الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعبيرية (Expressionism) في الادب المسرحي

عمار الجنابي
(Amaar Abed Salman)

2011 / 7 / 15
الادب والفن


تتصل التعبيرية فكريا وجماليا بالرومانسية لانهما تلتقيان على صعيد رفض الالية في الحياة والمجتمع , فالاله بالنسبة لهما اختراع لقتل البراءة والطهر عند الانسان والطبيعة على حد سواء ,كما انها تقتل الجانب التلقائي والقدرة السليقة لدى الشعوب.كما تلتقي المدرستان ايضا في الفردانية ,حيث عدتا الفردانية والحفاظ عليها جزءا مهما من دورها ومهمتها الانسانية.وان احباط الشخصية باخضاعها للمجتمع معناه اضعاف الوعي الفردي البطولي الذي يقود الامم في ساعات المحنة .فالفردانية مطلوبة على صعيد الفعل التاريخي والابداعي ,ولايمكن ان تلغى لتحقيق فعل الثورة في داخلها .ولكن هذه الفردانية لاتتحقق في اي كان ,وانما بالابطال الذين يتوسم بهم الشعب امكانية تحقيق انجازات مهمة فالفرد هنا يعبر عن ارادة الكل .كما ان الجانب العاطفي له حضوره في الرومانسية (romantic) والتعبيرية (expressionism) على حد سواء فالخوف والحرص على مصير الابطال هو اهم مايعنى به الكاتب المسرحي في كلا الاتجاهين. وهكذا فان الافكار التي دافعت عنها الرومانسية هي افكار راديكالية ثورية وتحررية اذا كان ياخذ هذا الدفاع الجانب الفردي او الجمعي ولكن طالما انها الغت التشخيص الفردي وعنيت بالفرد الممثل لتشريحه اجتماعيا او كما اسماه (هيغل)الفرد الكلي فانها في الحالتين كانت تعبر عن حقيقة وجودها الاجتماعي والتحديات التي واجهتها .
قد استمدت تحديها لمصيرها (الفردي - الاجتماعي) من الموقف ازاء الطبيعية ,مرورا بالة الحرب , ووصولا الى الطبقات البرجوازية في الوقت الحاضر.اما التشخيص فان البطل التعبيري يجد نفسه في كل رحلة مهددا بعالم يحاول طعن ذاته بشكل غير انساني .صاغ الفرنسي الفوتوغرافي (هارفي) تسمية التعبيرية عام(1901)(1).عند وصفه للاعمال الفنية لمجموعة من الرسامين من اتباع (فان كوخ)و(كوكان) اللذين تطلعا للامساك بمظهر الاشياء المرئية عند تعرضها الى ضوء معين في لحظة معينة وقد استهدف هؤلاء تاكيد المشاعر الداخلية الذاتية القوية بخصوص الاشياء .وتصوير الحياة ليست مثلما تظهر فعلا وانما على وفق التعديلات والتشويهات التي تطرأ عليها بفعل رؤيا(vision) الفنان الخاصة بالواقع لتصورهما بان الحقيقة او الجمال التعبيري كائن في الذهن وليس مثلما يعتقد الانطباعيون (impressionists) في حاسة البصر.(2)
وانطلاقا من هذا المفهوم فقد اطلق اسم التعبيرية بعد ذلك على الحركات الفنية التي برزت بين الاعوام(1910-1925) واتخذت شكل الثورة الالمانية النموذجية ضد المدرسة الواقعية(realism) وتحقق اول استخدام ناجح لاسس التعبيرية على خشبة المسرح في مسرحية (الابن) من تاليف (هانزنكليفر)عام(1914).وقد بلغت هذه الحركة اوج شهرتها خلال الحرب العالمية الاولى.
وتتميز الدراما التعبيرية بعدد من الخصائص الاساسية ,حيث تنطلق من الرسالة نحو المتلقي عن طريق بناء المسرحية اساسا من خلال فكرة او موضوع وليس من خلال علاقات السبب والنتيجة بين الحوادث .ويتخذ الفعل في العديد من المسرحيات شكل البحث الوجداني او الرحلة او المحطات القائمة على طريق الاستشهاد.(3)اي تتخذ المشكلة الاساسية شكلا دينيا او اجتماعيا او فلسفيا او سياسيا.
اما صورة الشخصية في المسرح التعبيري .فان الشخصية المحورية والتي غالبا ماتشبه السيد المسيح(ع) تقع ضحية لتمسك الشخصيات الثانوية الاخرى بحبها للمادة او بنفاقها الاجتماعي .وكل شخصية من هذه الشخصيات الثانوية هي صورة مصغرة للمواقف الاجتماعية والانماط البشرية.والشخصية المحورية هي الوحيدة التي يباح لها الظهور في كل مشهد من المسرحية .لانها عنصرا رديفا توحيديا للفكرة.(4)
اما البطل التعبيري شخصية تضطهدها القوى المادية التي تحيط بها .فهو يعني معاناة روحية من ضغط الالة والمجتمع وسلطة (الاب) انه يمثل ذلك الشاب المتمرد الثائر على عالم الاباء الذين يرمزون الى كل انواع السلطات الاجتماعية والمادية.والشخصية التعبيرية قريبة من افكار واراء ووجهات نظر المؤلف ولهذا فانها تطغي في النص المسرحي على جميع من حولها بما فيها الشخصيات الثانوية التي ليس لها اي دور في البناء الدرامي (Dramatic structure) للمسرحية.وهذه الشخصية تنقسم وتتشظى حسب الحالات والمواقف والانفعالات التي تمر خلالها .فهي مرة تتكلم مع الاخرين .ومرة تذهب لمناجاة نفسها.وكل ذلك هو دفاع عن الذات التي دمرها المحيط الاجتماعي في مفاهيمه المتردية ووسائله التي لاتنسجم مع الروح الشبابية الثائرة .
وتتبلور صورة الحبكة(plot) ,والحوار(Dialogue) في المسرحية التعبيرية بوجود توجه لدى الكاتب الدرامي لاختصار كل عنصر باستبقاء اساسه الجوهري وهكذا يمكن للحبكة ان تصبح مجرد عرض لمقولة او مبدأ. في حين تصبح الشخصيات الثانوية انماط تعبر عن المواقع الاجتماعية وكما نرى في معظم النصوص المسرحية التعبيرية الشخصيات تتصف ولاتسمى باسم مثل:الشرطي -الزوج -الزوجة - الابن الخ..
اما اللغة والحوار فهما عبارة على منلوج طويل يلقيه البطل مشحونا بالمشاعر والعواطف بحيث تكون الكلمات اشبه بالمستودعات المعباة بالثورة والتمرد. وليس هناك حساب على اللغة والقواعد ويكون الانتقال من الشعر الى النثر,مسموحا مع تحولات والصراعات مع البطل.ويختزل الحوار بجملة اوجملتين وهو يشابه نظام (مورس ) الخاص بالبرقيات الارسالية .مع الركون الى الحركات والايماءات الارشادية .لتبعث ببلاغتها المشاعر الحادة.وماتعانيه الشخصية وصولا الى الموضوع.

المصادر
____________
1-نظرية الدراما من ارسطو الى الان-رشاد رشدي-ص140
2- الدراما والمذاهب الادبية -فايز ترحيني -ص76
3- التعبيرية في الشعروالقصة والمسرح-عبد الغفار مكاوي-ص97
4- المصدر نفسه-ص98








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي