الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحوة. متحاورون وتشاور وحوار.

هايل نصر

2011 / 7 / 11
كتابات ساخرة


إنها سورية اليوم. في الشوارع لعلعة الرصاص وفي قاعة كبرى لعلعة تشاور و"حوار". في الشوارع يُقتل المطالبون بالحرية والكرامة الإنسانية والدولة الديمقراطية المدنية بالرصاص الحي, ويطاردون حتى بالدبابات, وفي القاعة تشاور وحوار, لتبرير القتل ومحاولات رقص على مطالب الشعب لإسقاطها, والخروج بأقل الخسائر من "المآزق" والعودة إلى حالة ما قبل 15 آذار.
في قاعة رحبة مكيفة ومعدة بعناية خصيصا لهذا التشاور/ الحوار, ليدور علنيُه فيها, أما عن خفيُه وخيوطه غير المرئية فيصر المشاركون على عدم وجودها إلا في أذهان المعارضين المتشددين, وعلى أن كل ما في القاعة يعود لسيادة المشاركين طوعا, أو المجلوبين "طوعا وإيمانا بحساسية المرحلة". و يؤكدون على أنهم أولا وأخيرا هم أسياد أنفسهم, يتكلمون بحرية مطلقة, وحسب ما تمليه عليهم ضمائرهم. وهم من يقررون بكل حرية, ويصدرون بكل مسؤولية, بعد التشاور الحر, كل القرارات الحوارية. وهم من يُجبر السلطات المعنية على تنفيذها حرفيا, وإلا لما تفاءلوا واجتمعوا.
بين الوجوه المشاركة, الحوارية, مشاهير سياسة أمضوا عقودا في دهاليزها دون أن تتعب منهم, ودون أن يتعب بهم الوطن, ودون أن تفتر هممهم بفعل السن وعواديه. ولذا لم يفكروا بالرحيل طوعا فهم قدر هذا الوطن, ولا غنى له عن مواهبهم. إلى جانبهم وحولهم نجوم فن, حتى يُخيّل للمشاهد, للوهلة الأولى, انه يحضر مسلسلا اختلطت السياسة فيه عميقا بالتمثيل. نجوم تعودوا لعب ادوار في مسلسلات تاريخية و "فنتازيه" واجتماعية, وحب وكراهية, فما المانع أن يجربوا لعب ادوار سياسية على المسرح السياسي الفعلي ؟. (أليس من بعض تعاريف السياسة إنها فن وليست علم), وليبرهنوا على أنهم أيضا من السياسة أهلها. (الم يكن من الأفضل, اقتصادا في النفقات, أن تعقد الاجتماعات في نقابة الفنانين, خاصة وانه حضر من السياسة فنانوها ومخرجوها, وان تغيب منتجوها, ومن مجلس الشعب جاء ممثلون يتقنون كل فنون التمثيل ــ عدا تمثيل الشعب ــ كإتقانهم للهتاف وللتصفيق. ولم يكن حضورهم دون جدوى فاقترحوا إصلاحا يصلح أن يكون قاعدة كل إصلاح: أن يصبح اسم مجلس الشعب مجلس النواب !! يالحصافة الاقتراح وجذرية التغيير !!! ولا عجب ألسنا في مجال التمثيل!!!. وضاع بين الحضور أكاديميون محترمون, عيبهم الوحيد عدم إتقانهم التمثيل وسياسة السياسيين.
من سمع ورأى ما يدور من مشاريع للحوار, والإصغاء غير المسبوق للمتحدثين من قبل رئاسة وإدارة جلسة التشاور/ الحوار, يعتقد إننا تجاوزنا بأميال عديدة, ومرة واحدة, السويسريين في حوارهم السويسري/ السويسري. الم يعد مسؤولون سوريون من الصف الأول بأنهم سيلقنون العالم دروسا عديدة بليغة, قد يكون من بينها الديمقراطية وآداب الحوار وقبول الرأي الآخر؟.( داخل القاعات وعند حضور الكمرات) ؟.
يبشر الجادون, ممن أتوا طوعوا, أو خيل لهم ذلك, أو ممن استُجلبوا, بان ساعة الحقيقة دقت. وأنهم سيدخلون التاريخ من بابه الواسع ويُدخلون معهم الشعب السوري بكل مكوناته دون استثناء أو إقصاء. سينقلونه من الدكتاتورية إلى الديمقراطية, ومن دولة المخابرات وانتهاك حقوق الإنسان, بما فيها حقه المقدس في الحياة, إلى دولة القانون والمؤسسات, وإعادة كلمة الحريات العامة والفردية, إلى القاموس السياسي, وتعليق النصوص الدستورية وبيانات حقوق الإنسان محل صور وتماثيل الزعماء. كل ذلك أكده المتشاورون/المتحاورون الجادون ولن يعودوا عنه. وما على المعارضين المشككين المشاركة ليتأكدوا من حسن النوايا, ومن تحول العقلية الاستبدادية إلى حوارية حضارية.
يُقرأ المكتوب من عنوانه, وخاصة إذا كان القارئ سوريا قرأ نصف قرن كتابات وأقوال وأفعال النظام السوري. ورأى نصف قرن الوجوه نفسها, وامتداداتها البيولوجية والفكرية, فأصبح يعلم ما سيقولون قبل أن يقولوا, وبما سيتصرفون قبل أن يتصرفوا, ليس لفن في علم الفراسة, وإنما لربط النتائج بالأسباب, وان كانت النتائج المترتبة على تصرفات أشخاص غير أسوياء يصعب التكهن بتوقعها, فان للسوري مع ذلك حاسة لا تخطئ إلا قليلا, غرسها فيه الدهر ونكباته.
قرأ رجال المعارضة السورية, وخاصة ممن دفعوا دماء, ونزفوا في المعتقلات تحت سياط وأدوات الجلادين, وممن هُجّروا, وممن علمتهم الشهور الأربعة الأخيرة أن لا يسكتوا كما سكت آباؤهم على كذب وتعسف وعبودية دامت 50 عاما, باعوهم خلالها وطنية ومقاومة, ويبررون اليوم جرائم نصف قرن بأنه كان لا يجب أن يعلو صوت على صوت المعركة. وبان بناء التوازن الاستراتيجي مع العدو لرد الصاع له صاعين كان أولوية. وبان المؤامرة نصف القرنية مستمرة و قد تستمر إلى نهاية القرن القادم. ومنه كانت ومازالت ضرورة الدولة الأمنية القمعية. وبأن استمرار النظام بممانعته الموروثة والمستحدثة, لا تتوفر بأي سوري خارج النظام. وان سقوط النظام هو سقوط حر للممانعة , وهزيمة للمقاومة. فيذهب إلى غير رجعة الجولان, وتنتهي إلى الأبد القضية الفلسطينية. وتضيع المكاسب التاريخية نصف القرنية. (هذه ليست كتابات كاريكاتورية, ولا للسخرية, وعلى المشكك العودة لأدبيات الحزب والسلطة منذ نصف قرن والى لحظة التشاور/ الحوار المعقود في يومنا هذا).
القراءات الصحيحة لا توصل المعارضة إلى تصديق أي من تلك الادعاءات, ولذا قالت اليوم, متأخرة نصف قرن,: لا. كفاية. لا لحوار أخذت تستعجله السلطة وتوفر له أصحاب الحنكة والمراوغين والقادرين على القفز على الوقائع (ليست دروس التجربة المصرية ببعيدة, ألم تشكل لجان حكماء وعقلاء, للحوار تلوح باستجابات مستعجلة للمطالب الشعبية. ألم يعلن بن علي قبيل ساعات فقط من إسقاطه بأنه فهم التونسيين, ووعدهم صادقا,بان لا رئاسة مدى الحياة. وانه مستعد للحوار مع الجائع و "البطال", والمريض, والفقير ..).
قراءات المعارضة الصادقة ــ من موقعها في الشوارع مواجهة بصدور أبنائها العزل الرصاص ــ للخطب البليغة في اجتماع التشاور/ الحوار (المخُتلف على طبيعيته, وتسميته, هل هو تحضير أو تمهيد أم تشاور أم مجرد حوار يسبق مؤتمر الحوار المختص بتوقيع البيان الختامي, المعد له سلفا من قبل أصحاب الحل والربط ). قراءاتها تقول: ليس هكذا التشاور ولا الحوار, وليس هؤلاء المشاركين رجاله, فهم لا يستطيعون الخروج عمّا يُراد لهم إلى ما يريدون.
قراءات المعارضين, الذين أصبحوا أساتذة كشف التلاعب وتزوير الإرادات والتدليس والخداع, لم تعد سطحية تشوشها الوعود وكثرة الاجتماعات, ولا تُصدّق أو تسكت دون رد في الشوارع على عبارات ترددها السنة المتحدثين والخطباء في فوائد الإصلاح, وتصحيح الأخطاء, وتحقيق آمال وأحلام شعبنا, وعودة الهرم إلى صباه, بطلاقة "المُبرمج" ممن تعود الخطابة والتحليل, دون أن يرف له جفن في تقديمه كاذب المبررات, في كل المجالات وكل المناسبات. السنة تدربت, حديثا وللمناسبة التشاورية الحوارية الاحتفالية, لتقذف بالكلمات, الجديدة عليها, دون تلعثم أو تأتأة, وتخرجها بعفوية من مخارجها الطبيعية. فمتى كانت أليفة أو مباح النطق بها كلمات مثل: الحرية. الديمقراطية. الإصلاح. التغيير. التداول. التعددية ..؟. كلمة واحدة فقط بقيت عصية على نطقهم, مع أنها غير أعجمية و أصولها عربية,: إسقاط النظام.
تحية وألف رحمة لأرواح الشهداء, فقد كسروا عنجهية الطغاة, ووضعوا في أفواههم, قسرا, كلمات لم تكن إلى الأمس القريب في قواميس وأدبيات الاستبداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة