الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارسطو والشعر

عمار الجنابي
(Amaar Abed Salman)

2011 / 7 / 13
الادب والفن


عارض( أرسطو) فكرة الإلهام و الوحي في قول الشعر، واعتبر منشأ الشعر غريزة المحاكاة
حيت أن الإنسان مفطور على المحاكاة، و غريزة حب الوزن و الإيقاع، و بالمحاكاة يتم التعلم
و تنشأ اللذة، و هذا معناه أن( أرسطو) يرجع أصل الشعر إلى سببين طبيعيين: أولهما أن المحاكاة
ظاهرة طبيعية و فطرية عند الإنسان تنشأ عنده مند طفولته، فالإنسان إذن حيوان يهوى
المحاكاة، و ثانيهما شعوره بمتعة و لذة المحاكاة التي تصل به شيئا فشيئا إلى التعلم والمعرفة، و يوضح
أرسطو ذلك بقوله:( "و يبدوا أن الشعر نشأ عن سببين كلاهما طبيعي، فالمحاكاة غريزة في
الإنسان تظهر فيه مند الطفولة، و الإنسان يختلف عن سائر الحيوان في كونه أكثرها استعدادا
للمحاكاة، وبها يكتسب معارفه الأولية، كما أن الناس يجدون لذة فيها أي في تأمل أعمال
المحاكاة، و سبب آخر هو أن التعلم لذيذ لا للفلاسفة وحدهم، بل و أيضا لسائر الناس، و إن
لم يشارك هؤلاء فيه إلا بقدر يسير، فنحن نسير برؤية الصور لأننا نفيد من مشاهدتها علما
و نستنبط ما تدل عليه، كأن نقول إن هذه الصورة صورة احدا ما، فإن لم نكن رأينا موضوعها
من قبل، فإنها تسرنا لا بوصفها محاكاة و لكن لإتقان صناعتها أو لألوانها أو ما
غير ذلك")(1)
و بناءا على ذلك يمكن استنتاج أن المحاكاة معرفة عند أرسطو، فهي بما تورثه من لذة
إنما هي أمر فطري أخذ يرتقي حتى ولد الشعر ارتجالا، و ذلك قبل انقسامه إلى مأساة و ملهاة،
و ربما كان ضروريا الإشارة إلى أن إعراض(أرسطو) عن الشعر الغنائي الذي يمثل طفولة الشعر.

كان نتيجة لعدم انسجامه (أي انسجام الشعر الغنائي) مع مبدئه القائل: "إذا كانت المحاكاة هي
جوهر الشعر، فإن الفعل هو جوهر المحاكاة أي أن هذا النوع من الشعر يفتقر إلى العنصر
الجوهري في المحاكاة الذي يميز فيه الشاعر عن المؤرخ، و يجعل الشاعر أكثر اقترابا من الفيلسوف مما
يجعل الطبيعة نسخة منه لا هو نسخة منها، و في هذا السياق ورد قول غنيمي هلال:( "تظل
الطبيعة نموذجا للفن و معيارا له و إن أكملها الفن بوسائله، فالفن يجمل الطبيعة و يزودها
و يهذبها")(2)
و كما ذكر سابقا فإن جوهر الشعر عند( أرسطو) هو المحاكاة، و هذا معناه أن الوزن
و الإيقاع لا يصنع منهما الشعر، إنما تصنعه محاكاة المعاني الكلية، و لكن هذا لا يعني بالضرورة
أن أرسطو يسقط عنصر الوزن بل جعله ركنا من أركان المحاكاة القائمة في الشعر على الوزن
و القول و الإيقاع مجتمعة أو متفرقة، فالشاعر الحق عنده هو من يأتي بالمحاكاة في مزيج من
الأوزان، غير أن الوزن عنده لا تكفي لإضفاء الشعرية على الكلام، فقد يستعمل في مقالة
طبية، لكن مستعمله يبقى طبيبا لا شاعرا، لأنه أهمل العنصر الجوهري و هو المحاكاة، و في هذا
السياق ورد قول(أرسطو): "إن الناس قد اعتادوا أن يقرنوا بين الأثر الشعري و بين الوزن...
فإطلاق لفظ الشعراء على البعض ليس لأنهم يحاكون بل لأنهم يستخدمون نفس الوزن،
و الواقع أن من ينظم نظرية في الطب أو الطبيعة يسمى عادة شاعرا، و رغم ذلك فلا وجه
للمقارنة بين( هوميروس) و( أنباذوقليس) إلا في الوزن، و لهذا يخلق بنا أن نسمي أحدهما
(هوميروس ) شاعرا و الآخر طبيعيا أولى منه شعرا"(3)
إن القول بأن الوزن ليس جوهر الشعر، بل جوهره المحاكاة يعني أيضا أن الشعر( يقرن
بالفنون التي تحاكي بالصوت )الوزن و القول و الإيقاع كالموسيقى و الرقص، و لا يقرن
بالفنون التي تحاكي بالشكل و اللون كالنحت و التصوير، و إن كانت الفنون جميعا ترجع إلى
أصل فلسفي واحد هو المحاكاة، و إن كان موضوع المحاكاة يختلف تبعا لطبيعة الفن كالشعر


الذي يحاكي الأفعال، و لهذا السبب نجد(أرسطو) يفضل الشعر الملحمي على الغنائي لأنه يحاكي
جوهر الفعل الإنساني و لاسيما أن الفعل هو روح الشعر عنده.(4)
"و لا ريب أن محاكاة الفعل تجعل من الشاعر كائنا مبدعا لأن الفعل يمثل حركة
الوجود الدائبة، و محاكاته إنما هي ضرب من معرفته، بيد أن هذه المعرفة جوهرية و شاملة من
حيث تصورها لما ينبغي أن يكون، و ليس لما هو كائن، و كأن الشاعر بخياله النافذ في أغوار
الطبيعة إنما يعيد بإدراكه الشامل لجوهر الفعل الإنساني يركيب الأشياء على نحو مبدع، فهو في
طوافه بالطبيعة لا يمسك بمرآة يجلو فيها ظواهر الأشياء، و لكنه يجعل من ذاته بؤرة تتشكل فيها
ألوان الطيف على نحو ما تتشكل في قوس قزح، فقوس قزح هو من الطبيعة و لكنه ليس الطبيعة
ذاتها
لقد وضع أرسطو مقياسا اختبر به صدق المحاكاة الشعرية، فتوصل إلى أن هذا المقياس
يتمثل في المتعة الدائمة التي يقدمها العمل الفني إلى المجتمع لا في مجرد المتعة التي يشعر بها الفنان
أثناء قيامه بالمحاكاة، و على هذا الأساس يكون للفن مهمة حيوية بالنسبة إلى المجتمع، و هذه
المهمة هي المجتمع و بالإضافة إلى كل ما سبق نجده يلح على ضرورة أن ينشد الفن أو الشعر الحقيقة، إلا
أنه يسمح للشاعر أن يصور الحقيقة بحسب مقدرته الفنية و بحسب تصوره للممكن و المحتمل
و المستحيل بشرط أن يبقى ضمن المألوف و ألا يغادره، لأنه إذا كانت المحاكاة متعلقة بالأفعال
الإنسانية، فإن التصوير الصادق لهذه الأفعال يبعد الشعر عن ذات الشاعر و يجعل منه تعبيرا
موضوعيا.


المصادر

1- فن الشعر- أرسطو طاليس" – ص 14
2- " أصول النقد العربي القديم "- د. عصام قصبجي – ص52
3- النقد الأدبي الحديث "- د . محمد غنيمي هلال – ص57
4- فن الشعر-مصدر سابق-ص17








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي