الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ان قدر فكر اللبرالية في منطقتنا ان يكون تابعا او عدميا؟

ثائر كريم

2004 / 11 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كلا، ابدا.

رغم مظاهر الانبطاح وتجيات الدونية وسياسات العدمية التي يبديها بعض ادعياء اللبرالية اتجاه الادراة الامريكية. وكأن العراقيون يجب ان يبوسوا اقدام بوش لانه اسقط حكم صدام حسين (مع التشديد على سقوط الحكم لأن النظام لم يسقط بعد). وكأن الادارة الامريكية لم تركض وراء مصالحها اساسا في سعيها لاسقاط صدام حسين. وكأن مبادىء السياسة الخارجية للادارة الامريكية قائمة حصرا على العدل والمسؤولية الانسانية والسعي لتطبيق احترام الانسان عالميا. وكأننا يجب ان نستمد الحكمة والبركة من الادراة الامريكية. وكأن نخبنا الثقافية والسياسية ومناطقنا وشعوبنا لا تستطيع ابدا ان تنتج قيم
اللبرالية وترسخها. وان تخلق الحاضنات الثقافية والروحية لاحترام المساوة السياسية وحق الانسان في فكره وروحه وضميره واستقلاله.
اللبرالية بمعنى الحرية في ارتباطها اللصيق باستقلال الانسان ومنطق هذا الارتباط قدر كل الناس، آجلا ام عاجلا. وليس الانسان في الشرق الاوسط استثناءا مشوها لهذا القدر. فهو قادم لا محالة رغم انتكاسات فكر اللبرالية وسياساتها في منطقتنا.

فقد تعرضت اللبرالية هنا ومنذ بزوغها القوي في اواخر القرن التاسع عشر الى هزات عميقة.

فقد انبعثت بقوة في اواخر القرن التاسع عشر. بدءا، لعلنا نسمّي عبد الرحمن الكواكبي صاحب "طبائع الاستبداد" اول اللبراليين العرب الكبار. فكتابه شكل فتحا للفكر الحر في دوائر أخذت تتسع وتتسع في افق الحرية. و في وعي الحرية ومسيرة الحداثة يتبوأ الكواكبي مكانة رئيسية الى جانب آخرين كثيرين. فالكواكبي لبرالي كبير في تأسيسه لخط فكري جاهد في افق الحرية ولكن ضمن اجندة مستقلة محليا، اجندة نابعة من صلب مشاكل شعبه وشعوب المنطقة.

وفي افق هذا الخط اللبرالي الوطني والمستقل لمعت، على سبيل المثال لا الحصر، اسماء بارزة. هناك سلامة موسى الذي بدأ وعيه الحداثي يتفتح منذ سنة 1910 أي بعد سنين معدودة من ظهورطبائع الاستبداد. ثم اتخذ عمقا حداثيا في دفاعه عن الحرية في كتبه الكثيرة لاسيما في "الحرية وابطالها في التاريخ" (1927) و "حرية العقل في مصر (1946) و"هؤلاء علموني" (1953). وفي لبراليته الانسانية (وربما اشتراكيته الديمقراطية ايضا) المتجلية في كل كتاباته واعماله ثمة انطلاقة واضحة تستمد نسغها من وعي وطني مصري وتصب في اجندة مصرية بحتة. وعلى هذا الطريق سار علي عبد الرازق الذي في كتابه الخطير "الاسلام واصول الحكم"(1925). وطه حسين خصوصا في كتابه "مستقبل الثقافة" (954). من الكواكبي الى علي عبد الرازق و سلامة موسى وطه حسين يستمر خط اللبرالية الوطنية ليشمل آخرين.

فجيل فكر الحرية والاستقلالية يضم، ايضا، عبد الحميد باديس وعلال الفاسي وكثيرين غيرهم. هوخط فكري متين يرفض ألغيبيات والجمود ويدعو للحرية والاستقلال، ايضا. خط يبارك ألانفتاح على العالم ويعمل في سبيله وينشط في سعيه لفصل الدين عن الدولة ولكن انطلاقا من ثقافة المحيط المحلي واستقلاله، المحي وطنيا كان ام قوميا، عربيا او كرديا او تركيا او ايرانيا او هنديا. ماشئت. خط يجاهد من اجل "ترقي الامم في الادراك والاحساس" حسب تعبير الكواكبي كوسيلة لقطع دابر الاستبداد. خط يدرك انه بفعل الاستبداد تمرض العقول ويختل الشعور. يُسلب الفكر ويموت القلب. يضمحل الخير ويسود الشر. فكيف، اذن (يسأل هذا الفكر)، ياترى، لا تقشعر الجلود من الاستبداد؟ كيف ذلك وقد خلق الناس احرارا لا يثقلهم غير النور والنسيم؟
ولكن كل ذلك في سياق استقلالي، استقلالية تتداخل بابداع مع التنوير والنهضة.

ولكن اللبرالية انتكست منذ العقد الخامس للقرن العشرين. فان الهجوم الشديد لانظمة القمع والاستبداد في المنطقة منذ ذلك الحين قد حاصر بقسوة أصوات الافق اللبرالي. انها ضعفت لكنها لم تتلاشى كما تبين، مثلا، اصوات عبد الله العروي (المغرب) وزكي نحيب محمود وفؤاد زكريا (مصر). وفي الثمانينات ارتفعت بقوة اصوات ادونيس (سوريا) وهشام شرابي (فلسطين) وابراهيم سعد الدين ونصر حامد ابو زيد ونوال السعدواي (مصر) وغسان سلامة (لبنان) وآخرون. ليعود هذا الخط الفكري هادرا في التسعينات في كتابات مفكرين ونشاطات مجموعات مختلفة. ولنا في العراق اصوات في افق ألحرية علت وأشتدت اوتارها في التسعينات. ففي ذات الافق اللبرالي الوطني يجاهد فاضل العزاوي وفوزي كريم وفاطمة المحسن وفالح عبد الجبار وسلام عبود وزهير الجزائري وبرهان الخطيب. فقط لأسمي بعضا من كوكبة واسعة تناضل في هذا الافق كالجندي المجهول في الصحافة المرئية والمسموعة وعلى مواقع الانترنت. ومن المؤكد ان دائرة بعد دائرة ستتسع منطلقة من عراق ما بعد الاستبداد.

اللبرالية في كل بلاد العالم كانت مرتبطة بقضايا الاهالي، اهالي البلاد اولا واخيرا. وفي سعيها الصلب للانفتاح على الآخر وتحطيم اسس الانغلاقية والتعصب والجهل كانت تنطلق من اجندة محلية، اصلا. فاجندتها المحلية تحديدا وملكيتها لمشاريع التغيير السياسي هي ما يغني مضمون انفتاحها الانساني. جزء من كل متنوع وليس كلا هلاميا باجزاء ممسوخة او كتل كونية صماء بلا محتويات حية. فاللبرالية ليست عدمية.

قيم الاستقلال الانساني فكريا ووجوديا أس لا يتزعزع من اسس اللبرالية الحقة. هذا المبدأ اولية ثابتة من اولويات اللبرالية تذكرها كل الكتب المدرسية في اللبرالية. استقلال الانسان روحيا وذهنيا ووجوديا هو شرط تفعيل اللبرالية ومغزاها.

ثمة كلمة اخيرة لابد ان تقال لادعياء اللبرالية اللاوطنية: باركوا لبوش سياساته الحربية والعنفية والفوقية. وانبطحوا لها ما شئتم. وكنوا عدميين، اذا قصرت قامات بصائركم. فبانبطاحكم هذا لن تزيدوا إلا من اغتراب الانسان في منطقتنا من فكر اللبرالية. وبعدميتكم لن تخلقوا إلا خطيئة أخرى تقترف بحق فكر الحرية. خطيئة تضاف للاسف الى ما يتعرض له فكر الحرية من ضغوطات تاريخية من لدن السلفيين والقوميين الشوفينيين والرجعيين والشموليين. وما اكثرهم، ايضا.
ولكن، لحسن الحظ ان بلادنا لم تخلو ولن تخلو ايضا من عدد لعله الان يتزايد باستمرار من مناضلي الحرية وحقوق الانسان والاستقلال الانساني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل