الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنهيار أنظمة الشرعية الثورية الجمهورية وصمود أنظمة الشرعية الدستورية الملكية بوجه ثورات الربيع العربية

مصطفى القرة داغي

2011 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن إنطلقت قبل أشهر ما سُمّيَت بثورات الربيع في العديد من الدول العربية، بدئاً بتونس مروراً بمصر و وصولاً الى ليبيا واليمن وسوريا، لتعصف بالأنظمة الجمهورية التي أفرزتها الشرعية الثورية لما سُمّيَ قبل نصف قرن بثورات الصيف، برزت ولوحظت ظاهرة مهمة تستوجب التوقف عندها ودراستها بهدوء وموضوعية، ألا وهي صمود الأنظمة الملكية العربية بشرعيتها الدستورية ولو لحين أمام عصف وموج ثورات الربيع الحالية، مقارنة بالتهاوي السريع للأنظمة الجمهورية التي لم تسعِفها شرعيتها الثورية التي أدعتها قبل نصف قرن أمام هذه الثورات. فما هي الأسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
الشرعية الدستورية التي تستند عليها الأنظمة الملكية،النابعة من الإرث التأريخي والديني والمجتمعي الذي تمتلكه العوائل المالكة بالأردن والمغرب، التي يعود نسبها للبيت الهاشمي، ويرجع نسلها للرسول محمد (ص)،هي بكل تأكيد أول وأهم هذه الأسباب. فهذه العوائل لم تأتي للحكم من الشارع، أو من ثكنات العسكر وأقبية المؤامرات، ولم تغتصبه بالإنقلابات والإغتيالات كحال أغلب الأنظمة الجمهورية التي تحكم العالم العربي منذ نصف قرن، بل إن هنالك ظروفاً موضوعية جائت بها لسدّة الحكم بناءً على رغبة شعوب هذه الدول، وبالتالي فهي ليست طارئة على هذه الدول ومجتمعاتها كالأنظمة الجمهورية التي فوجئت الشعوب العربية بالبيان الأول للإنقلابات التي جائت بها للحكم وهي تنهض صباحاً من النوم.
أما السبب الثاني، فهو النظام شُبه الديمقراطي المُستقِر الذي تتمتع به المَمالك العربية، والذي هو حَصيلة إرث مُؤسساتي دستوري لا تملتكه جمهوريات الخوف العربية الفردية الشمولية الدكتاتورية التي حَكَمت بإسم الحزب القائد والزعيم الأوحد، والتي لم تعترف يوماً بشيء إسمه دستور وإنتخابات وبرلمان إلا في العقود الأخيرة، وبعضها لا يزال يفتقد لمثل هكذا آليات ومؤسسات دستورية ويُحكَم بفِكر القائد الضرورة والزعيم الأوحد وكتبهم الملونة، وحتى التي فَعّلت هذه الآليات وشَكّلت هذه المؤسسات جَعلت منها صوَرية تطبّل للحزب القائد والزعيم الأوحد. أما الأنظمة الملكية فأرثها المؤسساتي الدستوري يتمثل في برلمانات ودساتير دائمة عريقة، وبنخب سياسية برجوازية مثقفة واعية ومتعلمة تربت على هذه الآليات وبأحضان هذه المؤسسات، وتتداول السلطة سلمياً عن طريق الإنتخابات، مع بقاء المَلِك رمزاً مَصوناً غير مسؤول وجامعاً لكل التتنوعات الإثنية والدينية والمذهبية بمجتمعات هذه الدول، وبالتالي لدى شعوب هذه الدول آليات ديمقراطية سِلمية للإصلاح، تتمثل بحق التظاهر والضغط على الحكومة والمطالبة بتغييرها، ولا حاجة بها لإسقاط هذه الشرعية وإدخال البلاد في فراغ دستوري لن يخدمها.
ثم نأتي للسبب الثالث، وهو أن الشباب العربي الذي فتح أعينه على الأنظمة الجمهورية وعاش في ظل قمعِها وجبَروتها قد مَلّ وكَره هذه الأنظمة، في مقابل مَيله ومَيل الشباب الذي فتح أعينه وعاش في ظل الأنظمة الملكية لهذه الأنظمة ومُراقبته لإستقرارها وإنفتاحها وديمقراطيتها، ليس فقط في الدول العربية بل وفي كل العالم، والتي لم يسمَع ويقرأ عنها إلا خيراً مقارنة بما عاشوه في ظل أنظمة الخوف الجمهورية العسكرتارية الشمولية. أما الأجيال التي عاشت العَهدين المَلكي والجمهوري في بعض الدول العربية، فهي الأخرى قد بدأت ومنذ زمن تقارن وتَعي الفرق الشاسع بين أيام حُكم الملوك والأمراء، وأيام حُكم العسكر وأصحاب الشعارات وهواة السياسة.
السبب الرابع، هو أن المجتمعات العربية في الغالب مجتمعات أبوية، ما يجعل النظام الملكي أكثر توائماً مع طبيعتها الإجتماعية، ففي النظام الملكي هنالك المَلِك وهو رمز جامع لكل أبناء الشعب، وهنالك سلطة منتخبة مَسؤولة أمام الشعب. أما النظُم الجمهورية فهي غريبة على المجتمعات العربية، ولم تثبت نجاحها فيها حتى اللحظة، مهما وجَد مؤيدوها من تبريرات لم تعد تقنع حتى الطفل الرضيع، فالرئيس فيها عادة هاوي سياسة مغمور غير مؤهل للحكم، يأتي به إنقلاب عسكري أو حزبي فئوي، وعندما يصل الى الحكم يتحول لدكتاتور، ويسعى للبقاء بالحكم مدى الحياة، رغم أنه لم يأتي برضى الشعب.
السبب الأخير،هو أن إمكانية الإصلاح والتغيير المتاحة لدى الأنظمة الملكية العربية مفقودة لدى الأنظمة الجمهورية العربية، فآليات السلطة والمؤسسات الدستورية التي تتمتع بها الأنظمة الملكية تتيح للشعب التعبير عن رأيه وبالتالي نقد الفساد والخطأ والمطالبة بالتغيير دون أن يطاله عقاب، كما أن طبيعة النظام الديمقراطي وتبادل السلطة بين الأحزاب يُوَلد بينها حالة تنافس لخدمة المواطن أملاً في إعادة إنتخابها مجدداً، أما في النظم الجمهورية فالإنتقاد والمطالبة بالتغيير تعتبر من المُحَرّمات وتعد خيانة وهجوم على شخص الزعيم المقدس وحزبه القائد الأوحد، وبالتالي لا وجود لإنتخابات تسقطهم، وحتى لو حصلت فإنها تعيد إنتخابهم بنسبة 99%، لذا فهم ليسوا مجبرين على إجراء إصلاحات وخدمة المواطن لأنهم لا يخشون منه، كونه لا يمتلك آلية للتعبير والتغيير.
أرجوا أن يكون جيل ثورات الصيف في مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا، الذي إندفع دون وعي أو عقل خلف العَسكَر وأحزابهم الثورية الشمولية ، قد عَرف الآن حَجمَ الكارثة وبَشاعة الجريمة التي إرتكبها قبل نصف قرن بحَق نفسه وأبنائه وأحفاده من الأجيال اللاحقة التي فتحت أعينها على جمهوريات الخوف الدكتاتورية، خصوصاً وهو يَرى الأنظمة الملكية التي كان يُسمّيها بائدة لاتزال حيّة فتيّة وسائدة، فيما يَرى جمهورياته الثورية التي صَفّق وطبّل لها ولقادتها وأحزابها وهي تُمسي رماداً وتُصبح بائدة. لقد لوحظ عدَم تطرّق أغلب الكتاب والمُفكرين العراقيين والعرب لهذا الظاهرة رغم وضوحها وأهميتها، والسبب أن أغلبهم ذوي خلفيات ثورية يسارية أو قومية تتبنى مايُسمّى بالشرعية الثورية،التي شرعَنت مَجيء ووجود الأنظمة الجمهورية اللاشرعية التي سَطَت على الحُكم وإستولت عليه في الدول العربية قبل نصف قرن، وكان أغلبهم مُنَظّرين لهذه الأنظمة وحُكامها الدكتاتوريين، وهُم مَن أطلق على هؤلاء الحُكام ألقاب الزعيم والقائد وأحاطهم بهالة قداسة حوّلتهم لطغاة مُستبدّين يَقمَعون شعوبهم، لذا نراهم اليوم يَتجنّبون الحديث عن الموضوع والإشارة إليه بكتاباتهم،وكأن50 سنة لم تكن كافية لإنضاج رؤاهم السياسية والفكرية. فمقالاتهم الحالية لاتختلف بعَدَم موضوعيتها وإندفاعها غير المَوزون وراء ثورات الربيع عما كتبوه قبل نصف قرن للترويج لثورات الصيف، في محاولة يائسة مِنهم للتعتيم على ماحدث آنذاك والتنصّل مِن تحَمّل مسؤوليته وتأكيد شرعيته عبر شرعَنتهم لما يحدث اليوم، بدل الإعتذار عمّا فعلوه بالماضي، كونهم شاركوا به وبما تبعّه مِن تخريب وتدمير للبنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية بأغلب الدول العربية وكان سبباً بتأخرها عن ركب الحضارة، فتناولهم لهذه الظاهرة بمَوضوعية سَيُحتم عليهم إنصاف الأنظمة الملكية التي إنقلب عليها العَسكر ونُخَب الأحزاب الثورية التي كانوا جزئاً منها آنذاك، وإدانة الأنظمة الجمهورية والطريقة التي جائت بها الى الحكم، وبالتالي إدانة تلك الفترة من تأريخهم السياسي والفكري، وهذه شجاعة لاتمتلكها سوى قِلّة من المثقفين العراقيين والعرب لايتجاوز عددهم اصابع اليَد الواحدة.
إن ما قام به المَلِكان الشابان عبد الله الثاني ملك الأردن ومحمد السادس ملك المغرب خلال الفترة الأخيرة من إصلاحات حكومية ودستورية مهمة، تمثلت بتغيير وزاري في الأردن، وتعديلات دستورية جذرية في المغرب، يؤكد ما ذهبنا إليه من إن النظُم الجمهورية العربية أكثر ثباتاً وإستقراراً وقدرة على الدَيمومة والإستمرار مِن النظُم الجمهورية التي تساقطت كأوراق الخريف أمام أول هبة ريح. ورغم محاولة بعض قوى المعارضة الثورية، الإسلامية منها أو اليسارية أو القومية في المغرب مثلاً، الوقوف بوجه التعديلات الدستورية ومحاولة خلق بلبلة حولها عبر إطلاق شعارات فارغة، إلا أن الشعب المغربي كان أكثر وَعياً مِنها وأفشل مُخطّطها في دفعِه لرفض التعديلات بعد تصويته لها بأغلبية ساحقة. لذلك أتوقع بأن النظامين المَلكيّين بالأردن والمغرب سيّصمدان أمام ثورات الربيع على الأقل حتى الغد القريب وربما البعيد لأنهما نظامان فتيّان ربيعيان، ويمتلكان من أسباب البقاء ما لا تمتلكه الأنظمة الجمهورية، وهي أسباب نتمنى أن يسعى المَلِكَين عبد الله الثاني ومحمد السادس والمُخلِصين من أتباعهم لإستغلالها وتطويرها وإصلاحها بما يضمن بقاء هذين النظامين وإستقرار الدولتين وإزدهارهُما، مِمّا سيوجه صفعة تأريخية لاتنسى لمَن راهن يوماً ويُراهن اليوم على الشرعية الثورية وأنظمتها الجمهورية اللاشرعية في الدول العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ