الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الديمقراطية: ليس كل ما يلمع ذهبا

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2011 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


كنت حتى فترة قريبة متحمسا بشكل كبير إلى الأفكار الأناركية واللاسلطوية والتي ترى أن حركة التاريخ هي حركة الشعوب والجماهير لا حركة النخب وأن التغيير يجب أن يكون عملية قاعدية من القاعدة إلى القمة وأن النظرة الإصلاحية النخبوية هي نظرة فوقية...

ثم جاءت الثورات العربية ... ولأول مرة أتيح لي أن أرى حالة قريبة من الأناركية وثورة الناس العادية والتي من المفترض أنها في صميم ما كنت أدعو إليه وأتمناه

تلك الثورات رفعت شعار الديمقراطية والدولة المدنية وجعل الشرعية للشارع وللثوار وطالبت بديمقراطية شبيهة بديمقراطية العالم الغربي "ديمقراطية صناديق الاقتراع" .. وهي ديمقراطية ضمن مفردات مجتمعنا ومعطياته تعني فقط إعادة إنتاج الاستبداد والتبعية ولكن بطرق ناعمة .. اي قادرة على الاستمرار أكثر لأنها على الاقل تبدو شرعية ... وتبدو ثمرة للثورة

ولكن الحقيقة هي أن ديمقراطية صناديق الاقتراع هي تعبير مباشر عن التفاوت الذي قامت تلك الثورات لتناهضه وتثور عليه .. الكل اعترض على أولئك الذين قفزوا على الثورات من فلول الأنظمة المتساقطة والموشكة على السقوط أو من الأحزاب والجماعات الرجعية أو المرتبطة في حالات ما .. ولنا أن نسأل : لماذا يستطيع البعض وليس البعض الآخر القفز على هذه الثورات ... الحقيقة هي أن التفاوت لم يعالج ضمن الثورة وبالتالي أعيد إنتاج الوضع نفسه ..

الاستبداد العادل ليس استبدادا فرديا بل استبداد طليعة أو نخبة تضطلع بمهمات التغيير الاجتماعي الاقتصادي وتفرضها فرضا ..

حسم الأمور في الشارع وجعل المشاركة عامة يجعل الصالح والطالح يشارك ... وهذا يجعل الهدم والبناء واردين معا .. والجماهير تحتمل الغوغاء وأصحاب المصالح الفئوية كما تحتمل المصلحين .. وبالتالي فالديمقراطية شعار براق من الخارج .. لكنه على الأرض مشكلة في مجتمعات رعوية وريعية واستهلاكية لا تزال محكومة بروابط الدم والعشيرة والطائفة وترك الحبل على الغارب فيها ينذر بالتفتيت لا بالتحول إلى دول من طراز فرنسا أو ألمانيا أو اليابان...

وعلينا ألا ننسى أن مرحلة الاستبدادا المستنير التي تسرع وتيرة الإصلاح من الأعلى لا بد أن تكون فترة مؤقتة ... لأن الحرية مسألة تراكمية... وتتغير ضمن هذه المعادلة المجتمعات بحيث تصبح المشاركة ضرورية لا مفيدة فقط ... ولو استعرضنا تاريخ الدول المتقدمة اليوم سنجد أنها استفادت كلها من حالة استبداد مستنير سرعت التطوير فيها ورسخت مبادئ التقدم والعلم والإنسانية قبل مبادئ الديمقراطية والمشاركة ... وتحولت بعد نضوج تلك المجتمعات إلى الديمقراطية التي نراها اليوم .. والتي لا تزال نخبوية إلى حد كبير... فمبدأ العقد الاجتماعي لم يصبح فاعلا في اوروبا الغربية الا بعد الثورة الفرنسية اي بعد حراك طويل نفتقد اليه في العالم العربي

مشكلتنا أن مجتمعاتنا لم تحظ إلا باستبداد من نوع رخيص من أسوأ عناصر المجتمع التي حولت الحكم إلى حكم قلة قبيح أو حكم طغمة ... والحالة المعاصرة الوحيدة في العالم العربي التي كانت قريبة بشكل كبير من الاستبداد المستنير وهي تجربة جمال عبد الناصر تمت محاربتها بشراسة من الداخل والخارج ومن الجيران فضلا عن الفساد الذي طال النخبة ونخرها وسهل القضاء عليها ... ولهذا لا نرى تواصلا بين عمل عبد الناصر وبين من تلاه بأي شكل من الأشكال ... تجربة بورقيبة أيضا تمثل نوعا من الاستبداد المستنير الذي عمل على مستوى واحد من التغيير وهو التغيير الثقافي والاجتماعي ثم تحول إلى حكم قلة ادى الى تردي الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية في الاطراف مما ساهم في احداث ثورة تونس

الداهية الكبرى أيضا هي أن المؤسسات التي تمتلك القوة "الجيش والقوى الأمنية" قامت النخب الفاسدة بشكل عام بربطها بالمال السياسي وبمصالح حكم القلة بحيث لم يعد من الوارد أن تخرج منها نخب عقائدية أو نخب يمكن أن تقلب الوضع لصالح تغيير اقتصادي اجتماعي...

الحاجة ملحة الآن لأن تجلس النخب المعنية بالتغيير الاقتصادي الاجتماعي السياسي المستقل وتفكر كيف يمكنها أن تصل إلى السلطة لتقود التغيير من الأعلى .. لأن ما يجري على الساحة العربية حتى الآن للاسف لا يبشر بالخير ... ومعلش احنا بنتكلم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟