الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وظيفة الشعر عند الفارابي

عمار الجنابي
(Amaar Abed Salman)

2011 / 7 / 11
الادب والفن


يذهب الفارابي إلى أن الشعر نافع و لذيذ معا و لهذا تتحدد قيمته عنده في كونه مفيد
و ممتع، و يتجلى ذلك بوضوح عندما يذكر صراحة أن الشعر يستخدم في أمور الجد و أمور
اللعب، و قد شرح ذلك بقوله : "و الأقاويل الشعرية منها ما يستعمل في الأمور التي هي جد،
و منها ما شأء أن تستعمل في أصناف اللعب، و أمور الجد التي هي جميع الأشياء النافعة في
الوصول إلى أكمل المقصودات الإنسانية، و ذلك هو السعادة القصوى . (1)
يوضح نص الفارابي أن الشعر نافع و ممتع فهو نافع لأنه يسهم في الارتقاء بالإنسان من
خلال التأثير في سلوكه و توجيه أفعاله لتحقيق الغاية القصوى من وجوده و هي السعادة التي
هي أكمل المقصودات الإنسانية، و بالمقابل يحقق الشعر غاية أخرى تقابل الأمور الجادة هي
اللعب، و نظرة الفارابي إلى وظيفة الشعر على هذا النسق من حيث أنه يحقق نوعين من
الاستجابة لدى المتلقي و هما : التأثير في سلوكه من أجل توجيه أفعاله، و الشعور باللذة
ينسحب على فنون أخرى كالنحت و التصوير و الموسيقى لأ تشترك مع الشعر في كونه
محاكاة، و في هذا المعنى ورد قوله : "و الألحان بالجملة صنفان على مثال ما عليه كثير من سائرالمحسوسات الأخرى المركبة مثل المبصرات و التماثيل و التزاويق، فإن منها ما ألف ليلحق
الحواس منه لذة فقط، من غير أن يوقع في النفس شيئا آخر، و منها ما ألف ليفيد مع اللذة شيئا
آخر من تخييلات أو انفعالات، و يكون من محاكيات أمور أخرى . (2)
و يظهر أن الشعر عنده محاكاة بحتة ، و المحاكاة تخييل يفضي إلى فعل معين "فإن
الإنسان كثيرا ما تتبع أفعاله تخيلاته و كثيرا ما يكون ظنه أو علمه مضادا لتخيله فيكون فعله
بحسب تخيله لا بحسب ظنه به أو علمه، فلذلك صار الغرض المقصود بالأقاويل المخيلة أن
تنهض بالسامع نحو فعل الشيء الذي خيل له فيه أمر ما، سواء صدق ما يخيل إليه من ذلك أم
لا، كان الأمر في الحقيقة على ما خيل أم لم يكن .

و اذا يتوضح أن غاية المحاكاة هي الحث على الفعل لا مجرد المحاكاة، و في هذه النقطة
يلتقي الفارابي مع أرسطو في مسألة التطهير التي هي في الحقيقة حث على الفعل أيضا و لكن
بشكل غير مباشر، و على هذا الأساس فإن الفارابي يبوئ الشاعر مكانة الموجه القادر على
التأثير في الفعل الإنساني، كما أنه لا يلزمه بمطابقة الحقيقة بقدر ما يلزمه بجودة المحاكاة بحسب
غايته في الحض على فعل ما .

1- اللــذة :
يفصل الفارابي بين وظيفتي الشعر و هما : اللذة و الفائدة، فيصبح هدف الشعر إما تحقيق
اللذة أو تحقيق الفائدة فإذا كان هدفه تحقيق اللذة أصبح وسيلة لتحقيق الراحة النفسية التي
تقصد لذا من أجل التلذذ ، و هي راحة ينشدها الإنسان، و في هذا السياق ورد قول
الفارابي : "كذلك ها هنا معارف أخر تحصل بالحس خارجة عن علم أسباب الأشياء المحسوسة،
قد يتشوقها الإنسان و يقتصر منها على علمها و إدراكها فقط، و على اللذة التي تلحقه من
إدراكها مثل الخرافات و الأحاديث و أخبار الناس و أخبار الأمم التي إنما يستعملها الإنسان
و يسمعها ليتفرح فقط، فإنه ليس معنى التفرح سوى أن ينال الإنسان راحة و لذة فقط،
و كذلك النظر إلى المحاكين و سماع الأقاويل التي يحاكي أيضا، و سماع الأشعار و مرور
الإنسان على ما يفهمه من الأشعار و الخرافات التي يحدث و يقرؤها هي أمور إنما يستعملها
المتفرج و المستريح إليها للالتذاذ بما يفهمه منها فقط، و كل ما كان إدراكه لما يدركه أتقن
كانت لذته أكمل، و كل ما كان المدرك أفضل و أكمل في نفسه كان الالتذاذ بإدراكه أكمل
و أتم، فهذه أيضا معارف و إدراكات إنما يوقف منها على الإدراك فقط و عند الالتذاذ فقط
بالإدراك . "(3)
و الملاحظ أنه يميل بشكل واضح إلى الفن الذي يفيد مع اللذة شيئا آخر لما يحققه من
منفعة مباشرة لها صلة بتقويم سلوك الإنسان للوصول به إلى درجة من الكمال تجعله فردا نافعا
في مجتمعه .
و بالمقابل نجده يؤكد على ضرورة ألا يكون الشعور باللذة في الشعر مقصودا لذاته،
و ليس غرضه من ذلك الحط من قيمة اللذة أو المتعة، بل إنه أدرك أن هذا الجانب مهم ليواصل
الإنسان حياته، فهذا اللون من الشعر يحقق نوعا من الراحة للمرء تجعله قادرا على استرجاع
طاقاته و تجديدها من أجل التوجه نحو الأفعال الجدية، و يبدو ذلك واضحا في نص الفارابي
الآتي : "إن أصناف اللعب إنما يقصد تكميل الراحة، و الراحة إنما يقصد استرداد ما ينبعث
به الإنسان نحو أفعال الجد . . .فأصناف اللعب إنما يقصد أمور الجد، فليس يطلب إذن لذاته،
و إنما يطلب لينال به بعض الأشياء التي توصل إلى السعادة القصوى، فهذه الجهة يمكن أن يجعل
لأصناف اللعب مدخلا في الإنسانية . (4)
إنه يجعل اللذة في الشعر غاية موجهة تستخدم من أجل الأمور الجادة و النافعة، و لذا
فهو يؤكد على أن الفن الجاد هو الأسمى مقاما و الأعلى مكانة لأنه مفيد أكثر من غيره .
و مما لا ريب فيه أنه كان حريصا على الموازنة بين جانبي اللذة و الفائدة كغايتين للشعر
كونه أدرك خطورة اختلال التوازن بينهما، فلو طغى مثلا جانب اللذة على الفائدة تصبح غاية
الشعر اللهو أو المتعة فقط، و بالتالي قد يظن أن الراحة التي يقدمها جانب اللعب في الشعر هي
المقصود الأول منه، و ذلك ما حصل في عهد الفارابي حيث اتجه الأفراد نحو ما يحقق لهم المتعة
و انصرفوا عن الأمور التي يمكن أن تضمن لهم السعادة الحقة، و على أية حال فإن الفارابي
حرص "على أن تتحد القيمة الجمالية مع القيمة الأخلاقية في العمل الشعري لأن كلا منهما
يسهم بشكل فعال في سعي الإنسان نحو تحقيق وجوده الأفضل، و يسعى البشر عموما نحو
تحقيق السعادة " .

2- الفائــدة :

ترتبط الغاية التعليمية للشعر بتقريب المعارف النظرية التي يتوجب أن يعلمها الأفراد
و التي لابد من معرفتها تمهيدا لتحقيق الكمال الإنساني المنشود، و يفرق الفارابي بين طريقتين
للتعليم هما : التصور (طريق الخاصة ) و هو أن ترتسم الأشياء النظرية في نفس الإنسان كما هي
موجودة، و التخيل (طريق العامة ) هو أن ترتسم خيالات و مثالات تلك الأشياء، و في هذا
المعنى ذكر الفارابي : "و مبادئ الموجودات و مراتبها و السعادة و رئاسة المدن الفاضلة إما أن
يتصورها الإنسان و يعقلها و إما أن يتخيلها، و تصورها هو أن ترتسم في نفس الإنسان ذواتها
كما هي موجودة في الحقيقة، و تخيلها هو أن ترتسم في نفس الإنسان خيالا و مثالا
و أمور تحاكيها . "(5)
و التصور هو من اختصاص الفلاسفة، أما التخييل فيختص به عامة الناس ممن لا قدرة
لهم بالفطرة أو بالعادة على تفهم الأشياء النظرية لذلك نجد الفارابي يلح على ضرورة أن تفهم
مثالات تلك الأشياء بواسطة الشعر أو بواسطة الخطابة و ذلك عن طريق الإقناع لأن هؤلاء
غير قادرين على تفهم تلك الأمور بالطرق البرهانية، و اذا يصبح الشعر وسيلة لتعليم الأفراد
عن طريق تقريب المعارف النظرية و الحقائق الفكرية التي يعجزون عن التوصل إليها بالبرهان،
و لهذا نجد الفارابي يقول : "إن التخييل و المحاكاة بالمثالات هو ضرب من ضروب تعليم
الجمهور و العامة لكثير من الأشياء النظرية الصعبة لتحصل في نفوسهم رسومها بمثالا
و السبب في إسناد المهمة التعليمية للشعر أنه يعتمد بشكل أساسي على التخييل
و المحاكاة اللذين لا يتجاوزان حدود التصوير و الاستخدام الحسي للغة، فالتصوير يسهم في
تقديم الأفكار اדֱردة بشكل حسي ملموس بحيث يستطيع العامي معرفة تلك الأفكار و فهمها
و تعلمها، إضافة إلى ذلك فإن المحاكاة بالمثالات التي تفيد التشبيه تقوم على علاقة المقارنة بين
شيئين تجمع بينهما المشاهدة أو المماثلة مما يساعد على شرح و توضيح و تقريب الأشياء إلى
أفهام الجمهور و بذلك تصبح هذه الأشياء النظرية يسيرة الفهم، فالشعر إذن يمنح السهولة
بواسطة وسائله التصويرية المختلفة .
و حين يفاضل الفارابي بين مراتب الأمور التي تحاكي الأشياء النظرية فإنه يرجح كفة
ما كان أتم محاكاة و يليه ما كان أقرب إلى الحقيقة، و في هذا المعنى ورد قوله : " . . . و إن
كانت تتفاضل أختير أتمها محاكاة، و التي مواضع العناد فيها إما غير موجودة أصلا، و إما يسيرة
أو خفية، ثم ما كان منها أقرب إلى الحقيقة و يطرح ما كان غير هذه من المحاكاة .



المصادر
_________
1- ينظر "نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين من الكندي حتى ابن رشد " - د .ألفت محمد كمال عبد العزيز-ص144

2- "أصول النقد العربي القديم " - د .عصام قصبجي - ص 55

3- "تاريخ النقد الأدبي عند العرب " - د .إحسان عباس - ص .199

4- - "فن الشعر " - أرسطو طاليس - ص . 201

5- المصدر نفسه - ص202










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس


.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي




.. انتظروا لقاء مع أبطال مسلسل دواعي السفر وحوار مع الفنان محمد


.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال




.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت