الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطهير (catharsis) والسايكودراما

عمار الجنابي
(Amaar Abed Salman)

2011 / 7 / 13
الادب والفن


يعد أرسطو أول من نظر لفن المسرح في كتابه "فن الشعر" خاصة تجنيسه لفن المأساة حينما عرفها بقوله: "إن المأساة محاكاة فعل تام له مدى معلوم؛ لأن الشيء يمكن أن يكون تاما دون أن يكون له مدى. والتام هو ما له بداية ووسط ونهاية….ولوضع قاعدة عامة في هذا نقول: إن الطول الكافي هو الذي يسمح لسلسلة من الأحداث التي تتوالى وفقا للاحتمال والضرورة وأن تنتقل بالبطل من الشقاوة إلى النعيم، أو من النعيم إلى الشقاوة.
أما الشخصيات فأمرها يتناول أربع مسائل: الأولى أن تكون فاضلة(1)
والمسألة الثانية هي التوافق…. وثالثتها التشابه… ورابعها الثبات…
في كل مأساة جزء يسمى العقدة وجزء آخر هو الحل، والوقائع الخارجية عن المأساة وكذلك بعض الأحداث الداخلية فيها تكون غالبا العقدة، أما الحل فيشمل ماعدا ذلك. وأعني بالعقدة ذلك القسم من المأساة الذي يبدأ ببدايتها ويستمر حتى الجزء الأخير الذي يصدر التحول إما إلى السعادة وإما إلى الشقاوة، وأعني بالحل ذلك القسم من المأساة المبتدئ ببداية هذا التحول حتى النهاية"
ومن أهم أسس التنظير الأرسطي تقسيم المسرحية إلى أجزاء أساسية: البداية والوسط والحل، وتقديم صورة تركيبية للمسرح مع تقسيمها إلى مشاهد وفصول. كما أثبت أرسطو أن أي عمل مسرحي لابد أن يرتكز على ثلاث مبادئ كبرى هي: وحدة الحدث ووحدة المكان ووحدة الزمان، كما قدم نظرية للأنواع المسرحية وأنماطها الصغرى حينما ميز بين التراجيديا والكوميديا وفصل بين الهزل والجد.(2)
و من أهم نظرياته المسرحية نظرية التطهير النفسي، ومفاد هذه النظرية أن التراجيديا تقوم على تطهير النفس البشرية عبر إثارة الخوف والشفقة في نفوس الجمهور. ويعني هذا أن المأساة تساهم في مداواة نفوس المشاهدين وتطهيرهم من كل النوازع الشريرة المكبوتة عن طريق زرع الخوف والشفقة قصد تطهير الجمهور من قيم الشر والدناءة قصد الرقي به إلى مصاف الأخيار. ومن هنا نعتبر التراجيديا وسيلة لعلاج الإنسان لاشعوريا من كل الانفعالات العدائية والغرائز المكبوتة وتحر يرها من الشر وتوجيهها نحو الخير وخدمة الصالح العام.

تعد البسيكودراما psychodrama طريقة مسرحية ارتجالية تسعى إلى تقديم مجموعة من اللوحات والمشاهد الدرامية والأدوار الركحية لوظيفة علاجية ووقائية. ويعني هذا أن للسيكودراما أدوارا إيجابية ووظائف هامة في الحفاظ على توازن شخصية الطفل من الناحيتين: الشعورية واللاشعورية قصد تحقيق التوازن النفسي الملائم. ومن هنا، فالشخصيات الطفلية الممثلة تقوم بأداء أدوار درامية تعبر عن أوضاعهم الحياتية الحقيقية التي يعيشونها في المجتمع. وبالتالي، فالسيكودراما ترصد المواقف الحساسة التي يتبادلها الأطفال فيما بينهم من خلال التعبير عن علاقاتهم الوجدانية والنفسية والإنسانية، وتشخيص ميولاتهم الانفعالية وأهوائهم الظاهرة والمضمرة، وترجمة رغباتهم الذاتية بشكل إيجابي أو سلبي.

وتعد السيكودراما أيضا:” طريقة من طرق العلاج النفسي الجمعي وهي وسيلة تسعى إلى استنباط أو استخراج المشاعر الكامنة في النفس وعلل المشكلات الشخصية وتعابيرها وذلك عن طريق أدوار مسرحية تتسم بالعفوية، وهي بذلك عمل جمعي يتركز حول تمثيل المشاعر العاطفية.

إن الغاية الأساسية للسيكودراما تتكون من شقين هما: التطهير النفسي عن طريق التنفيس أو الإفراغ النفسي واكتساب أنماط سلوكية جديدة. وتتحدد شخوص السيكودراما بالمعالج المدير الذي يدير المسرح ويشرف على العلاج ومساعدة المريض في تحديد المشكلة وتجاوزها وهو بمثابة المخرج المسرحي فضلا عن المرضى وهم الممثلون والمشاهدون في الوقت نفسه فضلا عن مجموعة من الأشخاص المساعدين الذين يشاركون في القيام بأدوار الأشخاص الذين أثروا في حياة المريض :” بطل المسرحية”.

ويتضح ، مما تقدم ، أن السيكودراما مسرح نفسي ذو هدف علاجي بحت، إذ إن له غاية علمية ذات طبيعة صحية وطبية هي مساعدة المريض الذي هو بطل المسرحية أو أحد أشخاصها في الشفاء من مرض نفسي محدد من خلال زجه في نشاط تمثيلي يتم من خلاله تحليل عقده أو أزمته النفسية ومجابهته بها ومحاولة التخلص منها لاحقا”.3

ويمكن استخدام تقنية السيكودراما التي أوجدها الطبيب النفسي جاكوب مورينو منذ سنة 1917م أو 1921م كأسلوب علاجي في علاج الاضطرابات النفسية الفردية والأسرية والجماعية ومحاربة مجموعة من الظواهر النفسية الخطيرة كالوقوع في الإدمان مثلا. وقد تأثر مورينو بلاشك بمجهودات فرويد في التحليل النفسي الفردي ، واعتقد أن يكون قد تأثر أيضا بتلامذة فرويد كيونغ وأدلر.

ومن هنا، يبدو لنا أن الدراما النفسية تقنية:” علاجية، وقائية، تعليمية، تدريبية، يصبح استخدامها في الدراما المسرحية عبر مختلف مستوياتها أحد أبرز الأدوار التنموية الجديدة للمسرح في علاقته الإيجابية بالمجتمع. ولأن الدراما حاجة نفسية على مستوى التمثيل والإخراج، ومختلف عناصر الإبداع وقبلها التأليف، وعلى مستوى التلقي، يصبح استخدام السيكودراما ممتزجة بمنهج الاشتباك بين الممثلين والمشاهدين خطوة تنفيذية للعلاقة الإيجابية بين المسرح والمجتمع”.4

هذا، وتعتبر طريقة السيكودراما أو المسرح النفسي العلاجي من أهم التقنيات في مجال تنشيط الأفراد ذهنيا ووجدانيا وحركيا وصهرهم داخل الجماعة المسرحية الديناميكية وتفعيلها دراميا وركحيا واشتباكيا . كما تعد من أهم الوسائل العلاجية لإدماج التلاميذ المنطوين على أنفسهم أو المنكمشين أو المعقدين نفسيا داخل جماعات تمثيلية لتحريرهم من العقد المترسبة في لاشعورهم وتطهيرهم نفسانيا عن طريق التنفيس والتعويض والتسامي والتداعي الارتجالي ، وإخراجهم من العزلة والوحدة والاغتراب الذاتي والمكاني إلى عالم مجتمعي أرحب يعتمد على المشاركة والتعاون والأخوة والانسجام وتفتيق المواهب وممارسة الديمقراطية الفعالة.

ومن ثم، فالسيكودراما طريقة مسرحية يعتمد فيها الفرد على القيام بمجموعة من الأدوار المسرحية التي يبرز فيها طاقاته ومواهبه ويعبر عن مكبوتاته وطاقاته الدفينة قصد الانتقال من مرحلة الانكماش إلى المرحلة النفسية السوية و التوازن السيكواجتماعي من أجل بناء ذاته وأسرته ومجتمعه وأمته بطريقة ديمقراطية قائمة على العطاء والعمل والإنتاجية والمردودية .

وعليه، فعن طريق السيكودراما نساعد المتعلم على الظهور والتفتح والنمو السيكولوجي ليكون قادرا على التعلم وتقبل المعارف وتلقيها بشكل علمي سليم واكتساب قيم جديدة ، حيث نخرجه من قمقم الانكماش والضياع والاستلاب ، ونحرره من بوتقة الاغتراب الذاتي والمكاني لننقله إلى عالم سعيد قوامه الحرية والمساواة والديمقراطية الاجتماعية حيث يتحقق فيه تكافؤ الفرص والعيش الكريم .

وعلى العموم، فالسيكودراما هي ” تقنية سيكولوجية … تعتمد على التلقائية الدرامية، حيث يطلب من الأشخاص أداء أدوار مسرحية دون ارتباط بكتابة سابقة أو تحديد للنص، قصد تنمية التلقائية لديهم. غير أنه مالبث أن تحولت هذه التقنية إلى أسلوب للتكوين والعلاج النفسي التحليلي الفردي والجماعي؛ وتنمية الابتكار لدى الأطفال في المجال التربوي التعليمي…

وتجد طريقة السيكودراما أصولها لدى اليونانيين القدماء، فقد أشار أريسطوفان في القرن الرابع قبل الميلاد إلى أن الشخص يظل سجين أدواره الاجتماعية ويمكن التحرر منها، وفهم دوافعها، عند التعبير عنها على خشبة المسرح. كما أن أرسطو أشار بدوره إلى الأهمية الأساسية التي يلعبها المسرح في التخفيف من المعاناة النفسية، خلال التوحد مع الممثلين في أدوار معينة، مما يساعد على التطهير النفسي.”5

ودافع المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي في نظرياته المسرحية عن طريقة المعايشة أو الاندماج في تمثيل الدور من أجل تطهير المتعلم نفسانيا وأخلاقيا ومداواته نفسانيا واجتماعيا.

وإذا كان أنطونان أرطو يدافع كثيرا عن مسرح القسوة باعتباره مسرحا علاجيا يحرر الإنسان من غرائزه اللاشعورية الموروثة ويزيل عنه الشرور والأحقاد ، فإن المخرج الألماني برتولد بريخت سيثور على نظرية الاندماج الأرسطي داعيا إلى أداء الدور المسرحي من الخارج دون الإحساس به من الداخل أو الاندماج في الدور تقمصا ومعايشة.

ويعني كل هذا أن الطفل لايمكن أن ينتقل إلى حالة نفسية متوازنة ومستقرة وإيجابية وسعيدة حتى نحرره نفسيا وجسديا وذهنيا من عقده الموروثة والمكتسبة كالخوف والجزع والقلق والانكماش والانطواء والخجل والانعزال المميت.

ومن ثم ، تستلزم تقنية السيكودراما خمس وسائل عملية وهي:

-1- خشبة المسرح التي غالبا ماتكون عبارة عن مصطبة يتم الصعود إليها عن طريق ثلاث درجات متتابعة، ويلاحظ غياب الديكور والسينوغرافيا الباذخة أو الباروكية مع استبدالهما بمؤثثات وظيفية كالمائدة والكراسي لاستخدامها في أغراض علاجية عبر الاعتراف والتداعي والاسترسال في الارتجال الانفعالي الشعوري واللاشعوري؛

-2- المخرج المعالج الذي يخطط مشاهد المسرحية ويحدد لوحاتها وينسق بينها، فيشجع الممثلين على تشخيص الأدوار العلاجية لتحريرهم من عقدهم ومخاوفهم وأمراضهم النفسية؛

-3- الممثل الرئيس الذي ينصب حوله العمل ، ويمثل دوره ارتجالا بطريقة طبيعية وعفوية بدون تصنع أو تكلف مع اختياره للنص الذي يريد أن يؤديه على خشبة الركح؛

-4- المعالجون الثانويون الذين يشاركون مع الممثل الرئيس في أداء المسرحية وتشخيصها فنيا وجماليا ونفسيا؛

-5- المشاهدون الذي يتابعون المسرحية من البداية حتى النهاية رصدا وتأثرا وانفعالا.

أن تقنية السيكودراما :” تنطلق من مجموعة من الفرضيات، منها أن المواقف الإنسانية لاتفهم إلا في وضع عملي، فالتمثيل يشغل كل جوانب الشخصية من جسم وصوت وانفعالات…الخ وأن اللعب التمثيلي أكثر حيوية من مجرد الحكي؛ وأن التعبير عن الذات يكتسي طابعا تطهيريا.

ومن هنا، نفهم بأن السايكودراما تقنية مسرحية علاجية تستهدف وقاية الطفل من أمراضه النفسانية وتطهيره شعوريا ولاشعوريا عبر التنفيس والتعويض من أجل اكتساب قيم سلوكية جديدة سواء على الصعيد السلوكي أو النفسي أو الاجتماعي





المصادر
1- -فن الشعر -ارسطو-65
2- تاريخ الفلسفة اليونانية"- يوسف كرم- دار القلم- بيروت- ص55
3-نظريات المسرح الحديث-اريك بنتلي-ص137
4- دراسات في المنهج النفسي- محمد كرم-ص95
5- المصدر نفسه--ص101










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي