الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة واليسار الغائب فى مصر

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 7 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من تناقضات المشهد الثورى المصرى أنه بينما ترفع وتردد الجماهير مفردات الأجندة اليسارية الداعية لمجتمع العدالة والتغييرالشامل والتنمية المستقلة والإنحياز للكادحيين والفقراء فى الميادين العامة وقلب ميدان التحرير - فأن حزب وتنظيم اليساريظل غائبآ عن هذه الساحات وعن الحضورالمؤثر فى هذه اللحظة الثورية الفارقة.

الثابت أن اليسار – كأفراد وتنظيمات حلقية صغيرة – كان قطبآ رئيسيآ شارك فى الحراك السياسى والفكرى والجماهيرى الإحتجاجى قبل ال25 من يناير , كما ساهم بأدوارلا يمكن جحدها أو أنكارها فى المناخ الداعى للتغيير والثورة ضد مبارك.

ولكن ,أين حزب اليسار القوى والمنظم والفاعل على الساحة المصرية ؟ .
تقودنا الإجابة على التساؤل لتأمل واقع حزب ( التجمع الوطنى التقدمى الوحدى ) الذى أسسته طليعة يسارية مصرية فى أبريل 1976 عند تدشين التجربة الحزبية التعددية فى عهد السادات وحتى الآن . فعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود تصدر هذا الحزب الساحة السياسية المصرية باعتباره تنظيمآ شرعيآ لليسارحيث تبنى برنامجآ أشتراكيآ تحت مسمى ( مجتمع المشاركة الشعبية ) يميل لأفكار ( يسار الوسط ) و يخاطب ظهير أجتماعى عريض من العمال والفلاحيين والحرفيين و المنتجين الصغار والرأسمالية الوسطى المنتجة .

ثمة حاجة لتحليل النخبة التى تسلمت قيادة هذا الحزب عقب أنتخابات مؤتمره العام السادس بالعام 2008 حتى سقوط مبارك واستظهار مواقعها الطبقية , وهل نشطت لتعبئة الجماهيرخلف برنامجها ودفعت نحو تطوير أدائها السياسى والتنظيمى والحزبى من عدمه .

من البين أن نتائج هذا المؤتمر أسفرت عن سيطرة " جماعة تنتمى للشرائح الوسطى والعليا "على المناصب الكبرى بالمستويات القيادية المركزية, وفى الوقت نفسه وبمقادير حاسمة على تنظيم وأدارة العمل الحزبى بلجان الحزب القاعدية فى محافظات مصر المختلفة .

ويكشف التحديد الإجرائى لهذه النخبة التى تحملت مسئولية الشأن التنظيمى داخل هذا الحزب عن وجود قسمين أساسيين :

الأول : عناصر " بيروقراط وأداريين تابعين لجهاز الدولة وإعلاميين متخصصين وأكاديمين " سيطروا على عضوية " اللجنة والأمانة المركزية " الكائنة بالعاصمة.

ويتكون القسم الثانى : من جناح للبرجوازية الصغيرة التقليدية يضم أصحاب مشاريع خاصة وحرفيين ومنتجين صغار سيطروا على لجان الحزب الفرعية بمحافظات مصر, ونشطوا كروافد داعمة للقسم الاول , مع تتبنى مواقف أكثر راديكالية أزاء بعض القضايا السياسية.

فضلآ عن صعود جناح للبرجوازية التجارية داخل الحزب حقق أختراقآ ملموسآ صوب منصب الأمين العام للحزب ( السيد عبد العال ) وأمانة العاصمة وبما حقق لهم سيطرة على بعض أهم مفردات الشأن المالى والإدارى بالحزب .

تسكين الشرائح الوسطى بالمناصب القيادية المؤثرة فى هذا الحزب كان عمديآ وبهدف أستمرار السياسات والتوجهات التى كرسها رئيس الحزب ( د. رفعت السعيد ) وأعادة أنتاج سيطرة تياره على عصب الإدارية اليومية والسياسية للحزب.

ومن هنا فأن حراك بعض القيادات العمالية والفلاحية صوب عضوية المكتب السياسى بالتجمع لم يدفع نحو تغيير حقيقى فى بنية القيادة حيث ظلت آليات الحصر والتنفيذ الحزبى والتوجيه الإعلامى ( أى شئون / الخزينة و المطبعة ) بقبضة هذه الشرائح الوسطى .

الإنحراف عن التوجهات الإيديولوجية والطبقية لهذا الحزب جاء نتاجآ لسلوك وهيمنة عقلية هذه الفئة على مشهده السياسى والتنظيمى , وما بدا من أنحسار لنفوذ و شعبية اليسار يعود للطابع التوفيقى والإنتقائى لتلك القيادة التى سعت دومآ لتحريرصفقات وانتهاز فرص مرحلية ضئيلة ووقتية مع نظام الحكم .

فقد جحدت هذه الفئة الرؤية الخاصة بطبقية جهاز الدولة المصرية وحتمية الصراع مع تحالفه السلطوى , وأكدت منهجية العمل داخله ووجوب تحويله على سند من أنها جزء من النظام والشرعية القائمة . كما لم تسعى لجذب القوى الإجتماعية الرئيسية صاحبة المصلحة فى تنفيذ برنامج الحزب من العمال والفلاحين , ولم تنشط حتى داخل أقسام من البرجوازية المصرية الصغيرة التى تمتلك وعيآ متقدمآ بالأزمة و السياسية الإجتماعية وتأخذ فى تحييدها وأستقطابها .

ومن هنا ناصب الحزب الحركة المصرية للتغيير ( كفاية ) الخصومة عبر محطات متعددة, كما أهان ( د. رفعت السعيد ) فى تصريحات صحفية الحركات الشبابية ونشطاء الإنترنت وأعتبرهم " مجرد عيال لسعة لا تعرف معطيات الواقع السياسى و الإجتماعى المصرى " !.

فى حين حظيت عناصر من بين الفئة الحاكمة ( على سبيل المثال / د.على الدين هلال ) ومن الإحتكارات الرأسمالية المتحالفة معها ( نجيب سيويرس ) بحظوات متزايدة من جانب تلك القيادة ومثل أحتفال الحزب السنوي بذكرى تأسيسه مناسبة موسمية لتأكيد رضاء السلطة ورموزها الثقافية والفنية عن مواقف الحزب.

ولذلك هجرت الفعاليات الإشتراكية العمل تحت راية التجمع حيث لم تدفع قيادته لتجذير المنهج اليسارى كفكر وممارسة , ولم تدعم الإرتقاء بأساس وحدته السياسية وأطاره المرجعى كصيغة تجمع التيار ( الماركسى والقومى العروبى والدينى المستنير ) ضمن نواة يسارية واحدة تواجه اليمين الحاكم والإسلام السياسى الرجعى .

ومن ناحية الأداء السياسى غاب وعيها عن فهم تضاريس و متغيرات الخريطة السياسية فى عهد مبارك حيث التزمت الحرص على عدم المساس بمؤسسة الرئاسة المصرية وعدم تحميل مبارك أية مسئولية عن فساد نظامه وأعتبارهذا حصادآ لوزاراته المتعاقبة ومسئوليينه التنفيذيين .

هذا الحزب تقاعد عن تسمية مرشح منافس لمبارك فى أنتخابات الرئاسة المصرية , ثم عاد ودفع ( بخالد محى الدين ) فى الإنتخابات التشريعية للمنافسة على مقعد دائرة ( كفر شكر ) لينال خسارة مريرة أمام مرشح جماعة الإخوان المسلمين , ثم تلى ذلك العصف بكافة رموز التجمع البرلمانية وفازبمقعدين يتيمين فى مجلس الشعب المصرى .

والواضح أن هذه القيادة اليسارية لم تستنسخ الأدوات الخاصة بمواجهة اليمين السياسى والدينى على الصعيد السياسى والجماهيرى ,حيث تجاهلت مخططات الحكم الساعية لحصاروتحجيم النفوذ اليسارى ,ولم تفهم فحوى الرسالة الواضحة بأن هناك تنسيق مستمروقاعدة تحالف بين النظام وتيار الإسلام السياسى برافديه الإخوانى والسلفى.

وبدلآ من أن يباشر الحزب الدفاع والذود عن المبدأ الإشتراكى أعلن بيان صادر عن مكتبه السياسى فى 10 يبنير 2007 موافقته على ألغاء البنود التى تتحدث عن الإشتراكية بالدستور المصرى وبرر ذلك بأن يترك للأجيال القادمة حرية تقرير شكل نظامها السياسى والإجتماعى , وأنه ليس من حق أية قوة سياسية فرض مرجعيتها فى الدستور! .

ومما لا شك فيه أن أرتياحآ ساد سلطة الحكم تجاه تلك السياسات والتوجهات حيث أستأنس النظام مخالب الحزب اليساري الحاضر شرعيآ فى الساحة , وألتزمت قياداته الخطوط الحمراء فى نقد مؤسسة الرئاسة , وأدخرت صمتآ أزاء مشروع توريث مصر لجمال مبارك.

أنحساروتراجع الثقل اليساردالة فى الممارسات السياسية لهذا الحزب الذى أساء للنضال اليسارى التاريخى وعجزعن بناء نفسه كقوة جماهيرية تعبر عن طموح وآمال القاسم الأعظم من سواد الشعب المصرى . ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن الرموز اليسارية الفكرية المصرية تقاعدت عن نقد الأطروحات النظرية التى أعتمدها ( د. رفعت السعيد ) والتى أوصلت حزب اليسار لهذه الحالة من التدهور والتراجع ( أيديولوجيا / الإحتكام للواقع والأسقف المنخفضة و التداخل المتناقض ) .

قد يكون ( خالد محى الدين ) أحد ثوار و شرفاء حركة يوليو 1952 , وقد يكون ( رفعت السعيد ) أكاديميآ ومؤرخآ عتيدآ للحركة الشيوعية المصرية , ولكن أيا منهما لم يسهم فى تجذيرالخط اليسارى لحزب التجمع ودعم تمدده وأنتشاره شعبيآ و جماهيريآ .

ومنذ ثورؤة 25 يناير تضرب الإنشقاقات حزب التجمع حيث أنفرط عقد تيارالتغييرالمضاد لتوجهات ( د. رفعت السعيد ) وأسس لنفسه حزبآ بديلآ تحت مسمى ( التحالف الشعبى الإشتراكى ) , بينما أنخرط التيارالرفعاتى فى صراع داخلي بهدف ضمان السيطرة على زمام القراروالتنظيم الحزبى فى مرحلة مابعد مبارك .

ولكن , وفق الحساب السياسى يظل حزب التجمع بيتآ لليساروحاضنة رئيسية لفعالياته المنظمة , وأذا تمكنت القيادات العمالية والفلاحية وجيل الشباب من أستعادة المواقع القيادية مركزيآ ولجان المحافظات والسيطرة على القرار السياسى والتنظيمى , فسوف يسترد اليسار جانبآ مؤثرآ من مصداقيته وحضوره ,ويسهم فى أنصاف الجماهير وأنجازمطالبها المشروعة والعادلة , قبل أن تخطتف الثورة فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة من حياة السياسية والمجتمع المصرى .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رفعت السعيد ولعنة التاريخ
اياد عبد السميع ( 2011 / 7 / 7 - 23:38 )
مقالك ممتاز يا أستاذ عماد السبع . انت لمست بيف ان زمرة من ادعياء اليسار سيطروا منذ سنوات طويلة على حزب التجمع اليسارى . و اساؤا له بصفقاتهم و تحالفتهم المفضوحة مع مبارك و نظامه . لا سبيل للخروج من هذا المأزق أمام اليسار الإ بتصفية تيار رفعت السعيد ورجاله الذين افقدوا التجمع و اليسار المصداقية و الجمهور وابعدوا الشعب و الناس عن الإشتراكية .سينهض اليسار المصرى عندما يقضى على هؤلاء و يدهبوا جميعآ . ولعنة التاريخ و الثورة ستلاحق رفعت السعيد وازلامه حتى ابواب القبر

اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال