الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلق ما بعد الثورة

نارت اسماعيل

2011 / 7 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أشعرهذه الأيام بشعور إنسان كان يحلم بأمنية كبيرة، ولما بدأت أمنيته تتحقق، بدأ القلق يعود إليه من جديد.
هذه هي طبيعة الإنسان، ما أن يرى أمنيته الغالية قد وصلت لمنتصف الطريق، حتى يبدأ بتجهيز أمنية جديدة أكبر من السابقة.
منذ عدة أشهر، لم أكن أحلم بقيام ثورة شعبية وطنية في سوريا ضد نظام الفساد، وها نحن اليوم أمام ثورة رائعة تنتشر مثل النار في الهشيم، وبدأنا نرى الخناق يضيق شيئآ فشيئآ حول عنق هذا النظام الإجرامي.
لكن القلق بدأ يعود، ليس من الثورة وقدرتها على الصمود والنجاح، فأنا متيقن من نجاحها، وأصبحت أراها تنضج وتكبر وتتعلم وتتكيف بعكس النظام المتخشب الذي صار حائرآ متخبطآ لا يعرف كيف يتعامل مع الموقف.
القلق الذي يراودني هو حول السؤال، وماذا بعد؟ ماذا بعد أن يسقط النظام؟ هل ستكون مشاكلنا قد حلّت كلها؟
أنا أرى أن نهاية النظام لن تكون إلا الخطوة الأولى في الطريق الطويل. يا ترى كم ثورة سنحتاج لتصحيح تراكمات اجتماعية ودينية هائلة؟ كم من البنى والمفاهيم المتخلفة ستحتاج إلى هدم وإعادة بناء؟
ما معنى أن تنجح الثورة بإسقاط النظام الحاكم ثم نتوقف ونحن نرى فتيات يفرض عليهن الحجاب بعمر عشر سنوات؟ وأخريات يفرض عليهن النقاب وغيرهن يتم تزويجهن بعمر خمسة عشر سنة ليتم تطليقهن بعد سنتين ورميهن إلى أهلهن مثل من يرمي عظمة في الشارع؟
لقد سطّر الثوار صفحات من أروع الصفحات في تاريخ سوريا على مر العصور، على الأقل هذه صفحات حقيقية نراها ونسمعها أمام أعيننا وليست صفحات موجودة في كتب صفراء قديمة مشكوك بها، إنها ليست قصة الزير سالم ولا جسّاس ولا بطولات عنترة.
لقد أثبت هذا الشعب أنه شعب حي قوي عظيم، ولكن التركة كبيرة، والحمل ثقيل، والطريق وعر وطويل.
لا يكفي أن نسقط النظام، ونلغي المادة الثامنة من الدستور، ونطلق سراح المعتقلين، ونغلق الفروع الأمنية، ونسمح بالحرية السياسية والإعلامية، كل ذلك لا يكفي، فأمام هذا التكاثر السكاني، ومحدودية الموارد، وأمام تلك البنى الاجتماعية والدينية المتخلفة، سنجد سوريا بعد عدة سنوات مثل ديموقراطية بنغلاديش وسيريلانكا.
سوريا تستحق أفضل من ذلك، تاريخها وحضاراتها القديمة وموقعها المميز يحتم علينا أن نطلب ونسعى للأفضل والأجمل، نريد سورية مثل أية دولة أوربية، نعم إنه حلم كبير ولكنه غير مستحيل.
صرت أتكهرب من كلمة(حرائر) التي يطلقونها على السيدات الثائرات، إنها تذكرني بكلمات قبيحة مثل نكاح ووطء ونشوز وحريم، إنها تعيدني لعصور الجواري والغلمان والخصيان.
صرت أتكهرب من رؤية سيدات منقبات يخرجن في المظاهرات في مدن سورية لم تكن إلى وقت قريب تعرف النقاب مثل درعا والتل وبانياس ودير الزور.
الحمل ثقيل والطريق وعر وطويل وزلزال الثورة سيحتاج لهزّات ارتدادية أخرى تهدم ما تبقى من نظم وبنى متخلفة معظمها غريب عن المجتمع السوري مستوردة من بلاد الصحراء والجراد.
علينا أن نبني سوريا بحيث لا نحتاج لإرسال أبنائنا لبلاد النفط ويحضروا معهم عاداتهم ونقابهم ولحاهم.
أربعون عامآ ونظام الأسد الأب والإبن يفقر البلد بفساده وقمعه ويجعل الناس تهاجر إلى الخليج طلبآ للرزق والأمن ليجلبوا معهم عادات وأفكارآ متخلفة، هذا النظام الذي لم يحصّن بله وشعبه من التأثيرات السامة لمال النفط، والذي ترك شعبه لقمة سائغة لدعاة الدين الأجلاف، كل هذه التراكمات تحتاج إلى هدم وإعادة بناء.
أمنيتي الكبيرة التالية بعد نجاح الثورة والتي بدأت تقلقني، هي أن أرى سوريا دولة علمانية يفصل دستورها الدين عن قوانين وشؤون البلد، دولة تلغي تدريس مادة الدين في مدارسها وتستبدلها بدروس الموسيقى والفنون والرياضة والرحلات المدرسية.
أمنيتي أن يمنع النقاب في المدارس والجامعات والوظائف الحكومية كمرحلة أولى قبل منعه نهائيآ في كل الأماكن.
أحلم بسوريا يكون فيها الناس متساوين أمام القانون ولن يتم ذلك إلا بدستور علماني حقيقي، فما دام الدستور خاضعآ لهيمنة الدين فإن الناس لن يكونوا متساوين أمام القانون، وسيبقى الباب مفتوحآ على مصراعيه للظلم والتمييز وانتهاك حقوق فئات كثيرة من المجتمع.
بعد أن ننتهي من مرحلة عبادة القائد الفرد، علينا أن نحرّر الناس من عبادة النصوص المحنطة، كلها عبادة وعبودية وخضوع وذل، ولا ينهض البلد إلا بأفراد أحرار معززين مكرمين، ليسوا فقط أحرار بأجسادهم ولكن أيضآ أحرارآ بعقولهم، علينا أن نعيد الاعتبار لعقل الإنسان السوري ونحرره من كافة المعوقات سواء من حكّام متألهين، أو من نصوص يزعمون أنها إلهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - You are flexible today
نورس البغدادي ( 2011 / 7 / 14 - 00:30 )
مقالة موضوعية ورؤية سليمه تشخص واقع الحال بدقة وجاءت بمفاهيم جديدة اكثر مما شخصها الأخ كاتب المقال في كتاباته الحماسية السابقة حول نفس الموضوع ، كما لمست من بين سطورالمقالة بأن الأستاذ نارت ربما سيعقد هدنه ولن يعاتب الدكتورة وفاء سلطان مستقبلا لتأنيها وتأخرها بأصدار قرارات متسرعة حول ما يجري في سوريا ، انا اتفق مع قول الأخ الكاتب (كم ثورة سنحتاج لتصحيح تراكمات اجتماعية ودينية هائلة ؟ كم من البنى والمفاهيم المتخلفة ستحتاج إلى هدم وإعادة بناء؟ ) هذا ما يمر به العراق حاليا بعد سقوط نظام صدام وفي كل الأحوال تعدد الأحزاب هو افضل من استبداد حزب واحد كما يقطع الطريق على المدى البعيد امام الأحزاب الدينية بالتشبث بحجة عدم عدالة حكم الحزب الواحد وبالتالي جر البساط من تحتها ، تحياتي


2 - الأخ نورس المحترم
نارت اسماعيل ( 2011 / 7 / 14 - 04:00 )
أنا سعيد جدآ بهذه الثورة في سوريا ولا أعتقد أن النظام الحاكم كان ليفهم إلا بهذا الأسلوب فهو كان يعد نفسه للبقاء إلى أبد الآبدين
أعرف أنكم في العراق عندكم حساسية من هذا الموضوع بسبب ما مررتم به، وكذلك الأخوة في الجزائر بسبب مامروا به على يد الإسلاميين، ولكني أعتقد أن الثورة في سوريا مختلفة وهي استوعبت الدروس السابقة ولا أعتقد أنها ستكرر ما حدث في العراق أو الجزائر
هذه الثورة أعادت الاعتبار للشعب السوري وأعادت الثقة به، وأنا قي مقالي هذا حاولت وصف شعوري الذي ينتابني وهو أننا بعد نجاح الثورة بتخليصنا من النظام الفاسد سنحتاج للاستمرار ، ويجب أن لا نتوقف عن هدم كل البنى الدينية ، والاجتماعية المتخلفة، الثورة كان لابد منها وهي خطوة بالاتجاه الصحيح لبناء مجتمع سوري جديد أفضل من السابق
تحياتي لك


3 - قلق مشروع
مارا الصفار ( 2011 / 7 / 14 - 05:15 )
الاخ نارت
ما كتبته من قلق وخوف .... يعتبر شيئا مشروعا وطبيعيا
وكلنا خائفون معك رغم بعد الاف الاميال عن سوريا
مثلما نحن خائفون على ثورة تونس ومصر وحال ليبيا
لان الاسلام السياسي متربص دائما لسرقة الثورة بعد ان يهدأ صخب الشارع الغاضب
وفي ثورة ايران 1979 خير دليل على ذلك

حالة العراق مختلفة تماما .... فلم يسقط النظام بسبب ثورة
والبلد مدمر بشكل كامل
وهذا ما سهل على الاسلام السياسي استلام البسطاء من الناس والتحكم بمصير دولة كاملة
انتم في وضع افضل منا بكثير
ثورتكم يجب ان تستمر .... وثواركم يجب ان يبقوا ثائرين
الى ان يتحقق اهم هدف بتغيير دستور الدولة الى دستور علماني مدني
لان التهاون في ذلك سوف يدخلكم في حقبة زمنية اكثر ظلاما من ظلم الاسد

استفيدوا من تجارب الشعوب
تحية الى جميع اصدقائي في سوريا


4 - دشداشه مينى جوب
فراس فاضل--السويد ( 2011 / 7 / 14 - 07:29 )
انت رائع كعادتك استاذ نارت ---كنت احلم ومجرد حلم بان الشباب ممكن ان تثور فى سوريا وكنت اعتقد الموضوع خرافه لا اكثر لاننى اعرف جيدا حزب البعث وعشت فصولا طويله من حياتى وانا انظر بعين الخوف من هذا الحزب الفاشستى اللعين واعرف ايضا كيف كان هذا الحزب يقمع الثورات العراقيه وينكل بالثوار العراقيين لذلك كنت اخشى ان يثور الشعب السورى ولكنه بالفعل شعب بطل ويستحق كل تقدير واحترام --اتمنى لثورتكم الرائعه الانتصار وان تفصلون الدين عن السياسه فورا والا نظام البعث ارحم من الاسلام السياسى لانكم ستعيشون فى ظلام ابد الدهر -فى ظل اصحاب اللحى والدشداشه المينى جوب -لك كل احترامى


5 - الأخت مارا الصفار المحترمة
نارت اسماعيل ( 2011 / 7 / 14 - 07:35 )
شكرآ لتعليقك الجميل، نعم علينا أن نكون قلقين وخائفين من انحراف الثورة إلى مسارات مظلمة ولكن ذلك يجب أن لايمنعنا من رفض النظام القائم والفاسد، بل علينا أن نكون حذرين ومتيقظين ونسعى بكل جهودنا لمنع الوصول لتلك المسارات، أنا شخصيآ متفائل بأن الوضع على المدى البعيد سيكون أفضل بكثير من الوضع الحالي
تحياتي لك


6 - الأخ فراس فاضل المحترم
نارت اسماعيل ( 2011 / 7 / 14 - 07:54 )
أعجبني تعبيرك الدشداشة الميني جوب، أنا لم أشاهدها في سوريا ولكني كنت أراها بكثرة في السعودية
الميني جوب أعاد لي ذكريات جميلة في سوريا عندما كنت طفلآ وكانت الموضة عند الفتيات هي الميني جوب وكنت أذهب مع صديقي إلى الأحياء الراقية في دمشق للبصبصة على لابسات الميني جوب، سقى الله تلك الأيام
لم تعد الثورة في سوريا خرافة بل صارت واقعآ وأتمنى مثلك أن يسود سوريا في يوم قريب نظام مدني يفصل الدين عن دستور الدولة
شكرآ جزيلآ لك وتقبل تحياتي


7 - عزيزي الأستاذ نارت اسماعيل المحترم
ليندا كبرييل ( 2011 / 7 / 14 - 08:06 )
اسمح لي أن أخالفك في النقطة التي وردت في نهاية مقالك . تقول( بعد أن ننتهي من مرحلة عبادة القائد الفرد، علينا أن نحرّر الناس من عبادة النصوص المحنطة ) أرى العكس صحيح ، ذلك أن عبادة الفرد تدعمها جملة من النصوص الدينية ، يوم تطبق العلمانية وتلتزم النصوص دارها في أماكن العبادة لن نرى هذه العبارة المقيتة عبادة الفرد. طلباتك مشروعة ، ونحن نتمنى فعلاً أن تتحرر البلاد العربية كلها من أمراض التطرف التي تهب علينا من الصحاري الناشفة من كل معرفة وثقافة ، مؤسف حقاً ان نرى السيدة العربية في هذا العصر تدافع عن أفكار بالية كتلك السيدة الكويتية الحمقاء التي تدافع عن نظام الجواري أو شراء الرجال البيض لتحسين النسل الكويتي ، إننا نحتاج إلى ثورة على قيمنا البالية ، على نظامنا المعرفي ، نحتاج إلى أن ينحصر دور رجال الدين في أماكن عبادتهم . أما الثورات العربية ، فلا أحد يستطيع التكهن بما سيأتي ، وإن كنا نتمنى أن تؤول الأمور إلى السلام . شكراً ولك التحية والاحترام


8 - الأخت ليندا كبرييل المحترمة
نارت اسماعيل ( 2011 / 7 / 14 - 09:09 )
حسنآ دعينا ندعوا للتحرر من كل أشكال العبودية والخضوع والخنوع، لأفراد كان أم لنصوص أو معتقدات غير مثبتة علميآ
لا أدري لماذا يهتمون لأمر تلك السيدة الكويتية الحمقاء، من الواضح أنها غير سوية
أعتقد أن دور المثقفين مهم في هذه المرحلة وأيضآ بعد سقوط النظام وذلك لدرء خطر الانزلاق نحو الدولة ذات الطابع الديني ولكني متفاءل على المدى البعيد أن الأوضاع ستكون للأفضل
شكرآ سيدتي العزيزة وتقبلي تحياتي

اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل