الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلاد العظيمة ( 1 )

سهر العامري

2011 / 7 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


البلاد العظيمة ( 1 ) سهر العامري
الصدفة وحدها هي التي حملتني صيف هذا العام على متن طائرة عملاقة من طائرات اللوفتهانزا الإلمانية ، ومن مطار ميونيخ ، والى مطار بكين العاصمة الصينية ، وفي رحلة ليلية امتدت لإحدى عشرة ساعة ، وذلك لأنني عثرت في الانترنت على تذكرة سفر رخيصة الثمن .
حلقت الطائرة بنا في حدود الساعة السابعة مساء من مدينة ميونيخ الألمانية لتهبط بنا في حدود الساعة الثانية عشرة من ظهيرة اليوم التالي بحساب فارق الوقت بين أقصى مغارب الأرض وبين أقصى مشارقها ، وقد كانت الشركة كريمة جدا مع ركاب تلك الرحلة الذين زاد عددهم على خمسمئة راكب ، فعلى امتداد ساعات الرحلة تلك كانت أطباق الأكل والمشروبات المختلفة تقدم للركاب ، حتى لكأننا كنا نجلس في دار ضيافة ملك معلقة في عنان السماء .
بعد أن تمت إجراءات ختم جوازاتنا الروتينية هبطنا سلما الى طابق أرضي من مطار بكين الضخم ليحملنا قطار رائع الصنعة الى مكان متقدم من المطار تقع فيه الأشرطة الدوارة التي تحمل على ظهورها حقائب المسافرين ، وبذلك يستطيع القارئ الكريم تصور كبر مطار بكين في القسم الثالث منه ( Terminal 3 )
على مبعدة قريبة من مكان استلام الحقائب وقفت حافلات نقل الركاب ، ركبنا احدها لننزل على رصيف طريق تحركنا عليه سيرا على الإقدام الى موقف الحافلة رقم 124 التي حملتني الى شارع قريب من الفندق الذي حجزت فيه غرفة قبل مغادرتي من السويد الى الصين ، وكان من عادتني هو أنني لا استأجر سيارة اجرة خاصة ، ولا أركب قطار أنفاق في اي مدينة أنزلها ، وذلك لسببين هما : إن سيارة الاجرة تضيع علي معرفة طرق المدينة ، مثلما يحرمني قطار الأنفاق التمتع بمناظر تلك المدينة ومعرفة شوارعها والأماكن المعروفة فيها.
وصلت الفندق بعد لأي ، تسلمت مفتاح الغرفة الذي كان عبارة عن بطاقة صغيرة الكترونية يستطيع المسافر من خلالها فتح باب غرفته ، وإقفال كل المصابيح الكهربائية فيها ، وهذه البطاقة ( المفتاح ) رأيتها في فنادق مدن الدنيا الأخرى .
حين كنت واقفا في استعلامات الفندق تقدمت مني فتاة عارضة علي المشاركة في رحلة يعدها الفندق مشاركة مع الفنادق الأخرى الى سور الصين العظيم ذلك السور الذي منيت نفسي أن أراه منذ أن كنت فتى يافعا ، وافقت على طلب الفتاة وسلمت المبلغ المطلوب لها ، وقد حددت لي هي الساعة الثامنة صباحا من اليوم التالي لانطلاق تلك الرحلة ، ووقتها حضرت هي مع سيارة نقل ركاب متوسطة الحجم وفيها أربعة من السياح ، وبعد مسيرة ساعة ونصف بتلك السيارة صعدت الدرجات الأولى من ذلك السور العظيم مع الألوف من سياح الدنيا الذين حضروا من بلدان مختلفة نساء ورجالا ، شيوخا وشبانا . ولم أشاهد عند حضيض ذلك السور جمعا يضم نساء ورجالا يغني ويرقص سوى جمع واحد كان عبارة عن مجموعة سياحية قادمة من إيران . وقد صورتهم بعدسة كامرتي مثلما صورت السور العظيم وما عليه من السياح ومن زوايا مختلفة .
بعد نزولنا من السور ركبنا السيارة ثانية كي نعود الى بكين ، لكن مرافقتنا الصينية التي كانت تتحدث معنا باللغة الانجليزية طلبت منا في منتصف الطريق ما بين السور العظيم وبين مركز مدينة بكين النزول في ضاحية تكثر فيها الأشجار وتمتد على أرضها مزارع كثير ، كان الهدف من نزولنا هو تناول طعام الغداء في أحد المطاعم ويبدو أن ثمنه كان قد عد من ثمن برنامج الرحلة الذي دفعناه مقدما .
لقد أباحت لنا صاحبة المطعم أكل ما نحب وما نريد بعد أن جلسنا في غرفة خاصة ، وكان أغلبنا قد تناول الرز مع بعض أطباق الخضار بعدها قدمت لنا القهوة والجاي وهذا اسمه في اللغة الصينية أما السكر فاسمه تانك ، وبعد الفراغ من تناول الطعام هبطنا الى الشارع فوقعت عيني على جامع للمسلمين في تلك الضاحية وقد خطت على بابه كلمة البسملة مثلما يسميها ابن مالك في ألفيته ، وعلى هذا تكون اللغة العربية هي اللغة الثانية التي تجدها في واجهات المطاعم الصينية بعد اللغة الانجليزية حين يكتبون على تلك الواجهات : المطعم الإسلامي . وقد شاهدت أكثر من ستة مطاعم كتب عليها ذلك ، ومن بينها كان هناك مطعم يقع قبالة ضريح ماو تستونغ الزعيم الصيني الشهير الذي يؤمه الآلاف من الزوار يوميا ، كما أنني شاهدت الحرف العربي مدونا على العملة الصينية من فئة المئة يوان ، وحين سألت عن هذه اللغة التي تستخدم الحرف العربي وتستخدم الى جانب اللغة الصينية أجابني رجل بعد أن فرغ من صلاته التي أداها في حديقة عامة وعلى المذهب الحنفي في الإسلام ، أجابني من أن هذه لغة تركية تستخدم من قبل قوميات في منطقة كاشغر وغيرها من المناطق ، وكان هذا الرجل قد قرأ النص لي بتلك اللغة ، وكان هو يعرف بعضا من كلمات اللغة العربية ، كما أنه أشار بيده الى جامع قريب مطلقا كلمة مسجد بدلا من كلمة جامع ، ويبدو أنه كان يؤدي صلاته في الحدائق بدلا من الجامع بسبب من كونه يعمل سائق إجرة ويريد أن يوفر لنفسه بعضا من الوقت ، والطريف أن تلك الحديقة تمتد على عدة كيلومترات ، وهي ذاتها التي يرقص فيها الصينيون نساء ورجالا مساء ، وعلى أنغام موسيقية تزيد من نشاط الجسد ، ولم تفتني المشاركة في تلك الحفلات اليومية الراقصة .
أخذتنا السيارة بعد تناول الغداء الى مقابر ملوك وأباطرة الصين التي لم تمس بسوء رغم مرور سيل من السنين عليها ، وكانت تلك القبور قد اتخذت أشكال حيوانات مختلفة ، فالأول منها اتخذ شكل صندوق من الصخر وعلى هيئة سلحفاة ضخمة ثم قام عليها بناء ضخم كذلك، وعند خروجنا من تلك المقبرة قابلتنا فلاحات تلك المنطقة الزراعية الواسعة بمحاصيل مزروعاتهم من الفاكهة والثمار فاشتريت من إحداهن كيلو مشمشا مثلما اشتريت من الأخرى كيلوين من الخوخ ، وكان الخوخ يفيض بعصير وافر طيب المذاق ، وأفضل من الأجاص الذي امتدحه ابن بطوطة في رحلته الى الصين ، ولكنه لا يداني حلاوة وكثرة مياه الرقي ( البطيخ الأخضر ) الصيني ، فهو على ذات الصفة التي وصفها به ابن بطوطة .
حملتنا السيارة بعد ذلك الى معرض يبيع الحجارة الكريمة التي تحولت على يد العاملات الصينيات الماهرات الى قلائد ومداليات رائعة الصنعة والهندسة ، وقد ألحقت في هذا المعرض ورشة عمل ضمت بعض مكائن صقل الأحجار الكريمة ونحتها ، تجلس خلف كل ماكنة منها عاملة صينية تنحت على سبيل المثال من صخرة عدة كرات تكون الواحدة في بطن الأخرى وبدقة متناهية ، ويبدأ عمل العاملات هذا منذ الساعة الثامنة صباحا وينتهي عند الخامسة مساء ، أما عمال البناء فعملهم يبدأ عند الساعة السابعة صباحا وينتهي عند منتصف الليل ، وتحت مصابيح كهربائية ضخمة ( بروجكترات ) ولكني لم أشاهد عاملات بين عمال البناء هؤلاء الذين كانوا يعتمرون الخوذ الحمراء والصفراء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين