الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن ودعبول البلام في نزهة نهرية ليلة 14 تموز 1958

جبار ياسر الحيدر

2011 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


في تلك الايام كنا مجموعة من الاصدقاء نلتقي في كازينو الفردوس في شارع النهر المطلة على نهر دجلة ذات مساحة واسعة تمتد الى الشاطئ ، وفي الجانب الآخر من شارع النهر كانت بناية يعرف عنها آنذاك شركة بيت لينج البريطانية وقد شيدت غرفة تجارة بغداد مؤخرا على معظم ارض الكازينو ، كانت من المقاهي المشهورة وتستوعب مئات عديدة من الرواد اسوة بمقاهي البيروتي والبلدية والصالحية والبرازيلية وغيرها التي كان روادها من طلبة الكليات المختلفة والاعداديات والمثقفين من كتاب وادباء وشعراء وفنانين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية ، كنت طالبا في كلية طب بغداد ومعي مجموعة من اصدقائي في كلية الطب والكليات الاخرى ومنهم موظفين وارباب عمل تربطنا الرابطة الفكرية والمفاهيم الوطنية والديمقراطية في اتحادالطلبة واالشبيبة وانصار السلام مع التزام قسم كبير منهم في التنظيمات الحزبية .. تتوفر في هذه المقهى كل الخدمات على بساطتها من الالعاب البغدادية المسلية كالطاولي والدومينو والشطرنج وتقديم الشاي والقهوة والحامض والدارسين وانواع المشروبات الغازية والماء المثلج واللبلبي والباقلاء والشوندر المشوي والشلغم والخيار المخلل والاطعمة المشوية ( الفشافيش والمعلاك والتكة والجلاوي والعنبة والصمون .. الخ وباسعار متهاودة ) ولكنها تمتاز بالتنظيم والنظافة والهدوء خاصة حينما يقترب موعد الامتحانات ، ومن رواد هذه المقهى الذين كانت تربطنا بهم علاقات طيبة كان كاكا جلال الطالباني ( رئيس الجمهورية حاليا ) حينما كان طالبا في كلية الحقوق ومجموعة من رفاقه البارتيين من طلاب الكليات ومنهم كاكا حبيب محمد كاظم ( عمل لفترة قصيرة مذيعا في الاذاعة العراقية وفيما بعد معاون مدير عام الضريبة في وزارة المالية ) وكذلك كاكا جمال بابان ( والذي اصبح له شأن كبير في الحركة الكردية ) .. وتبدأ لقاءات المعارف والاصدقاء في ساعتها الاولى بتناول الشاي والقهوة ولعب الطاولي اوالدومينو اوالشطرنج ولعبة كرة المنضدة .. وبعدها تبدأ المطالعة في اجواء دراسية هادئة جدا وعلى انغام خافتة لاغاني ام كلثوم حتى ساعة متأخرة من الليل

اما في العطلة الصيفية فيستمر كافة الاصدقاء بلقاءاتهم في الكازينو كالعادة لللهو والتسلية والسمر ويحتل الطلاب المكملون احدى زوايا الكازينو للمطالعة والدراسة

كان الشارع العراقي والوضع السياسي يغلي في تلك الايام حيث كان تشكيل الاتحاد الهاشمي والتحركات الحكومية لطبخات الاحلاف العسكرية في المنطقة والايام حبلى بما هو قادم وعلى الصعيد الداخلي كانت جبهة الاتحاد الوطني والاحزاب الوطنية والديمقراطية وتلاحمها مع الجيش العراقي في اوج نشاطها .. الكل يعلم ان تغييرا سيحدث في البلد ولكن ماهو هذا الشيئ ؟ وهنالك بيان داخلي لمنظمات الحزب الشيوعي العراقي يحثهم على اليقظة والحذر والترقب والتنويه الى احداث قادمة !!؟

وفي هذه الاجواء في مساء يوم الاحد المصادف 13/ تموز/1958 وبعد نجاحنا انا ومجموعة من الاصدقاء رواد كازينو الفردوس الى المرحلة الخامسة / كلية الطب اتفقنا مع الآخرين ان نحتفل بطريقة بغدادية في سفرة نهرية على ضفاف دجلة .. واتفقنا مع دعبول البلام الذي يسكن في محلة الكريمات مقابل كازينو الفردوس في الجهة الثانية من النهر وجهزنا انفسنا بالمأكولات والمرطبات والفواكه والمزة من الكرزات والباقلاء واللبلبي والبيرة المثلجة ( ديانا ) والى دعبول ربع عرق مستكي .. انطلقنا ببلم واسع من شريعة كازينو الفردوس وكان معنا ممن اتذكرهم ( اطال الله في اعمار الاحياء منهم ) جبار خضير كيطان ( صائغ متقاعد في هولنده ) وحمدان كطان ( معلم وصائغ متقاعد استوطن في فنلنده ) وصبري فهد ( صائغ متقاعد استوطن في هولنده ) وناجي فرمان ( طبيب اختصاص في بغداد ) والمرحوم محمد فتال ( موظف في الكمارك ) والمرحوم احمد الساعاتي ( صاحب محل للساعات في شارع الرشيد ) ومحمد باقر مالك ( طبيب اختصاص في السليمانية ) وستار معروف ( موظف في وزارة التجارة ) .. ومن المفارقات اللطيفة التي حصلت ان موسى خضير كيطان ( حاليا اديب وفنان مبدع في ايطاليا ) كان صبيا صغيرا واقفا على الشريعة نفسها ( جاء من محل والده القريب في شارع النهر ) وطلب بالحاح المجيئ معنا وبقي مصرا ولكن اخيه جبار رفض وطلب منه الرجوع الى محل والده فاستطعت ان اقنع اخيه بالمجيئ معنا واتذكره كم كان سعيدا وممتنا لي ولايزال يتذكر ذلك .. انطلق دعبول البلام بالتجديف صوب الشمال باتجاه الاعظمية وانطلقت معه حناجرنا بالاغاني والاناشيد الوطنية بعد توزيع المشروبات والمأكولات ومررنا على دائرة التحقيقات الجنائية ( الامن العامة ) قرب شريعة النواب وبعدها بمسافة شمالا على وزارة الدفاع وبدأ البعض يتهامس مع الاخرين ترى ماذا سيحصل في هذه الوزارة التي يحاك فيها صياغة الاحلاف العسكرية والمؤامرات ضد الشعب العراقي بعد التغيير المرتقب ؟ .. واستمر دعبول يصارع ضد التيار في تجديفه تتخلله ( مصات من ربعية العرق ) والجميع يشاركونه (الجريو) ببيرة ديانا !؟ والشعور بالنشوة وحماسة الاغاني والاناشيد الوطنية المختلفة حتى تجاوزنا الجسر الحديدي في الكسرة وقد خيم الظلام والهدوء في ساعة متأخرة من الليل .. عاد دعبول بنا ادراجنا في وسط النهر والبلم يسير مع التيار جنوبا بدون عناء حتى وصلنا قبالة وزارة الدفاع مجددا وبدأت اصواتنا واغانينا واناشيدنا الوطنية ترتفع وهنا انطلق البعض يتوعد ويهتف ضد الحكومة ونوري السعيد واحلافه ومؤامراته وكانهم واثقون كليا بان معجزة كبيرة ستحصل حتما وقريبا جدا ... وصلنا شريعة كازينو الفردوس بعد ساعة متأخرة من الليل والجميع في اقصى درجات السعادة والنشوة ومتفائلون بما سيحصل .. وكل غادر الى بيته من هناك .. ولكن في صبيحة اليوم الثاني الاثنين 14 تموز حصلت المعجزة ونهض الجميع من النوم على هدير بيانات الثورة الخالدة في الراديو والتقينا مجددا في الشوارع مع الجماهير المحتفية بنجاح الثورة وقادتها وبقيت سفرتنا في ليلة الثورة المجيدة خالدة في ذاكرة التاريخ

المجد كل المجد لصانعي ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة في ذكراها الخالدة ... والمجد والخلود لشهدائها الابرار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عنوان جميل آخر للمقال ضاع عند النشر
د.خالد الحيدر ( 2011 / 7 / 14 - 07:16 )
انا ومجموعة من اخلص الاصدقاء ودعبول البلام في نزهة نهرية في بغداد ليلة 14، تموز 1958

مقال رائع وممتع يحمل معاني عظيمة كعظمة تلك الثورة الخالدة، 14 تموز1958
المجيدة
وشكراً للكاتب لأسلوبه الشيق وذكرياته الوطنية العطرة التي يتحفنا بها بين الحين والآخر، وما تحمله مقالته هذه بين سطورها من تفاؤل بالمستقبل الواعد لعراقنا الأبي ما دامت تلك الحماسة متواصلة لدى الشرفاء رغم إستمرار المآسي والمنغصات


2 - تحيات وتهاني دكتور جبار وكل عام وانتم بخير
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2011 / 7 / 14 - 22:39 )
شكرا دكتور جبار على هذه المقالة التذكارية الحميمه
ييزي قحر-كما يقول البغداديون و14 تموز قبل 53 سنه هو ماينجزه ابناء عمومتنا من التوانسه والليبيين والمصريين والسوريين واليمنيين-والحبل على الجرار-كما نقول واننا متاءكدون انهم الان ينجزون ثوراتهم في ظروف محلية وعالمية افضل كنا لوحدنا وتاءمر الجميع ضدنا خصوصا القومجية الارذال واسلاميو الخيانه من الاخوان اللامسلمون والمجرم القاتل محسن حكيمي اللعنة عليه وعلى جميع ال حكيمي قتلة الزعيم واعداء فلاحي الاصلاح الزراعي
ليش دكتور جبار ماجبت طاري الجحله ومسيعيدة جا احنه قابل من اسطنبول لو باريس جا شنو نسيت السياح والطابك والسمج المشوي ببيوتكم ال الحيدر
مع ارق تمنيات الصحة والعمر الطويل والسلام على الجميع


3 - نحن والبلام دعبول
د.جبار ياسر الحيدر ( 2011 / 7 / 16 - 02:01 )
شكرا جزيلا للاخوين الاعزاء الدكتور خالد والدكتور صادق لاطرائهما الجمبل ومشاعرهما النبيلة حول موضوعي المتواضع لاستذكار الثورة المجيدة في عشيتها وفي يومها الخالد .. اما الجزء الثاني من تعقيب الاخ الدكتور الكحلاوي فانا اعرف انها احدى قفشات الكحلاويين للفكهة ، ولكن لايسعني الا ان اقول له ما هي العلاقة بين الموضوعين !!؟ فطالما يتلقب بالكحلاوي وانا اتشرف بهذا اللقب لانهم اهلي الاصلاء ، فيعني ذلك انه مسيعيداوي وشارب من ماي عماره وشبعان سياح ورصاع وطابك وزوري وبالتأكيد اهل اسطنبول وباريس مو اشرف من هؤلاء الناس ... تحياتي ومودتي لكم ولشرفاء العراق ومنهم اهل الكحلاء العزيزة الذين لا يخيبون آمال شعبنا الطيب ابدا في خلق المعجزات

اخر الافلام

.. طائرات بوينغ: لماذا هذه السلسلة من الحوادث؟ • فرانس 24 / FRA


.. رفح.. موجات نزوح جديدة وتحذيرات من توقف المساعدات | #غرفة_ال




.. جدل الرصيف الأميركي العائم في غزة | #غرفة_الأخبار


.. طلاب فرنسيون يطالبون بالإفراج عن زميلهم الذي اعتقلته الشرطة




.. كتائب القسام تقصف مدينة بئر السبع برشقة صاروخية