الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المال السياسي

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 7 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا يد خل المواطنون عالم السياسة من باب القناعات الأيديولوجية ، وإنما يدخلونها أساسًا من بوابة المصالح الاجتماعية للأفراد والجماعات . وإذا كان العمل الحزبي هو بالأساس عمل تطوعي يقوم على قناعات سياسية وفكرية عند قيادات وعضوية الأحزاب ، فإنه في الوقت نفسه عمل مكلف يحتاج إلى ميزانيات مالية كبيرة إذا أريد للحزب أن ينتزع مقاعد في المجالس المنتخبة أو أن يكون قوة تأثير إعلامية واجتماعي في الشارع.
فحتى في بلاد الغرب الرأسمالية المتطورة تلعب الأموال دورًا كبيرًَا في تعبئة الرأي العام لصالح مرشحي الأحزاب .. بل إن الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة يفضلان المرشح الحزبي القادر على جمع أكبر كميات ممكنة من التبرعات المالية والعينية..
وإذا امتلك الحزب بحبوحة مالية فإنه سيستطيع القيام بحملات إعلامية ضخمة وتوظيف عدد معقول من الموظفين والمستشارين ، فضلاً عن الإنفاق على المطبوعات والمقرات والانتقالات والاتصالات والتكنولوجيا الحديثة ..
وإذا نظرنا إلى الأحزاب المصرية اليوم سنجد أن الحزب الوطني الذي تبخر واستفاد استفادة هائلة وغير مشروعة من الإمكانات الحكومية .. هذا الحزب يحاول الآن العودة إلى الساحة تحت مسميات حزبية جديدة مستغلاً ما تراكم لدى أساطينه في الماضي من ثروات خيالية تستخدم الآن في شراء مساحات الإعلام واستئجار البلطجية .. وإن قلت إمكانيات فلول الوطني بالطبع في استغلال الخدمات الحكومية لتقديم الرشاوى السياسية وشراء الولاء ..
أما الأحزاب الليبرالية الجديدة والقديمة فهي تعوم على ثروات هائلة هي الأخرى ، تحققت في الداخل والخارج ، ولديها الآن العديد من الصحف والفضائيات والمواقع المتطورة على الإنترنت ، ومن ثم تستطيع أيضًا الإنفاق بسخاء على مؤتمراتها وتحركاتها ..
والجديد في الساحة السياسية المصرية اليوم هو تلك الأعداد الوفيرة من الجماعات والأحزاب ذات المرجعيات الدينية التي تبين أن إمكانيات الإنفاق لديها تفوق الجميع دون مبالغة .. فهي تملك مشروعات ومصالح اقتصادية ضخمة في الداخل والخارج .. فضلاً عن قنوات للتبرع غير خاضعة لرقابة مجتمعية جدية .. وتستطيع الإنفاق على أنشطة تقوم بها أعداد كبيرة من الدعاة والمحرضين والمنظمين والإعلاميين .. حتى وإن عمل الكثير منهم على سبيل التطوع ..
أما الأحزاب اليسارية والناصرية فهي في وضع مالي شديد البؤس لأنها بالدرجة الأولى أحزاب للفقراء ومحدودي الدخل .. وإذا كان لديها عدد لا بأس به من النشطاء المتطوعين فإن هذا لا يكفي لمجاراة الإنفاق الباذخ على الأنشطة الدعائية لليبراليين والإسلاميين .
وبعد ثورة 25 يناير دخل إلى عالم السياسة ، بل عالم الحزبية أيضًا ، أعداد هائلة من الشباب الذين لا يملكون أموالاً بالطبع ، إن لم يكن معظمهم بلا عمل أصلاً .. ومن أجل هذا ثاروا .. فقد اكتشف هذا الشباب أنه استطاع إنجاح الانتفاضة في الشارع , ولكنه لا يستطيع وضع الثورة في السلطة .. ولذلك أسباب كثيرة بالطبع ، ولكن المشكلة التي سيستحيل على الشباب حلها هي مشكلة الإنفاق على أنشطة إعلامية وتنظيمية مستديمة .. وهذا ما أدركته جيدًا قوى عديدة في الخارج فسارعت إلى محاولة الدخول إلى الشباب الثائر من باب التدريب وتمويل بعض الأنشطة .. ولكن الوعي العام للشباب المصري الثائر لا يزال صامدًا في وجه هذه المحاولات الخبيثة .
لا يزعم كاتب هذه السطور أن لديه حلولاً سحرية لهذه المعضلة .. ولكنه يدعو كافة القوى الحريصة على الديمقراطية المصرية الناشئة إلى صياغة ميثاق شرف أو مدونة سلوك للحياة الحزبية لا تسمح للمال بأن يصبح المتحكم الأول في قنوات التأثير في الرأي العام ..
وقد يكون من الملائم إنشاء مفوضية قومية مستقلة لمتابعة إنفاق وإيرادات الأحزاب ، وتتاح لها سلطة إبلاغ الرأي العام والهيئات الرقابية الرسمية أيضًا بما تراه من مخالفات أو منافسة غير متكافئة ..
كما تلوح هناك حاجة ماسة لأن تتضمن القوانين المنظمة للعمل السياسي ما يسمح للأحزاب الوليدة التي لم يمض على عمرها خمس سنوات مثلاً ، بأن تمارس أشكالاً محددة من الأنشطة الاقتصادية ذات المعاملة الضريبية التفضيلية، لتمويل عملها الحزبي حتى لا تلجأ إلى ممارسات غير شرعية أو تقع تحت سطوة الممولين..
أضف إلى هذا أن هناك ضعفًا كبيرًا في ثقافة التبرع للعمل العام ، وخاصة السياسي ، في مصر .. وهذا بالطبع من نتائج الإرث الطويل لمصادرة الحياة السياسية في المجتمع لصالح الحزب الوحيد أو المدلل .. ولا بد من تشجيع المواطنين على الاشتراك دون خوف في حملات اكتتاب تطوعي للأحزاب التي يؤيدونها ..
أخيرًا يقع على عاتق الأحزاب الجديدة نفسها أن تتعلم كيف تنجز الأنشطة الكبيرة بتكاليف أقل .. وألا تحاول تقليد الأحزاب الثرية في أنشطة بعينها .. وأن تسعى للوصول إلى الجمهور في القرى والأحياء الشعبية بطرق مباشرة ومبتكرة ..
إذا لم تتمكن الحياة السياسية المصرية من حل مشكلة المال السياسي فإنها تكون مرشحة للتعثر أكثر من التقدم .. حتى لو جاء الدستور أولاً ..
هذا ما كشفت عنه تجربة الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، ثم أكدته الممارسات الحزبية الأخيرة .. والمهم هنا أن الأحزاب الليبرالية والدينية هي أحزاب مؤيدة للنمط الرأسمالي بوجه عام ، أما الأحزاب ذات التوجه الاجتماعي اليساري ، والقوى الشبابية الجديدة ، فهي لا تستطيع التفاعل المتواصل مع جماهيرها المفترضة بسبب نقص الإمكانات المالية .. وفي هذا خطر على استقرار العملية الديمقراطية نفسها .. لأنها عندئذ لن يكون أمامها غير العودة للشارع .. ولكن ضد ديمقراطية يتحكم فيها الأثرياء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 10. June 2024


.. الانـتـخـابـات الأوروبـيـة: مـن سـيـحـكـم فـرنـسـا؟ • فرانس




.. -صفعة- عمرو دياب تتصدر المشهد وليدي غاغا تنفي شائعة حملها..


.. هل تكون مقامرة ماكرون.. جائزة لبوتين؟| #التاسعة




.. صفعة عمرو دياب.. بين القضاء وتوقعات -ليلي عبد اللطيف-!| #منص