الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيقاعات رقصة الحوار المر

بدر الدين شنن

2011 / 7 / 7
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


بعد مائة يوم ونيف من عمر الانتفاضة الشعبية المريرة الدامية ، وبعد ما انتهت إليه الأمور ، كم أشرت في مقالي السابق ، إلى أن لا قيادات الإنتفاضة ( التنسيقيات ) قادرة ، بإمكانياتها المحلية ، على إ سقاط النظام ، ولا القوى الدولية ( أميركا وأوربا ) التي تدخلت ، راكبة موجة الحراك الشعبي الاحتجاجي ، قادرة على استخدام المؤسسات الدولية ( جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي ) لتجعل من سوريا ، بواسطة حلف الأطلسي ، ليبيا ثانية ، ولا النظام الذي مارس مختلف أشكال القمع ، قادر على ا ستعادة استقراره وتوفير مقومات ا ستدامته وضمان امتيازاته الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي أ سس لها وما رسها عقوداً طويلة ، اتسعت رغم ا ستمرار الاشتباكات المسلحة الخطيرة بين قوى النظام ( الأمنية والجيش ) ومسلحين " جهاديين ، في غير مدينة أو منطقة ريفية ، اتسعت مساحة الحاجة الوطنية إلى الحوار في المشهد السوري .

وبناء على موازين القوى التي حددها موضوعياً ، حراك الواقع وحجومه المتعددة التباينة ، فإن الحوار ، الذي تستدعيه الحاجة الوطنية ، والذي مطلوب منه أن ينجز بأقصى السرعة مقومات التصدي للمخططات الأجنبية التي تستهدف كيان الوطن ومصيره ، وتفكيك الاستبداد ووضع الأسس لبناء سوريا جديدة ديمقراطية علمانية تسودها المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية ، ليس هو في حالة تطابق مع مبادرة النظام " الحوارية " بقدر ماهو وسيلة للحفاظ على ا ستدامة النظام بصيغة جديدة ، وليس هو أيضاً مطابقاً مع ما كانت تطرحه ، قبل الآن ، الأغلبية الكبيرة في المعارضة ، فيما يتعلق بالحوار من أجل الإصلاح السلمي التدرجي . وذلك لأن النظام يحاول توظيف ضعف المعارضة السلمية الميداني ، المتأتي عن عوامل كثيرة ـ أهمها ، القمع المزمن المستديم ، وتعدد قياداتها وخلفياتها ، وتباين أساليب حراكها وغياب برنامجها السياسي الاجتماعي البديل ، ومن ثم دخول فصائل " جهادية " وفصائل طائفية سوداء الفكر والقصد ، إلى الفضاء الميداني والسياسي والإعلامي المعارض ، التي أدت اشتباكاتها وصداماتها الدموية مع قوى النظام ، وكذلك طروحاتها ودعواتها الطائفية البشعة ، أدت إلى التخوف الشعبي الواسع المشروع من أخطارها ومآلاتها على المصائر الحياتية وعلى وحدة البلاد ، ليطرح ( النظام ) نفسه محاوراً رئيسياً ( سيد الحوار) ، وليحصل حسب ما يملكه من أوراق قوة على نتائج حوارية تتناسب ورغبته في الاستدامة بطبعة " ديمقراطية تشاركية " يزينها فسيفساء معارضة مشبعة بمكرمات المحاصصة النخبوية في السلطة الجديدة . بمعنى أن المطلوب ممن سيشترك من المعارضة في الحوار مع النظام ، حول الإصلاح ، أن يسقط من عقيدته " الثورية " مهمة إيجاد بديل مغاير للنظام . وهذا منتهى الإملاء والتعسف في ا ستخدام الظروف التاريخية الخطيرة القائمة . الذي سيؤدي تقبله إلى فقدان الفريق المعارض المحاور أي قدرة مؤثرة على طرح أجندته الحوارية والزود عنها ، وبالتالي إلى فقدان أي فرصة للفوز بنتائج ذات أهمية ، وسيؤدي أيضاً إلى فقدان الحوار أي جدوى مطابقة للحاجة الوطنية الراهنة .

كذلك يحاول الطرف المعارض ، الذي أعلن في السابق مراراً مطلبه في الحوار الوطني ، كخطوة أولى لخلاص البلاد من أزماتها المزمنة ، وهو يضمره الآن ، بعد أن طرحت الانتفاضة الشعبية شعار إ سقاط النظام ، يحاول أن يوظف ارتباك النظام تحت الضغوط السياسية والإعلامية ، وعجزه الأمني في معالجة الأزمة ، ليطالب ، بوقف الحل الأمني ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين ، واعتماد مبدأ التفاوض بدلاً عن الحوار ، لتغليف وتسويغ قبوله بالحوار ، ولتحسين مركزه الحواري ، وتحقيق ما هو بديل مقنع جماهيرياً لطروحات إ سقاط النظام . وفي حال تلكأ أو رفض النظام أحد أو كل هذه الشروط ، يحمل الطرف المعارض النظام مسؤولية تعثر أو فشل الحوار .
وعلى خلفية أن النظام ، يعمل على أن يأخذ المعارضة من حاجتها إلى الحوار ، لتحوز على الاعتراف الرسمي بها وخروجها المشروع إلى العلنية التامة ، وإلى توقها إلى المشاركة في السلطة ، للتخلص من شبح شعار إسقاط النظام الذي ترفعه الانتفاضة الشعبية ، وتحث عليه القوى الجهادية المسلحة . وعلى خلفية أن المعارضين المحاورين يعملون على أن يأخذوا النظام من حاجته إلى باب نجاة في أزمته الوجودية ، للتخلص من استبداده وامتيازاته ، بمعنى إ سقاط صيغته الديكتاتورية المفوتة . الأمر الذي يدفع الحوار المترافق و المتزامن مع الصدامات المسلحة هنا وهناك ، في أ شكاله وآلياته ومقاصده ، إلى ما يشبه الرقص على إيقاعات نارية ، لايصمد فيها حتى نهاياتها إلاّ الأقوى والأكثر براعة في المناورة والمبادرة ، ويدفع إلى اكتراع الكأس الحواري أو التفاوضي المر ، لأنه لايحقق النتائج المطلوبة بالنسبة لكل الأطراف .

وبمقتضى ذلك تجري الاستعدادات والمؤتمرات والاستعراضات الحوارية .. كمقدمة لابد منها لانطلاق الحوار . وتجري عمليات جس نبض متبادلة ، لمعرفة إلى أي حد يمكن أن يذهب النظام في تراجعاته السلطوية الاستئثارية ، وإلى أي حد يمكن أن تتأقلم المعارضة مع النظام في صيغته التنازلية المتوقعة .

وبصرف النظر عن التفاصيل في المواقف ذات الصلة بالحوار ، فإن الخطوات العملية لإعداد مختلف الأطراف نفسها للحوار ، تؤكد أن مساحة الحوار في المشهد السوري ، رغم التمنع المشروط تحت ضغط الشارع ، تتوسع أكثر فأكثر . فقد عقد نحو مائة وخمسين مثقفاً وناشطاً مستقلاً ( كما ورد ) مؤتمراً علنياً في فندق " سميرا ميس " بدمشق ، وانتهوا إلى إصدار بيان مشروط يعلن استعدادهم ، عند توفر المنلخ المناسب ، للتفاوض ومناقشة المسؤولين في السلطة حول سبل الانتقال إلى سوريا ديمقراطية مدنية . أعقبه مؤتمر آخر لمستقلين ومثقفين في دار رجب باشا بحلب . ومن ثم مؤتمر للفعاليات الاقتصادية بحلب أيضاً . كماعقد مؤتمر للبرلمانيين " المستقلين " بدمشق وأدلوا بدلوهم في عرض الاستعداد للحوار . والمؤتمر الأكثر التفاتاً كان مؤتمر قطاع هام من الأحزاب السياسية المعارضة ، ضم التجمع الوطني الديمقراطي باستثناء حزب الشب الديمقراطي ، وخمسة أحزاب كردية ، وتجمع اليسار الماركسي ( أربعة أحزاب ) وشخصيات من لجان المجتمع المدني ، الذي أصدر بياناً حدد فيه شروطه للاشتراك في الحوار ، وشكل هيئة تنفيذية لمتابعة تنفيذ مقرراته تحت ا سم " هئية التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي " وهناك دعوات لعقد مؤتمرات معارضة خلال الأيام القادمة تنحو نفس المنحى في المناخ " التحاوري " المنتشر ، منها ما سمي " قوى الطريق الثالث ، أومؤتمر جبهة الإنقاذ الوطني .

على أنه لايصح ونحن نتعرض لحركة المؤتمرات لقطاعات من المعارضة الحزبية أو المستقلة في الداخل ، أن نتجاوز مؤتمرات لحركة قطاع آخر من المعارضة في الخارج ، مثل مؤتمر " أنطاليا " في تركيا . ومؤتمر بروكسل في بلجيكا ، ومن ثم المؤتمر الذي دعا إليه الفرنسي المتصهين " برنار ليفي " وعدد من أنصار إسرائيل في فرنسا " لنجدة سوريا " شكلاً وللإسهام في بناء شرق أوسط " مسالم مع جيرانه " إي مع إسرئيل فعلاً ومضموناً ، وقد لبى دعوته عدد من المعارضين المشاركين في مؤتمر أنطاليا وممثل عن الأخوان المسلمين في سوريا ، وهو يستحق لما ضم من معارضين يزعمون إنقاذ سوريا من الديكتاتورية بواسطة الخارج ، أي كان هذا الخارج ولو كان عدواً للوطن ، ولما جسده وكشفه واقعياً لمعادلة داخل / خارج البائسة بالنسبة لفئات ورموز معارضة ، يستحق التوقف عنده وفضحه . وجميع هذه المؤتمرات في الخارج ، لم يكن بوارد لديها أي استعداد للحوار مع النظام ، وإنما التشدد والتركيز على الحشد الدولي لإسقاط النظام .

المؤتمر الحواري الأهم ، هو ما دعا إليه النظام كافة قوى وشخصيات المعارضة " الوطنية " في العاشر من شهر تموز الجاري ، للحوار ، حسب اهل النظام ، حول عدد من القوانين " الإصلاحية " والتعديلات الدستورية ، تمهيداً لعقد مؤتمر الحوار الوطني العام ، الذي سيكرس " الإصلاح الشامل " في الدولة والمجتمع .. أي إصلاح النظام ..

من سيجلس إلى النصف دائرة الحوارية .. ومن سيتحاور مع من .. ستكشفه الأيام القليلة القادمة . لكن في مختلف الأحوال ، إن النظام يجسد الطرف الأساس في أي حوار ومن ثم يأتي الآخرون .. تنظيمات وأفراد . وقبل انطلاق المداخلات ، يدرك ولاشك الجميع ، أنه ما لم يؤخذ في الشارع لايؤخذ على نصف دائرة الحوار . لهذا هناك سباق من معظم أهل الحوار ، لوأد الشارع .. أو تحجيمه .. أو احتوائه .. خوفاً من مطالبه الجذرية وتداعياته العنفية ، وذلك لممارسة الحوار دون مؤثراته المحرجة والمرعبة .. وصولاً إلى عقد اجتماعي نخبوي جديد ، يتم فيه تقاسم السلطة ، وتوسيع قاعدة توزيع الثروة .

الأمر الذي يعني ، أنه بقدر ما يتعرض الوطن لمخاطر المخططات الأجنبية الصهيو - إمبريالية .. تتعرض الانتفاضة الشعبية لمخاطر جري قوى من المعارضة وراء الحوار مع النظام ، دون وحدة الرؤى والموقف والإلتزام بالمطالب الشعبية التي كانت الإرهاصات الأساسية لاندلاع الانتفاضة الشعبية واستمرارها ، والتي يمكن إيجازها ب : تفكيك الاستبداد وآلياته الدستورية والأمنية والاستئثارية على كافة الصعد في الدولة والمجتمع ، وبناء نظام بديل مغاير وطني ديقراطي علماني تسوده المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية .. نظام مفتوح الآفاق اجتماعياً واقتصادياً كما يرغب ويقرره الشعب بأسلوب ديمقراطي حضاري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجل الزعيم جمال عبد الناصر: بشكر الشعب المصري الحريص على الا


.. مقابلة مع وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي




.. فى ذكرى وفاته.. منزل عبد الناصر بأسيوط شاهد على زيارة الضباط


.. فى ذكرى رحيله.. هنا أصول الزعيم جمال عبد الناصر قرية بنى مر




.. شرطة نيويورك تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين وتعتقل عددا م