الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غواية التمرد الى أين...؟؟

فرات المحسن

2004 / 11 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


في شكوى تحمل الكثير من المرارة والألم المضني الممزوج بالكوميديا السوداء حدثني أبن أخي المتخرج من كلية القانون قبل أكثر من ثلاثة سنوات حول سبب عدم حصوله لحد الآن على وظيفة في دوائر الدولة . أجابني أنه مستمر في البحث عن وظيفة، ولكن المفارقة ، أنه في عهد صدام المجرم كانت الوساطة تختصر بشخص واحد يقبض المعلوم ويتخذ الإجراءات .إما الآن فأن عليك أن تحصل على تزكية ثلاثة أو أربعة أحزاب ولربما تخاصمت تلك الأحزاب عليك وفيك أو على نوع الوساطة أو شكل الوظيفة ومكانها ويعلل الأمر في الأخير بعدم وجود التخصيصات أو الشواغر .ولكن ما يقتلك حسرة وأسى هو أن تشاهد أحد غيرك أقل منك جدارة وشهادة دراسية يحتل ذات المقعد الذي تقدمت لشغله.وما عليك وفي نهاية المطاف غير الرجوع بتك واحد من خفي حنين لتستعمله في تقريع نفسك وتعذيبها .وفي نكتة سوداء أخرى حدثني عن وضع القضاء والسلطة القضائية. حيث بات القاضي يخشى إصدار قرار بإدانة أي مجرم تحال قضيته أليه، ويتملص من قبول الفصل في الدعاوى الجرمية بسبب التهديدات بالقتل والثأر العشائري الذي سوف يطاله.ضحكت ولكني شعرت بالمرارة وفكرت ما الذي سوف تسفر عنه لعبة القط والفأر هذه. وهل أن ما ترك من فتات السلطة تلتهمه الأحزاب بشهيتها الوطنية العالية والفائقة الجودة.

يبدوا أن قوات الاحتلال لم تغادر مربع الحرب الأول وهي مصرة على غرس أقدامها في ذات الوحل والبقاء فيه قدر المستطاع، وأن مسألة توفير الأمن أو فرضه باتت الشغل الشاغل والوحيد ليس فقط لقواتها وإنما أيضا للحكومة المؤقتة بقيادة الوزارة المصغرة المتكونة من السيد أياد علاوي ووزير داخليته ودفاعه ورئيس دائرة الأمن القومي السيد قاسم داود وأن مهمتهم الرئيسية تنصب في إخضاع ما سمي بالمدن المتمردة في المثلث البدوي. وقد أخذ هذا الجانب جل اهتمام تلك التشكيلة الوزارية وحليفتها قوات الاحتلال وأهمل أهم وأخطر الملفات التي تعتبر مفاقس لتفريخ التذمر والعنف والمتمثلة بمناح الحياة العامة ومتطلباتها من خدمات .فلازالت نسبة البطالة عالية جدا بالرغم من أن جميع منتسبي دوائر الدولة ومنهم موظفي الوزارات والمؤسسات المنحلة، يستلمون رواتبهم الشهرية وهذا ما نسميه بالبطالة المقنعة. ولكن نسبة البطالة الحقيقية متفشية بشكل كبير بين أوساط الشباب الذين قضوا أغلب سنوات أعمارهم في الجيش العراقي بصفة (مكلفين) وقد سيقوا للخدمة العسكرية في جميع الحروب التي سعى أليها المجرم صدام، ولم تسنح لهم الفرصة لالتقاط أنفاسهم والولوج في الحياة الطبيعية ونيل الخبرة لشغل الوظائف والدخول في سوق العمل. وهذه البطالة تشمل أيضا خريجي المعاهد والكليات خلال السنوات الخمس المنصرمة الذين لم يحصلوا على وظائف بسبب عدم توفر الدرجات الشاغرة أو التخصيصات المالية.وهم اليوم مع بطأ الإجراءات المتخذة لتنفيذ المشاريع وشح ما تقدمه الدول المانحة وموارد السلطة، يعتبرون عصب الأزمة وفتيلها .
وبالرغم من الوعود السخية التي قدمها المحتل والكثير من دول التحالف فأن الخدمات العامة تبدوا في أشد حالات البؤس والقتامة ولم يتغير فيها أي شيء بالرغم من مضي سنتين على هروب واختفاء عصابة حزب البعث .فالكهرباء ضئيلة جدا وطوابير الحصول على البنزين والغاز والنفط تطول وتتضخم مع مضي الأيام والشهور ،والبيئة ملوثة وأكوام النفايات تغطي ملامح المدن الكبرى والصغرى وطفح المجاري أصبح جزأ مكملا لمنظر المدينة العراقية، والتعليم في أشد حالات بؤسه وعجزه، والخدمات الصحية تردت بشكل لا يعقل وبالخصوص بعد أن طالت المستشفيات والمراكز الصحية عمليات النهب والسلب ولم تبادر لا دولة الاحتلال ولا حلفائها وكذلك الحكومة المؤقتة، بتقديم معالجة سريعة لهذا الأمر من خلال تزويد تلك المستشفيات بالأجهزة والمختبرات والأسرة وتركت أغلب تلك المرافق على فقرها وتخلفها وهذا لوحده يثير الشكوى والتذمر وكذلك التساؤل المحير عن سبب هذا البطأ والإهمال بالرغم من ضخامة ودقة وأهمية الهدف بالنسبة للإدارة الأمريكي وحليفتها إدارة السيد علاوي مع توفر الأموال المعلن عنها.
هذا التساؤل يجعلنا دائما نقف في مربع شكوكنا الأولى والتي ترجع لما قبل الحرب حيث اعتقدنا وما زلنا نرى أن الحرب في نهاية المطاف لها نتائج واحدة ،تتحدد بالدمار والتخريب الذي يرافقها ويكون نتيجتها المنطقية. وأيضا الاحتلال بكل فواجعه ونواياه البشعة. ونؤكد أيضا قولنا السابق بأن الإدارة الأمريكية وحلفائها وأيضا قوانا الوطنية كان بحوزتها عشرات الخطط وبمقدورها الإطاحة بصدام دون أن يحدث ما حدث ولكن سبق السيف العذل وكانت إرادة الإدارة الأمريكية أكبر من إرادة الجميع.ربما أن هذا الحديث لن يقنع البعض أو يرون فيه نوع من التعدي على أحلامهم المرتجاة. أو يحلوا للبعض توزيع خيرات العمالة بالمجان.
ولكي لا نضعف حججنا، ولكي نكون منصفين مع أخوتنا من أصحاب حلم الوسادة الخالية ، فأني أشير لحالة الجنوب العراقي كمثل يستحق المعاينة وكذلك مساحة كبيرة من المناطق الوسطى وكردستان التي تبدوا في واقع الحال مناطق مستقرة وتتوفر فيها الكثير من الممكنات التي تؤشر لخلق مشاريع وورش عمل تستوعب أعداد العاطلين عن العمل وتقدم الخدمات المعقولة لأبنائها الذين ذاقوا الأمرين في عهد فاشية حزب البعث. ولكن المستغرب ومع انعدام ذلك التوجه أو ندرته غير المنطقية (في لغة المحبين) نجد أن قوات الاحتلال وحلفائها في إدارة الدولة العراقية تترك الكثير من تلك المدن في حالة يرثى لها وتزيد الأمر سوءا بالسماح لأحزاب وهيئات طائفية وتدخلات خارجية، من إدارة العملية السياسية والاقتصادية وكذلك إدارة مؤسسات الدولة على هواها ووفق رغباتها وشروطها وبرامجها السياسية .ولحد الآن لم يلحظ أبناء تلك المدن أي تغيير بعد كل تلك السنين العجاف التي طالهم فيها التغييب والقتل على يد سلطة البعث الفاشي،وإنما فقط حصلوا على حرية الحديث عن مفاسد وجرائم صدام واختفاء حملات السوق للجيش الشعبي وغياب أغاني تمجيد الجرذ.وهذا ما زال يلهج به أبناء تلك المناطق ويعدوه فضيلة تطمئن النفس بعض الشيء في أوقات الضيق.ولكن الرشوة والوساطة وسرقات وهدر المال العام والمساعدات الدولية وانعدام الأمن وفقدان الخدمات في مجالات الصحة والبلديات وشح الماء والكهرباء قد تضاعف وأضيف له حظر وخطر أخر يتعلق بنيل قصاص شرعي يصل في بعضه الى التصفية الجسدية أن تحدث المرء عن هنات أو أخطاء ترتكبها بعض الأحزاب . وبالرغم من أن أبناء تلك المناطق كانوا ولازالوا متوافقين وبأغلبية ساحقة مع ما حصل من تغيير.فأن الإجحاف بحقوقهم الإنسانية بات يشكل عامل نفره ودعوة صريحة لخرق القوانين والتعدي على كل ما يمت للدولة بصلة وهم مع استمرار الوضع السيئ يشون بقاعدة مستقبلية للتمرد تتسع يوما بعد أخر.
إذا كان بوسع المعادين للتغيير الذي حصل وللحكومة الائتلافية المؤقتة وأحزابها أن يتصيدوا هذه العورات والإخفاقات والأخطاء ،ويستثمروها، بل ويزيدوا عليها تضخيما وتهويلا ،فهل المتفائلين بل وحتى المؤيدين ، باستطاعتهم أن يستمروا في مواقفهم وهم يبتلعون زقوم خدعة كبيرة تتسرب من تحت أقدامهم بعد مضي السنتين من الوعود. بل ويشاهدوا يوميا قوة احتلال وسلطة مؤقتة تمعن في تصعيد التعديات وصناعة حواضن للإرهاب .وهل المنتظر منهم أن يكظموا غيظهم للمدى البعيد وهم يرون مسيرة سياسية تتعاظم وتتراكم فيها الأخطاء دون حلول.فواقع الحال لايتوائم قطعا مع الوعود السخية المعنية بالحيزين الاقتصادي والسياسي وهما اللذان يشكلان العصب الديناميكي للتغيرات الحقيقية المفضية لعملية الاجتثاث الكامل لمساوئ عهد حزب البعث الفاشي .
أن البحث عن حلول ناجعة لتدهور الحالة العامة في العراق يتطلب سلطة ذات قرار وطني سياسي مستقل تسعى لوضع معالجات تتسم بالعقلانية من خلال مرافقة المعالجات الأمنية وتشديد الضغط على بقايا البعث وشراذم السلفيين، بتسريع عمليات التنمية البشرية بمختلف وجوهها ويتمثل مقدما باستيعاب أعداد العاطلين عن العمل والتوفير العاجل للخدمات العامة ومحاربة الفساد الإداري والتسلل المعادي التخريبي الى أجهزة الشرطة والحرس الوطني وكذلك دوائر الدولة الحساسة. وتلك المشاكل هي من يدفع المواطن ليس فقط نحو السلبية تجاه التغييرات واداء السلطة وإنما تعمق شعوره بالغبن والتهميش والتغرب والسلبية وتجعله أحد حواضن الإرهاب أو في أبسط الحالات التوافق مع مجرياتها والرضا عنها.
أن الاعتماد فقط على محاربة الإرهاب عسكريا وصب الجهود والأموال في الجانب الأمني وإهمال مجالات الحياة الأخرى المسببة للتذمر والطعون لن يحسم مشكلة العنف والإرهاب المتصاعد في الشارع العراقي .وفي ظني أن حصر اجندة السلطة وأحزابها واقتصارها على الجانب الأمني يقدم خدمة كبيرة وفاعلة لقوى العنف وبالذات منهم البعثيين وحلفائهم وهذا ما سعوا أليه واستطاعوا استدراج جميع القوى الوطنية العراقية نحوه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رواندا: جيل كاغامي • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إيرانيون يتوجهون لصناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد لبلادهم.




.. كيف تراشق ترامب وبايدن خلال المناظرة الرئاسية التي نظمتها CN


.. استخبارات غربية: إسرائيل و-حزب الله- وضعا خطط الحرب بالفعل




.. رئاسيات إيران.. كم عدد الأصوات التي قد يحصل عليها المرشحون و