الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة .. سوار تحمل حزاماً ناسفاً .. شوقية عروق منصور

شوقية عروق منصور

2011 / 7 / 13
الادب والفن


قصة قصيرة


في الدخول والخروج أسناناً تحاول أن تعلك انتظارك ، مصيدة ترشق خطواتك ، وتعلن أن اليقظة هي العنوان الساطع لهذه القاعة الفسيحة ، تحاول أن تتظاهر باللامبالاة وتترك وراء خطواتك ظلاً من الهدوء النفسي ، تسير حسب الدور، المسلك مزنر بخيطين من الاشرطة الحمراء، مربوطة باعمدة فضية تحاول أن تضبط عملية المرور، لكن هناك من يعبر من تحت الاشرطة الحمراء أو يحاول ازاحة الاعمدة حتى تتسع الطريق أو تضيق ، وعندما تعلن احتجاجك متذمراً يحاولون استعطافك بكلمات مبهمة، حيث لا يهمك معناها بقدر ما يهمك أن يسير الدور بسرعة حتى تتخلص من عبث الانتظار..
ترى عيون المسؤولين عن ضبط الامور وهي تمتدح التزامك، وتُكذب بينك وبين نفسك قصة الصلب على عامود الاسئلة والاجوبة ، وتنسى مدار التوجس..وتتصرف كسائح يريد رؤية دنيا جديدة.
جو من الهدوء يلتقي بمشروع جميل خططت له وها انت تنفذ جزء من احلامك ، أنت مقدم عليها بفرح ورحابة صدر.
المكان الميناء، رحلة عائلية على متن باخرة سياحية، اذا اعتقدت أن الهروب الى الموانىء سينقذك من ذل التفتيش والاسئلة في المطار فأنت مخطىء، لأن العربي على موعد مع التفتيش الدقيق ، المستفز الشرس، في كل مكان وزمان، حتى يخيل الينا أن قاعدة التفتيش واحدة ، وأن "أرخميدس" حين قال وجدتها، فهو وجد النظرية الصهيونية التي تؤكد الجسم الفلسطيني المغمور بالذل يخسر من وزن كرامته بقدر وزن ماء الذل المغمور فيه .

اما قمة العشق التفتيشي ، حشر العربي في زاوية الاتهام ورؤية أجزاء من جسمه ، و ينتحب غصةً حين يطلبون منه خلع القميص أو البنطلون ... هذا عدا عن الاصابع التي تعبث بشهية ضوء ناري وفسفوري فوق السيقان والايدي والصدور التي تنبض بالالغام وتتنفس بالمتفجرات ، أنت في حضرة التفتيش، اذن كل شيء مباح حتى التفتيش داخل نخاعك ، أنت متهم حتى تثبت للموظفة نقاء عروبتك من الارهاب، وفلسطينيتك لا تقهقه ساخرة في الجيوب السرية لشخصيتك المحاصره الآن...
رغم برودة المكيف في القاعة بدأنا نشعر أنا وزوجي وبناتي كأننا في حفلة شواء.. خاصةً حين أصبحنا كالبط الاسود لأن البط الابيض قد خرج وأصبح في ساحة الهواء الطلق ينتظر لحظة دخوله الى الباخرة...
رائحة الشواء تتصاعد والغضب تحول الى فراغ يهب من مسامات الانتظار ، نادت الموظفة علينا وأخذت تسألنا اسئلة ركيكة لا معنى ولا علاقة لها بالسفر ، ثم توجهت الى ابنتي "كــيـان"، وطلبت منها الدخول الى غرفة مغلقة... لم أقلق لأنني اعرف أن " كيان" لديها مناعة قوية ضد الاستفزاز وتستطيع التصدي لأي سؤال دون أن تخشى شيئاً...
بعد قليل خرجت " كــيـان " من الغرفة وهي تبتسم.. لم أسألها لأن ابتسامتها اجابة على جميع الاسئله، لكن والدها اصر على التوجه الى مكتب المسؤول الرئيسي عن الأمن في القاعة.. وتقديم شكوى ضد العنصرية التي يتقنون التعامل بها وتوجيه سهامها نحو العرب حين رأى الحقائب تقلب
ويفتشون الملابس والكتب والمجلات التي وجدوها صيداً ثميناً .
لكن أرجعوها بعد ذلك وهم ينتعلون خفي حنين الذي وجدوه قابعاً في مخيلتهم .
لكن المسؤول أصر أن هذا جزء من عملية الأمن، وعند سؤالة عن اليهود الذين مروا بكل بساطة، قال هذه اجراءات امنية وادار ظهره ....
بعد عدة ساعات
تم الافراج عنا... اعتقدنا أن رحلة المذله انتهت.. لكن العوده كانت تحمل وجهاً آخر، لقد تركونا نحن الكبار.. وأخذوا " ســــوار " ... منعتني الموظفه السمراء التي ترتدي القميص الازرق والبنطلون الكحلي من الاقتراب منها.. حاولت افهام الموظفه أنها طفله صغيرة، ولا تعرف اللغة العبريه جيداً.. لكن اصرت أن تسألها...
ـــ يـــش لــــخ نــــيــشــك....
لم تعرف ســـوار معنى كلمة " نـــيشــك " رأيت بياض وجهها ينضح عرقاً واحمراراً، والدموع تطفر من عينيها... شعرت أنني لبؤة تدافع عن صغارها، تقدمت منها وأخذت ألوم هذه الموظفة الغبيه التي لم تر الطفولة وهي تسيل من ملامحها ومن شعرها المرفوع كذيل الفرس والاشرطة الملونة ...
لم تهتم بل أصرت أن تسأل عن " النيشك " وســوار تنظر الي بحيرة ، فهذه الصغيرة التي ما زال رأسها مملوءاً بافلام الكرتون وقصص الاطفال، وبدأت حديثاً الاحظ عشقها لأغاني الحب وتعليق صور الفنانين على جدران غرفتها ، ها هي تقع الآن في مصيدة " النيشك " وبنرفزة وزفرة.. قلت لسوار... " معاكي سلاح " لم تفهم علي أيضاً واستمر وجهها يفيض بالعرق و الاحمرار.. ارتفع صوتي وقلت لها قوليلها " معكيش سلاح " ... فرددت من ورائي " معيش سلاح " ..
ـــ يعني ما معاك سكين.. فرد... قالتهابلغة عربيه مكسره... مبعثرة ...
لعنت من خلالها اللغات جميعاً وتمنيت لو بقي البشر يتعاملون بالاشارات...
لا... ما معي لا سكين و لا فرد... قالتها سوار بتحدٍ...
طيب تعالي... أمسكت بسوار... ورفضت الموظفه أن أذهب معها
صرخت بوجهها لماذا تريد سوار داخل الغرفة؟؟ بعد أن وجدتني مصره قالت بلغتها العبريه..
ـــ اريد أن أفحص الحزام الذي ترتديه!!.
نظرت الى الحزام.. لونه أحمر وعليه عدة دوائر، بيضاء وسوداء وصفراء مغطاة بطبقه من اللمعان الفضي....
ضحكت... الموقف أصبح أكبر من العبث، لأن العبث ذاته يتخلى عن سخافة هذه الموظفة التي تريد أن تنزع من حزام الطفولة، حزمة من المتفجرات...
سحبت " ســوار " حزامها الناسف.. ناولته الى الموظفه التي هرعت به الى الداخل... انتظرنا... ثم خرجت الموظفه ومسحه من الاسف باديه على وجهها.. ناولته الى "سوار" بصمت، وطلبت منا الخروج..
أما "سوار" فأخذت تفتش عن مرآة.. أحسست أنها كبرت، رأيت ضحكتها تقفز، وأن امتحان العنصرية قد حولها من طفلة الى شابة، الى امرأة قوية...
بدي مراي...
قلت لها بسرعة.. يلا امشي.. رفضت.. وقفت أمام عامود من الالمنيوم يعكس صورة الواقف أمامه.. أخذت تدخل الحزام رويداً رويداً الى حلقات القماش.. الموظفه تنظر اليها بغضب لأن سوار تسد الطريق أمام المارة وسوار لا تهتم، بل أكملت جر الحزام حتى أغلقته ثم نظرت نظرة اخيرة على قوامها الذي كبر وأصبح شامخاً... ومشت في المقدمة... همست لزوجي الذي ما زال غضبه يغطي ملامحه... " شوف سوار كبرت "........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف