الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تفرح بسقوط عدوك

أوري أفنيري

2004 / 11 / 15
القضية الفلسطينية


"لا تفرح بسقوط عدوك ولا تبهج إذا عثر، لئلا يرى الرب ويسوء ذلك في عينيه!" هذه الوصية التوراتية هي أحد المبادئ الأساسية في الأخلاقيات اليهودية.

إذا كان الأمر كذلك، فإن إسرائيل هي أبعد ما يكون عن كونها "دولة يهودية". إن السيل المثير للاشمئزاز من القاذورات التي سُكبت على عرفات في الأيام الأخيرة، في معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية تقريبا، يمكن أن تشعر المرء بالخجل من كونه إسرائيليا.

الصورة الشيطانية التي أسندتها الدعاية الإسرائيلية للزعيم الفلسطيني تصدرت هذه الدعاية، خلال عشرات السنين واستمرت بعد وفاته أيضا. يبدو أن 17 سنة من الاحتلال قد أدت إلى "حيونة" مجتمعنا الإسرائيلي وقضت على أبسط أشكال النزاهة. لقد تنافس الوزراء وبائعو الأسماك، الوجوه التلفزيونية والبروفيسورات، "اليساريون" والفاشيون المتشددون فيما بينهم لينحطّّوا إلى أدنى مستويات الفظاظة.

لم تكن الهاوية بين وجهتي نظر الشعبين في أي مرة من المرات بأعمق مما ظهرت عليه يوم تشييع جثمان عرفات. فبينما كان يصف المحللون "والخبراء في الشؤون العربية" في إسرائيل، ومعظمهم من خريجي جهاز الأمن العام، الزعيم المتوفى على أنه مسخ، قمة الوحشية، الشر والفساد - كانت فاجعة الفلسطينيين به عميقة جدا، حتى أن هبة مشاعر مئة ألف من المشيعين في رام الله قد شوشت النظام أثناء المراسيم. لولا الطوق الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على كافة المدن الفلسطينية في ذلك اليوم لكان سيتدفق إلى المكان مليون شخصا.

كانت "كتلة السلام" هي المنظمة الإسرائيلية الوحيدة التي أعلنت عن مشاركتها الشعب الفلسطيني في فاجعته، وأرسلت وفدا إلى مراسيم الجنازة. جميع نشطائنا ألصقوا على ثيابهم لاصقات بارزة يظهر فيها علما إسرائيل وفلسطين. بسبب الاكتظاظ الهائل توزعنا داخل الحشد. لقد شعرنا خلال الجنازة بالأمان التام، حتى عندما أطلقت من حولنا آلاف العيارات النارية في الهواء من قبل أشخاص عبروا بهذه الطريقة عن مصابهم. مئات الفلسطينيين، من كل الأعمار والمستويات الاجتماعية، توجهوا إلينا للتعبير عن شكرهم لحضورنا.

كنت وسط الغوغاء عندما حطت المروحية التي جاءت بالجثمان من القاهرة. وقفت بين وزراء ورجال دين ودبلوماسيين بجانب الضريح المكشوف. أحسست بالمشاعر المتأججة لدى الحشد الكبير عندما ظهرت المروحية فوق الأسطح المجاورة. عادت إلى ذاكرتي مراسيم تشييع جمال عبد الناصر عام 1970، حين هب الحشد وخطف جثمان الزعيم المحبوب من بين أيدي الجنود، وأحسست بأن من الممكن أن يحدث ذلك هنا أيضا في أية لحظة. هذا ما قد حدث بالفعل.

لم يُثر أي زعيم عربي - وقلة فقط من الزعماء في العالم كله - مثل هذه المحبة والمودة العميقة كما حدث لدى أبناء شعب هذا الرجل، الذي يرى فيه الإسرائيليون مسخ على شكل إنسان. لقد آمن به الفلسطينيون ووثقوا به، وخوّلوه باتخاذ كل القرارات التي كانت تحتاج إلى الشجاعة وقوة القلب. لقد تشرّبوا منه قوة الصمود بظروف الاحتلال غير الإنسانية. أما الآن، على حين غرة، فقد وجدوا أنفسهم أيتاما في عالم تغير بعد موت الرجل الذي ترك خلفه فراغا هائلا.

ماذا سيحدث الآن؟ لقد قاد عرفات شعبه من حافة الهاوية إلى بوابات الاستقلال. ولكن حرب التحرير الفلسطينية لم تتوصل إلى أهدافها بعد – إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا الأمر ما زال بعيدا. ستضطر الزعامة الجديدة إلى مواجهة المشاكل التي كان على عرفات مواجهتها، ولكن بدون وجود عرفات وبدون التخويل الأخلاقي الذي كان يحظى به في أوساط شعبه.

أبو مازن، أبو علاء ونُظراؤهم هم أشخاص مستقيمون ونزهاء. لقد تعرفت على أبي مازن قبل سنوات عديدة، حيث شارك في العديد من اللقاءات التي عقدتها مع عرفات. إلا أنهم ما زالوا يفتقرون إلى جذور عميقة في أوساط شعبهم. ستمر سنوات حتى تتبلور زعامة قوية.

إن الفلسطينيين متحدين في هذه اللحظة فيما يتعلق بقرارهم أن يبينوا للعالم بأن بمقدورهم التغلب على الأزمة بشكل حضاري ومسئول. يمكن لهذه الفرصة أن تكون فرصة ذهبية أمام حكومة إسرائيل (والولايات المتحدة بطبيعة الحال) لفتح صفحة جديدة في علاقتها مع الشعب الفلسطيني.

ما الذي كان من الممكن فعله؟ كان من الممكن التعبير عن حسن النية عن طريق سلسلة من النوايا الحسنة، مثل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، ومن بينهم زعيم حركة فتح مروان البرغوتي، الذي حكم عليه بعدة أحكام مؤبدة. كان من الممكن إزالة الطوق والحصار وتقليص نشاطات الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية. كان من الممكن الإعلان عن العودة إلى طاولة المفاوضات السلمية في المستقبل القريب.

لقد كان الاختبار الأول هو مراسيم الجنازة ذاتها. كان يجب السماح للزعامة الفلسطينية دفن ياسر عرفات في القدس. إن دفنه في رام الله سيزيد من حدة نضال الفلسطينيين حتى يتم نقل رفاته إلى القدس. لقد وصل طومي لبيد، وزير العدل، وهو يميني متطرف يلبس قناعا لبراليا، إلى ذروة جديدة من الفظاظة حين صرح بأن "الملوك اليهود هم الذين يدفنون في القدس، وليس الإرهابيين العرب." مناحيم بيغن، الإرهابي الذي تحول إلى ملك تم دفنه في القدس – ولا يوجد أي مثال أفضل من هذا.

إلا أن الأهم هو السماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات خلال 60 يوم من وفاة الرئيس، كما ينص الدستور الفلسطيني. لقد شاءة الصدف أنه خلال لقائي الأخير بعرفات، قبل عدة أسابيع، (على فكرة، كان يبدو آنذاك معافى تماما) أن تناقشنا حول هذا الموضوع، واتفقنا أنه من غير الممكن إجراء الانتخابات في وقت يغتال فيه الجيش الإسرائيلي، بشكل منهجي، أشخاصا من الممكن أن يكونوا مرشحين، ويحظر التنقل الحر. كيف يمكن للمرشحين (الباقين على قيد الحياة) الوصول إلى جمهور الناخبين؟ كيف سيوزعون منشورات الدعاية الانتخابية، وكيف سيعقدون اجتماعاتهم الانتخابية ويتحدثون عن برنامجهم الانتخابي، بينما تحوم الدبابات من حولهم والطائرات من فوقهم؟

يجب تغيير هذا الوضع فورا. يجب سحب كل الجنود من مناطق السلطة الفلسطينية (مناطق أ ومناطق ب حسب اتفاقية أوسلو)، والسماح بحرية التنقل في هذه المناطق، ووقف "التصفيات الموجهة"، والأهم من ذلك كله، هو دعوة مراقبين دوليين.

هل سيحدث هذا بالفعل. أكاد أجزم بالنفي. ليست لأريئيل شارون أية مصلحة بالجلوس مع زعامة فلسطينية تتمتع بمكانة شرعية ومحترمة في العالم، ألأمر الذي يمكن أن يضعف سيطرته على الرئيس بوش وأن يشوش خطته لضم معظم مساحة الضفة العربية. سيعمل كل ما في وسعه لمنح إجراء الانتخابات، متهما الفلسطينيين ذاتهم بالذنب.

وكما قلنا دائما، من الأفضل تجاهل ما يقوله شارون- والتركيز الجيد على ما يفعله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل