبد سبب الثورة ولا للنظام العالمي الداعم للنظام المستبد عدو الثورة. وليس بالكلام و إنما بالأفعال، سجل أفراد هذه الفئة أنهم بشرٌ من لحمٍ و دم و أنهم أحياء، و أنهم ليسوا ببغاوات أو كهوف متعفنة، و أثبتوا أنهم و بأظافرهم ينحتون حريتهم مهما قسا صخرها ومهما ارتفع سقف ثمنها حتى ولو وازى ذلك الثمن أرواحهم، أو أقتضى ارسالها إلى حيث نحسبهم أمواتاً وهم أحياءً يرزقون.
غير أن المضحك و المقرف بآن معاً وجود جماعة "أنا معك حتى النخاع ... ولكن"، فهذه الطائفة من المتذاكين التي تحاور، وتناور لتعطي الانطباع بأنها من فئة الأحياء الذين يعرفون أن لكل شيء إذا ما تم نقصان، ويعلمون أن طبيعة الأمور هي أنها دولٌ، حتى يشارف فهم الطرف الآخر على الاستنتاج الايجابي حول ما يسمع، فيفاجئ بمقولة تحاول أن تختم الحديث تقول "ولكن". هذه الكلمة تستدرك كل ما فُهِمَ و يلغي ما قبلها وتعود الفرقاء لنقطة البداية ولكن مع شعور قاتل بالذنب، ذنب شعور السماح بمرور الخديعة أو الخيانة.
فجماعة "نحن مع التغيير في سورية حتى النخاع و لكن" لا يريدون أن تكون الثورة مثل التونسية، فالتونسية جاءت فجأة والمباغتة تدل على مؤامرة. ولا يريدونها أن تكون مخطط لها، بداع أن العفوية هي طوق النجاة. ولا يريدها طائفية، و يعلمون تماماً أن النظام هو من يحاول شيطنة الثورة بالطائفية. ولا يريدونها أن تكون مدعومة من السوريين في الخارج، لخضوع أولئك السوريين لأجندات دول معادية بالرغم من أن النظام السوري أثبت بالدليل القاطع أن لا عدو له إلا الشعب. ولا يريدونها عن طريق التظاهر، فهي طريقة همجية، ولا يريدها مصورة فهي صورة مؤذية، ولا يريدها غير سلمية وإذا صرخ أحد المتظاهرين لحظة استشهاده "خاين اللي بيقتل شعبو،" مات إرهابياً. وكلما أخذوا شهيقأ سألوا أين البديل، و كأن نساء سوريا مصابة بالعقم منذ 1963 وكأن رجالها ليسو رجالاً.
ربما كانت صدمتي بهؤلاء جعلتني غير قادر على الاستيعاب، لذلك أرجو من أصحاب الخير المساعدة في إجابة سؤالي: هل هؤلاء الناس مع التغيير؟ هل يمكن لأي إنسان أن يطلب تغييراً كتغيير الخروج من غيابة جب النظام الأسدي إلى ربيع الكون الأبدي مجاناً و بدون أية تكلفة؟ هل يمكن التحرر بدون أي شد أو جذب بين مكونات مجتمع يرزح تحت نير الاحتلال البعثي ويعضُّ على الحذاء العسكري مدة خمسة عقود و يخاف بعضه من ذكر كلمة مظاهرة ضد النظام في أحلامه؟
جماعة "نحن معكم ... ولكن" يبدو أنهم أحفاد ذلك الفأر صاحب الاقتراح الهرقلي الذي أراد أن يحل مشكلة رفاقه الفئران. ففي اجتماع عام للفئران وبعد إبداء التبرم وشجب و إدانة تحركات القط، قرروا تشكيل لجنة لبحث وتطوير أفكار خلاقة للتخلص من خطر القط المميت، فخرج عليهم السيد الفأر جَدُّ أفراد "نحن معكم ... ولكن" و نطق بحل الحلول الذي أفتلى فيه بأنه يجب تعليق جرس في رقبة القط وهو نائم، وبهذه الطريقة يسمع الفئران صوت الجرس كلما تحرك القط فيستطيعون تحديد مصدر الخطر وتلافيه بسرعة مناسبة.
حلُ الفأرِ القاضي بتعليق الجرس عبقري و لمّاح مثل حل "جماعة نحن معكم ... ولكن" في البحث عن ثورة تغيير بدون أي "لكن"، و بدون شك أن الحلين مدهشين لدرجة الانصعاق ولكنهما خياليين لدرجة الاستحالة و أفضل وصف لهما بنسبهما للخيال الرومانسي الجامح. فلو أمكن القيام بثورة سورية تطابق مواصفات و معايير جماعة "ولكن" بحيث لا أصحابها صرف حريرة واحدة، أو نقطة دم واحدة، أو تكالب الدول عليهم، أو التدخل في شؤونهم، أو أن يتم أمرها بلطف و يسر، و بسرعة و دون تسرع ، لما كان هنالك داعٍ لتلك الثورة أصلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق


.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس




.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي