الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة النبيلة ...تقييم واستشراف المستقبل.5/5

محمد نبيل الشيمي

2011 / 7 / 7
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


تعد ثورة 25 يناير2011 بداية مرحلة جديدة في تاريخ مصر نحوالتغيير والبحث عن الهويةوفتحت مشهدا قلماً يشهد التاريخ مثله من حيث التأكيد على أن الشعوب هي سيدة قرارها وأنها هي وحدها القادرة على إسقاط الأنظمة القمعية بكل رموزها وأدواتها وأكدت على حيوية شعب مصر الذي أعاد للحياة مبدأ أن السيادة كلها للشعب وهو مصدر السلطة وليس لقوة ما كانت الحق أو القدرة على مصادرة الحقوق أن مشهد الثورة المصرية يعد بمثابة ميلاد واقع جديد على كل الأرض العربية قوامه تحرير ارادة المواطن ... والوطن ولا شك أن مصر بعد 25 يناير لن تعود الى ما قبل ذلك اليوم الخالد وأن مسيرة التغيير لن يوقفها أحد .... وأن هذه الثورة 25 يناير حاله فريدة تختلف كثيراً عما سبقها من ثورات شهدها المجتمع البشري باختلاف ايديولوجياتهاوادواتها فهى تختلف عن الثورة الفرنسية عام1789 التي قامت بها الطبقة البرجوازية على الحكم المطلق المستبد المدعوم من الارستقراطية الفرنسية وتتباين مع الثورة البلشقية عام1917 والتي دشنت نظاما جديدا يقوم على ديكتاتورية الطبقة العاملة (البلوريتاريا) واسقطت البرجوازية الروسية بجناحيها الارستقراطي والإقطاعي ثم أيضا تختلف عن الثورة الإيرانية التى انهت عقودا طويلة من حكم اسرة بهلوى المدعومة امريكيا وانتهى الأمر بإقامة دولة أوتوقراطية تعتمد منهجاً إسلامياً يقوم على ولايةالفقيه ثم هي أيضاً تختلف عن ثورات أوربا الشرقية المدعومة أمريكياً وغربياً يقصد تقليص النفوذ السوفيتى والانقضاض على النظم الماركسية الحاكمة
مفهوم الثورة وواقعها :
استخدم مصطلح الثورة أول مرة عام 1450م وانتشر في العالم بعد عام 1600 وأصل الكلمة يعود إلى المصطلح اللاتيني revolution وهو تعبير فلكي الأصل شاع استعماله بعد أن أطلقه العالم البولندي كوبر تيكوس على الحركة الدائرة المنتظمة للنجوم حول الشمس والتي لا تخضع لسيطرة الإنسان وبالتالي تضمن المصطلح معنى الحتمية (جابر السكران ، الثورة تعريفها / مفهومها / نظرياتها / جريدة الجريدة) أما الثورة اصطلاحاً فقد تعددت تعريفاتها .
الثورة هي : حركة اجتماعية بها تحل بعنف أسطورة جديدة محل أسطورة قديمة وهي تغيير جماهيري سريع وعنيف وهي إعادة بناء الدولة وهى انقطاع في التاريخ وهى إبدال القيم وبالجمع بين ما هو مشترك في هذه التعريفات يمكن تعريف الثورة بأنها " التغيير خارج إطار نظام قانوني تتوافر فيه إمكانية التغيير فهي تغيير فجائي وكلي يتم خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر له الشرعية " وهي بهذا تختلف عن الإصلاح الذي هو التغيير من خلال نظام قانوني تتوافر فيه إمكانية التغيير فهو تغيير تدريجي جزئي سلمي يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعية (د. صبري محمد خليل ـ مفهوم الثورة بين العلم والفلسفة والدين) . ووفقا ماجد شدود – الموسوعة العربية تعرف الثورة بأنها " أسلوب من أساليب التغيير الاجتماعي تشمل الاوضاع والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعملية التغيير لا تتبع الوسائل المعتمدة في النظام الدستوري للدولة وتكون جذرية وشاملة وسريعة تؤدي إلى انهيار النظام القائم وصعود نظام جديد " .
وعليه فإن هناك فرقا بين الثورة وبين الانقلاب قالثورة تهدف إلى إحداث تغييرات جوهرية في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بينما يهدف الانقلاب إلى إعادة توزيع السلطة السياسية بين هيئات الحكم المختلفة أو الأشخاص القائمين به .
ويترتب على نجاح الثورة سقوط الدستور وانهيار النظام الحكومي القائم ولكنها لا تمس شخصية الدولة ولا تؤدي إلى انتهاء العمل بالتشريعات السابقة عليــــها (ماجد شدود الموسوعة العربية – سبق الاشارة ) .
أما علماء الاجتماع فانهم يشتركون في أن الثورة تغيير مفاجيء سريع ذو أثر كبير على الكيان الاجتماعي ويحطم استمرارية الأحوال الراهنة فيه فهناك من يصف الثورة بأنها تبتغي إعادة بناء وتنظيم النظام الاجتماعي كله تنظيما وبناء جديدا فى حين يرى آخرون أن الثورة عمل قصدي فهي تعني توقع حدوث وقصد إحداث تحطم في الكيان والتنظيم الاجتماعي الراهن فهي ردود أفعال الأفراد على الأحوال غير المرضية في حياتهم الاجتماعية ولكن بعد أن تنتظم في عمليات السلوك الجمعي .
ويرى علماء الاجتماع أن هناك أسبابا تؤدي إلى حدوث الثوراث فمنهم حسب د. صبري محمد خليل في دراسته مفهوم الثورة بين العلم والفلسفة والدين السابق الاشارة اليهما إلى أن هناك أسباب غريزية وهناك أسبابا اقتصادية تؤدي إلى الثورة كالبطالة والصراعات الطبقية (الثورة الفرنسية والبلشفية نموذجاً) .
ويرى البعض وفقا للمادية التاريخية والتي تمثل صلب النظرية الماركسية أن الثورات تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في إطار تطور المجتمع تؤدي إلى وجود تناقضات أساسية في أسلوب الإنتاج وبين علاقات الإنتاج وأدواته يؤدي بطبيعة الأمر إلى الشعور بالظلم والاستغلال الذي تمارسه طبقة سيدة وطبقة مسودة وهنا تنشأ الحالة الثورية التي تعتمد الخروج على الواقع في صورة الاضطرابات والاحتجاجات والانقلابات ... وهناك من يرى عدم وجود أسباب واضحة ومحددة للثورة فقد تحدث بدون مقدمات لإندلاع الثورات أيضاً البعض يرون أن التطور الحضاري والاحتكاك بين الشعوب قد يؤدي إلى حدوث حالة استنفار بين المواطنين رغبة في التغيير واللحاق بالذين تقدمو في حياتهم وقد تسهم ظهور زعامات ذات كاريزما في حدوث حالة من الرغبة في التغيير ... هناك من المفكرين الذي يرون أن الثورات هي انفجارات طارئة خارجية عن السيطرة تحدث نتيجة انفعالات جماهيرية مدمرة متناقضة وغير واعية ويشارك فيها اللا شعور االجمعى لشعب ما بكل ما يحتويه من مظاهر تقدميه ورجعية .. كما أن هناك من يرى أن الثورة عبارة عن تغييرات فجائية وجذرية وعنيفة تحدث فى المجتمع دون وجود أي أسباب أو عوامل دافعة ومؤديه إليها وهي تحمل معنى وصفياً وشكليا بدون أن يكون لها مضمون أو قيمة اجتماعية محددة وهذا المضمون يعني أن أي تغيير جذري وفجائي وعنيف في نظام الحكم بشكل ثورة حقيقية طالما أن الحركة السياسية أو الفئات الاجتماعية التي قانت بالثورة تمتعت بتأييد قطاع واسع من الشعب (ماجد شدود_ الموسوعة) .
ويصنف علماء الاجتماع الثورات إلى أنواع متعددة طبقاً لمعايير متعددة فهي تنقسم طبقاً لمعيار التسلح إلى مسلحة وسلمية وهي تنقسم طبقاً لمعيار الحقل الذي تحدث فيه إلى سياسية أو حضارية أو صناعية وتنقسم طبقاً للمعيار المادي التاريخي الماركسي إلى ثورات إقطاعية وبرجوازية وبروليتارية وتحرر وطني (د. حاتم الكعبي في علم اجتماع الثورة ، بغداد 1959 عرض حميد الهاشمي ، يوميه إيلاف الإلكترونية ) .
وعلى الرغم من اتفاق علماء السياسة والاجتماع لأهمية وجدوى الثورات فإن هناك من الفلاسفة من يرفضها كوسيلة لأحداث التغيير فمنهم من يرى أن الطغيان هو النظام الطبيعي للثورات وهذا ما كان يراه مونتسيكو فى حين يرى جو ستاف لوبون ان الثورة جهد ضائع باعتبار ان المجتمعات يمكن أن تصل إلى ماتم الوصول إليه بالثورة دون تضحيات (د. صبري محمد خليل ـ مفهوم الثورة بين العلم والفلسفة والدين) .
ولم يخل الفكر الإسلامي من رؤى حول الثورة فمنهم من يرى عدم جواز الخروج والثورة على الحاكم حتى ولو كان جائرا ويرون الدعاء لائمةالمسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف ومنهم المرجئة في حين أن هناك يرى ضرورة مقاتلة الظلمة وأئمة الجور وخلعهم من سده الحكم .... وكان للخوارج رأي ثورى الطابع فهم يؤكدون على وجوب الخروج على الحاكم الظالم وأن لا خلاف على أن الثورة هي النموذج الذي يجب اتباعه لإحداث التغيير وكان هذا الفكر أحد أهم محاور آرائهم السياسية في إدارة الحكم
متطلقات الثورة المصرية:-
لم تكن الثورة وليدة اللحظة ولكن جاءت من رحم تراكمت فيه الأسباب كان ابرزها الاستبداد والفقر والتهميش والتبعية وولدت الثورة على يد فئات شبابية لم ترتبط بالأحزاب القائمة يجمعها بعض الجمعيات أو المنتديات الفكرية التي نظمت نفسها وواجهت من خلال شبكات التواصل الاجتماعي واستقطبت إلى جانبها قطاعات واسعة من الشعب من مختلف اتجاهات من الذين وجدوا في الثورة فرصة للتعبير عن المعاناه والقهر والقمع الذي كان سمة النظام – وكانت ثورة 25 يناير اول ثورة جمعت شتات الرافضين للظلم والاستبداد شملت كل ارجاء مصر وكل طوائفها باختلاف توجهاتهم ومنطلقاتهم الفكرية وان كان للشباب الفصل الاكبر فيما تحقق ومن ثم فإن هذه الثورة هي حركة شعبية ذات أبعاد سياسية واجتماعية اتخذت من الرفض والاحتجاجات نهجاً متدرجا حتى يوم 25 يناير 2011 (تجدر الإشارة أي أن حركة استقلال القضاء وحركة كفاية وحركة 6 إبريل والجمعية المصرية من أجل التغيير كانت لها كلها دور فعال في الانتفاضات والاحتجاجات التي سبقت الثورة ).
هناك عدداً من الأسباب استمدت الثورة منها منطلقاتها :
الأسباب الاقتصادية /
كان للسياسات الخاطئة التي استخدمها النظام في إدارة الشأن الاقتصادي أحد أهم منطلقات الثورة ومنذ بداية تطبيق ما يسمى بسياسة الانفتاح الاقتصادي في عام 1974شهدت مصر نهبا منظما لثرواتها وظهور فئة المافياويين تحت لافتة رجال الاعمال والذين عملوا على زيادة ثرواتهم من خلال الارتباط بالنظام الذي سهل لهم الاستفادة من كل موارد الثروة في البلاد ولعبت ما يطلق عليه الاستاذ وائل جمال فى دراسته " الابعاد الاقتصادية للثورة ونخبة الاعمال " بنظام رأسمالية المحاسيب بتضفير السياسة فى الاقتصاد ويصبح الرئيس وحزبه وعائلته واصفيائه مركزا للقوة السياسية والاقتصادية عبر احتكار القطاعات الاقتصادية الهامة _ وكانت سياسات الخصخصة أحد أهم مظاهر الفساد المالي والسياسي في تاريخ مصر الحديث حيث تمكنت طبقة المافياويين من السيطرة على الاقتصاد المصري وتحكمت فيما يزيد عن 80% من إجمالي الدخل القومي للبلاد في الوقت الذي يعيش فيه حسب البنك الدولى حوالى 40% من المصريين خط الفقر زادت فيه أعداد العاطلين عن العمل حتى وصلت معدلات البطالة إلى ما يزيد عن 20% من إجمالي من هم في سن العمل مع زيادة مستمرة معدلات التضخم والتي وفقاً لتقديرات وصلت إلى ما يزيد عن11 % واعتقد ان هذا الرقم غير صحيح فالتضخم فى مصر يأخذ منحا تصاعديا ويصل فى بعض القطاعات خاصة قطاع الطعام والشراب الى 20% فى الوقت الذي فشلت فيه السياسات النقدية والمالية في رفع كفاءة الاقتصاد وتزايد العجز في الميزان التجاري بصورة غير مسبوقة حيث بلغ العجز فى الميزان خلال عام 2009/2010 (25.1 مليار) فى حين ان هذا العجز بلغ عام 2005/2006 ( 11.1 مليار دولار ) مع ارتفاع الدين العام المحلى فى 30/6/2010 (599.6 مليار جنيه) تمثل و 49.7 % من الناتج المحلى الاجمالى مقابل (232.9 مليار جنيه) فى 30/6/2005 تمثل 53.9 % من الناتج المحلى الاجمالى للبلاد - فى حين بلغ الدين العام الخارجى فى 30/6/2010 33.7 مليار دولار تمثل 15.9 % من الناتج المحلى الاجمالى مقابل 28.9 مليار دولارفى 30/6/2005 تمثل 7.7% من الناتج المحلى الاجمالى كما كان للرضوخ إلى طلب بعض رجال الأعمال وتخفيض سعر صرف الجنيه المصري عام 2003 أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج وزيادة العبء على الطبقات الفقيرة ... وكان كل ذلك يمثل تراكمات لدى المواطن ضد النظام الذي استخدم كل وسائل القمع والإذلال كي تستمر الفئة المافياوية في تحقيق المكاسب والمنافع بعلاقاتها بالنظام ووصولها إلى المجلس النيابي سنداً لها في سن القوانين التي تحقق أغراضها سواء كانت قوانين تتعلق بتقنين سياسة الاحتكار أو التهرب الضريبى والجمركي وامتلاك الأراضي وتسقيعها وعقد الصفقات التجارية بدون ضوابط اللهم تحقيق أعلى معدلات ربح للمستوردين والمصدرين دون أن يعود هذا بالنفع على الاقتصاد فضلاً عن اتساع رقعة الفساد المالي والاقتصادي في أجهزة الدولة ومع تزايد مشكلات الإسكان والصحة والخدمات العامة والتعليم والنقل زادت حدة الاحتجاجات وتراكمت ... صاحب هذا زيادة حدة القمع من أجهزة الدولة الشرطية والمخابراتية المؤيدة للنظام وكان مع كل يوم جديد تزيد حالة التفجر والسخط الشعبي والرفض ... ومع انسحاب لدور الدولة في إدارة الاقتصاد تفاقمت المشكلات واتسعت الهوة بين النظام والمواطن خاصة الطبقات الفقيرة وذوي الدخول المحدودة التى عجزت عن الحصول على فرصة عمل لابنائها مع زيادة معدلات التلوث واتساع رقعة العشوائيات وانفلات الاسعار – وهكذا كان للظلم الاجتماعي وسوء الأوضاع الاقتصادية من اسباب الثروة .
وقد يسأل البعض عن علاقة الظلم الاجتماعي وسوء الأوضاع الاقتصادية بالاحتقان .
لاشك أن هناك علاقة إيجابية بينهما فالظلم وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفعا الإنسان إلى الحقد والحسد والكره والرغبة في الانتقام من المجتمع (مواطنين / مؤسسات) والأوضاع السابقة مصر التي شهدت حراكاً واحتجاجات اجتماعية ضد الممارسات الظالمة من قبل رئيس الدولة وحكومته وسوء أحوالهم الاقتصادية التي هي نتاج سياسات اقتصادية لم تراع مطالب الشعب لحساب فئة قليلة سرقت ونهبت وتركت الآلاف من الشباب عاطلين عن العمل .. كل هذه الأسباب دفعت بالشعب للخروج إلى الشوارع غير عابيء بالتهديد والوعيد وغير مصدق بأن التغيير الذي أشار إليه مبارك بتحسين أوضاعهم ستتحقق ويسقط المصريون شهداء قضيتهم العادلة .
2. الأسباب السياسية:-
كانت مصر في عهد مبارك دولة محكومة بفكر شمولي لا يؤمن بتداول السلطة ولا يقيم للديموقراطية وزناً وصادر النظام كل الآراء المعارضة له وجيش كل امكانات البلاد لخدمته سواء على مستوى المجالس النيابية (شعب وشورى ومجالس محلية) فضلا عن وضع موارد البلاد لخدمة الحزب الوطنى المحلول وكوادره واستخدام كل أسلحته في تزوير الانتخابات والتضييق على الأحزاب بل أن النظام من خلال لجنة الأحزاب التي كان يهيمن عليها الحزب الحاكم حالت وظهور أي أحزاب تحمل برامجها آراء تناقض أو تختلف مع سياسات الحزب أو الحكومة وكانت التوجهات السياسية للنظام كلها في صالح قوى بعينها تتمركز في الحزب وكوادره والرئيس وأسرته ومجموعة من المقربين له . هذه المجموعة احتكرت العمل السياسي واقصت كل القوى الأخرى وقد استخدم النظام آليات غير اخلاقية للحفاظ على وضعه الاحتكاري للعمل السياسي حيث عمل على إعلاء قيم العشائرية والقبلية والطائفيه في الريف المصري مع الدفع برجال الأعمال إلى العمل السياسي بغض النظر عن مواهبهم السياسة فى إدارة الشأن العام ذلك كان ضماناً لاستمرار هيمنته على مجمل العمل السياسي في البلاد ... ثم أن مبارك نفسه كان مجرد أداه في خدمة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمن إسرائيل واعتبر ان الخطر الوحيد عليه يكمن في الشعب المصري ... الذي منع من استخدام كل منابر الحوار للتعبير عن تطلعاته ... ومع استمرار النظام في الحكم المطلق كان يصبغ نفسه بصبغة البقاء الدائم وأن البديل له الفوضى وهو ما تحدث به مبارك في أحد أحاديثه للشعب قبل التنحي واستخدام ذلك خطاباً تحريضاً تحذيرياً وجهه إلى الطائفة المسيحية وإلى رجال الأعمال فضلاً عن اتهام الثوار بالعمالة للخارج وتلقي رشاوي من جهات أجنبية تستهدف أمن الوطن .
الاستبداد السياسي وعلاقته بالثورة :-
يقول الأستاذ / محمد محفوظ في دراسته أسباب ظاهرة العنف في العالم العربي . أن انعدام الحياة السياسية الوطنية السليمة وغياب أطر ومؤسسات المشاركة الشعبية في الشأن العام ولد مناخاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً يزيد عن فرص الانفجار الاجتماعي ويساهم في إقناع العديد من أفراد القطاعات الاجتماعية المختلفة بخيار العنف ويرى الكاتب أن الدولة القمعية بتداعياتها ومتوالياتها النفسية والسياسية والاجتماعية هي من الأسباب الرئيسية في إخفاق المجتعات العربية والإسلامية في مشروعها النهضوي .
ويستنتج الكاتب أن من أسباب بروز ظاهرة العنف غياب الحياة السياسية السليمة والمدنية في بلدان العالم العربي ويرى أن النهج السياسي المعتدل الذي يتعاطى مع الأمور والقضايا المجتمعية بعقلية منفتحة ومتسامحة هو القادر على ضبط نزعات العنف وهو المؤهل لمراكمة الفعل السياسي الراشد في المجتمع .
وترتبط بظاهرة الاستبداد ما يسمى بالتعالي السلطوي ـ والمقصود بهذا ابتعاد الانظمة الحاكمة عن مطالب الشعب وتعاليه عليه ورفض الإنصات لمطالبه او حتى الالتفات إليها حتى وإن رضخ بعض الشيء فإن كل ما تقدم إليه من رؤى وأفكار ومطالب بضرب بها عرض الحائط وكم عن أفكار قدمتها قوى المعارضة في النظم المتسلطة وكان مآلها صناديق المخلفات ... وكم من رأي طرح من جانب المعارضة في البرلمانات العربية ولم يجد طريقة في الطرح ومناقشته وهكذا .. وعادة يلجأ المستبدون إلى استخدام بعض من رعاياهم لتبرير سلوكياتهم ويقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع استبداد ومصارعة الاستبداد (إن المستبد يتخذ الممجدين سماسرة لتعزيز الأمة باسم خدمة الدين أو حب الوطن أو تحصيل منافع عامة أو الدفاع عن الاستقلال... والحقيقة في بطلان كل هذه الدعاوي والتي ما هي ‘لا تخيل وإلهاء الناس وتضليل الأمة ) . وهكذا كان حال مبارك ونظامه .
ويرتبط عادة بالاستبداد احتكار وسائل الإعلام وكل منافذ التعبير الديموقراطي إلا من خلال ما تنشره بعض صحف المعارضة التي تخضع لسقف إعلامي محدد وعند تجاوزه يتم غلق الصحيفة (إذكر بما كان يفعله السادات مع صحيفة الشعب الناطقة بلسان حزب العمل وصحيفة الأهالي الناطقة بلسان حزب التجمع ) .
ان الاستبداد من جانب النظام السابق كان سبب مباشراً في خلق ثقافة العنف في المجتمع المصري والدفع بالمواطنين إلى الممارسة الفعلية وخلق الاستبداد مناخاً مسدوداً ديموقراطياً وكان حرمان القوى السياسية من حق التعبير السياسي الشرعي و الحصول على حقها في تداول السلطة والمشاركة السياسية مبررا و مناخاً مواتياً لتفجر الثورة ...والملاحظ في النظام السابق ابتداعة ديكورات لتجميل وجهة من خلال سن قوانين للأحزاب ولكن أين ذلك بالفعل فالأحزاب مقيدة وأعضاءها مطاردون بالقمع تارة وبالسجن تارة ... وقوانين الانتخابات مقيدة ويتم تفصيلها بحيث تعجز باقي القوى السياسية في المجتمع من الوصول إلى السلطة والمنافسة على رئاسة الجمهورية او الحصول على مقعد في البرلمان – كما كا من سوءاته التدخل الصريح فى القضاء والاعلام والمؤسسات الدينية ويكفى ان جيلا كاملا من الجالسين الان على منصة القضاء من اللذين توسط لهم الوزير السابق كمال الشاذلى وهو الذى دفع باعداد كبيرة من غير الاسوياء الى الالتحاق بكلية الشرطة .... وكل ذلك كان مدفوع الثمن – كما نجح النظام فى السيطرة على الاعلام من خلال بعض الصحفيين الذين تعاملوا مع النظام بعقلية التاجر الفاجر الذى يبرر ويحسن سلعته السيئة ... فضلا عن بعض رجال الدين الذين كادوا ان يألهو الرئيس المخلوع وكانوا يصدرون الفتاوى التى تروق للنظام بغض النظر عن مشروعيتها الدينية وهكذا ... تراكمت اسباب الثورة.
وكان نظام حسني مبارك يستخدم استراتيجيات للتحكم في الشعب المصري ... وهي تقع حتى ضمن ما أشار إليه المفكر الكبير نعوم تشومسكي (1928) الأستاذ في علم اللغويات في معهد ماساتشوستيس للتكنولوجيا ... وهى رؤيته فى استيراتيجيات التحكم فى الشعوب
1. استراتيجية الإلهاء : ويرى تشومسكي أنها عنصر أساسي في التحكم في المجتمعات حيث تتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشكلات الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة بقصد منع العامة من الاهتمام بالمعارف الضرورية والقصد من هذا تشتيت الاهتمامات الاجتماعية الحقيقية والملاحظ أن نظام مبارك كان يسير في هذا الاتجاه حيث كان يشجع بجنون هو وولديه الفريق القومي لكرة القدم واختزل ومن معه كل انتصارات مصر واحباطاتها في مباريات الكره وساحات الملاعب حتى أن مصر كلها اهتمت بمباراه مصر مع الجزائر وأحدثت نوعاً من التوتر في علاقات البلدين في الوقت الذي كانت مصر مستمرة في حصار غزة تنفيذا لمطلب أمريكي إسرائيلي .
2. ابتكار المشاكل ... تم تقديم الحلول
كان نظام مبارك يبتكر مشكلات أو مواقف تثير ردود أفعال معينة من قبل المواطنين تطالب الحكومة أو النظام بالتدخل فمثلاً هناك دلائل على دور للداخلية المصرية في أحداث تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية ... وقد لاقى الحادث ردوداً عنيفة من جانب الشعب طالبت الحكومة بوأد الفتنة الطائفية والضرب بيد من حديد على مدبري الحادث وهذه الخطة استعملها النظام في توطيد سياساته القمعية والتضييق على حركات الاحتجاج والإضراب .. ومن انماط ابتكار المشكلات خلق أزمة مالية تؤدي إلى قبول الشعب تراجع الحكومة عن تقديم الخدمات الاجتماعية التى هى حق له مع التسليم بان تردى هذه الخدمات شرلابد منه .
3. استرتيجية التدرج :-
قام النظام باتخاذ خطوات متدرجة عادة لم تكن في صالح المواطن ... ولو أن اتخاذها تم في وقت واحد أو متقارب لحدثت اضطرابات لايمكن السيطرة عليها .. ومن أمثلة ذلك قيام الحكومة برفع يدها عن دعم المواطنين كما حدث في العلاج المجاني أو أجور النقل والاتصالات .
4. استراتيجية المؤجل :-
التجأ النظام إلى استخدام هذه الاستراتيجية لإكساب القرارات المكروهة القبول الشعبي وقام بتقديم هذه القرارات كدواء مؤلم ولكنه ضروري بحيث يوافق الشعب في الحاضر على تطبيق شراء ما في المستقبل أي قبول تضحية مستقبلية يكون هناك استعداد أكبر في قبولها فيما بعد وهي أسهل من قبولها في حينه واتشغل النظام وفقاً لرؤية تشومسكي في سذاجة الشعب وأمله أن كل شيء سيكون أفضل في الغد .
5. مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار :-
كثيراً ما خاطب النظام الشعب المصري من خلال أجهزته الإعلامية وكأنه شعب متخلف ذهبنا وكأنه شعب من الأطفال فكان الإعلام بكل أشكاله (مرئية/ مسموعة / مقروءة) يركز على انجازات وهمية للنظام وعلى نظافة يد الرئيس وعلى تضحياته الوهمية للشعب مع التركيز على الاحتفالات التي نجد قبولا لدى طائفة بعينها أو فئة من الناس .
6. استثارة العاطفة بدل الفكر :-
كان النظام يعمل دائماً على استثارة عاطفة المواطنين والعمل على تعطيل رؤاهم المنطقية وأفكارهم النقدية للواقع المعاش وكان الهدف من ذلك النفاذ إلى وعي المواطن وزرع المخاوف والشكوك لديه من التغيير ومن ثم ترويضه .
7. إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة :-
ظل نظام مبارك على عهده في العمل على جعل الشعب غير قادر على استيعاب العلوم الحديثة واستمر في تقديم نوعية رديئة من المناهج التعليمية عملت على توسيع الهوة المعرفية بين الطبقات وركزت على التلقين دون التعلم وبحيث أبقت على حالة من الجمود المعرفي عند المواطن
8. تشجيع الشعب على استحسان الرداءة :
كثراً ما شجع النظام المواطنين على أن يكون همجيا وغبيا وجاهلاً واستخدم في ذلك الفنون الهابطة من أغان ومسرحيات وأفلام وصحافة وشجع على تكوين روابط مشجعي الكره الذين كانوا يستخدمون الألفاظ البذيئة في وصف مشجعي الفرق المنافسة فضلاً عن السماح وتشجيع العبارات الخارجية بل واستخدامها كأفيهات في الأعمال الفنية .
9. تعويض التمرد بالإحساس بالذنب :-
وقد عمل النظام على جعل المواطن دائماً يظن المسئول الوحيد عن تقاعسه ويعيش عقدة الذنب ويولد لديه حالة اكتئاب وانغلاق وقبول للواقع ... وكان ذلك كله يعني موت فكرة التمرد والثورة لدى المواطن .
10. معرفة الافراد أكثر ما يعرفون أنفسهم :
وقد عمل ذلك على امتلاك النظام سلطة على المواطنين أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم وومن ثم اقترب كثيراً ممن أدركوا أنهم في رغبة للاستفادة من الميزات التي وفرها هذا النظام لأعضاء حزبه وكوادره ورجالات آلته الإعلامية . والذين استخدموا كدروع بشرية فى مواجهة الافكار والاراء التى تطالب بالعدل الاجتماعى وتكافؤ الفرص .
وهكذا نجح مبارك وزمرته عبر عقود حكمه الثلاثة تحويل الشعب المصرى الى كائنات مروضة سهلة الانقياد ضعيفة الارادة سطحية التفكير تعانى من انعدام روح النقد البناء ... وبذر داخله كل ماينبت الكراهيه والتعصب والشك ...
لماذا هي ثورة نبيلة ؟
ثورة 25 يناير ثورة شعب ووطن ضد نظام حكم استبدادي مسنوود خارجياً وجاءت تتويجا لمرحلة طويلة من النضال المكبوت أحياناً والمتفجر أحياناً أخرى ... وهي نبيلة بكل المعايير ومقاييس الثورات وهناك من الظواهر أو الأسباب التي تؤكد نبل هذه الثورة .
على المستوى القومي فهي كما سبق وأشرنا إليه ولدت من رحم معاناه شعب عانى من طول الأسر ومن فرط القيود والأغلال والفساد والافساد ومن هنا فإنها تعبرعن شعب نهض ليستعيد حريته وكرامته .
أنها ثورة أدركت الدور التاريخي للشعب المصري وقدرته على صياغة رؤية ثورية تعمق من الانتماء القومي لهذا الشعب انطلاقاً من شعور متجذر داخله بأنه لا حرية بغير تضحيات واثبتت بجلاء أن الشعوب وحدها هي التي تصنع التغيير وتفتح الطريق وتعيده نحو مجتمع العدالة والمساواه والحداثة .
أنها ثورة على كافة مستويات الحياة فهي ثورة ضد الديكتاتورية السياسية والفساد الاقتصادي وعلى الظلم الاجتماعي وبقدر عظمتها فإنها ظلت سلمية بالرغم من سقوط المئات من شباب مصر الثائر تحت إقدام الجلاديين من رجال النظام الذين لم يرحمو مسناً أو صغيراً .
أنها لم تعتمد على مساندة قوي خارجية كما هو الحال في ثورات دول شرق أوروبا ضد الحكم الماركسى واعتمدت فقط على أبناء مصر بكل أطيافهم وعقائدهم .
انها لم تكن ثورة نخبة أو فصيل بعينيه وكانت ثورة شعبية بكل المعاني ضمت الليبراليين والقوميين والتيارات الأصولية والماركسية .
أن خلال أحداثها لم تشهد مصر حادثة عنف واحدة وتكفل الثوار بحماية الممتلكات العامة والخاصة .
أنها شهدت أروع دور للجيش المصري الذي انحاز إلى جانب الثورة مؤمناً بمشروعيتها وأكدت على استمراريه وطنية هذا الجيش العظيم .
... ماذا عن المستقبل ؟
من المؤكد أن مصر بعد 25 يناير لن تعد مطلقاً إلى الوراء وأن رياح التغيير التي هبت لتقتلع النظام العفن المستبد في ظاهرة قلماً تشهد العالم مثلها .. وأجزم بأن الثورة انتصرت وأن مسيرة التغيير في طريقها المنشود .. وسوف تبني مصر ديموقراطيتها وترسخ مبادىء حقوق الإنسان على أرضها وتستعيد ما فقدته يفعل وسلوك النظام البائد .. وسيبنى مجتمعاً قوياً قوامه الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية . ولن يكون للفساد سبيلا على نفوس أبنائها ويعود إلى مصر وعيها القومي ودورها الذي فرط به النظام البائد ولكن للثورة تداعيات وهي ظاهرة شهدتها كل الثورات في العالم ومن الطبيعي ان تحدث صعوبات ومشكلات نتيجة تراكمات عقود طويلة من الاستبداد والطغيان والفساد ... وما زال للنظام البائد بقايا تدمر وتخرب ومازالت تجري فى عروقها دماء الاستبداد وهي ترقص رقصتها الأخيرة من خلال النفخ في نيران الطائفية وقطع الطرق والتشكيك في الثورة وتخريب الاقتصاد والدفع ببعض ذوي النفوس الضعيفة أو البسطاء برفع سقف مطالبهم الفئوية وهم مدعومين من قوى الرجعية العربية وإسرائيل ثم هم أيضاً وراء الغياب الأمني هذا فى ظل تراجع الاقتصاد المصرى خدميا وانتاجيا بعد انخفاض عدد السائحين وتوقف جزئى لبعض القطاعات الانتاجية وعدم وصول بعضها الى طاقته العادية وحدوث انخفاض فى مؤشرات البورصة .
.. هذا حال الثورات وكم تعرضت الثورة الفرنسية إلى كبوات أدت إلى التأخير في تحقيق أهدافها وكم تعرضت الثورة الشيوعية في روسيا إلى مشكلات أطالت فترة التنفيذ والإصلاح ... الثورات لها تداعيات والحالة المصرية تشبه كثيراً حالة الثورة الفرنسية فالثورتان لم يكن لها أجندة اجتماعية او سياسية ولم تتبلور آراء ثوارها كما تمخضت عليه الثورة الفرنسية من تضحيات تقابل ثورة مصر النبيلة أيضاً مشكلات وتدفع تضحيات وهي قليلة مقارنة بمكاسب الثورة ولن يتمكن أعداؤها من اعادة التاريخ إلى الوراء ولن تعود حالة الجمود السياسي والظلم الاجتماعي والفساد الاقتصادي
... المطلوب من المصريين الصمود وإدراك أن مرحلة جنى الثمار ... قادمة وأن على الجماهير أن تتفاءل وأن تتوحد في مواجهة ما يسمى بالبرامج الانقساميه سواء طائفية أو سياسية والا تنخدع بالشعارات وأن نرى في نفسها انها مصدر السلطات وأن تؤكد على وجودها السياسي معبرة عن مصالحها وان تتعاطى مع المتغيرات التي تشهدها مصر بديموقراطية وقبول الآخر كبداية لإصلاح كافة المسارات السياسية والاقتصادية وتحقيق مبدأي العدل والمساواه جنباً إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والاعتماد على الذات .. ورفض التبعية والقضاء على استغلال المواطن المصري وعتقه من حالة الارتهان الاقتصادى والعزل السياسي اللتان كبله بهما نظام فاسد سيقف التاريخ أمامه طويلاً على أنه أسوا نظام حكم مصر في قديمها وحديثها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟