الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة اختراع السياسة فى واقعنا العربى

عماد مسعد محمد السبع

2011 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الدعوة الخاصة بأعادة أختراع السياسية فى الواقع العربى كمدخل لتفعيل عملية التطور الديموقراطى ودمج القاسم الأكبر من الجمهورفى العملية السياسية – تستوجب وقفة للنظروالتأمل .

وتعنى هذه الدعوة - من وجهة نظرالمدافعين عنها – مجموعة الإجراءات المباشرة وغير المباشرة التى يجب أن تضطلع بها الحكومات والمجتمع المدنى والقطاع الخاص من أجل حفز الجمهور نحو ممارسة فعل السياسة وتأكيد مشاركته الجادة فى العمل العام وبناء النظام الجديد .

أعادة أختراع السياسية وفق هذا المفهوم تستلزم التمكين لمفردات البيئة السياسية الأساسية اللازمة لقيام المؤسسات الممثلة فى : هيئة تشريعية منتخبة أنتخابآ صحيحأ , وقضاء مستقل وحكومة خاضعة للمساءلة البرلمانية والدستورية والشعبية , وأحزاب سياسية تعبر عن أيديولوجيات ومصالح محددة فى الواقع .

ومن ثمة فهى تعد أجراءات لإختيارالحرية كقيمة كبرى رئيسية وفق التصور الليبرالى وبهدف تحقيق سيادة الشعب لكى يحكم نفسه بنفسه ضمن أفق يحترم الرأى الآخر وفكرة التعددية التى تقود لتداول سلمى للسلطة .

الجدل بشأن أعادة أختراع السياسة فى الفضاء الإجتماعى العربى ليس بجديد , حيث أثير من قبل بمناسبة سقوط الإتحاد السوفيتى والتحولات التى طالت أوروبا الشرقية من عام 1989 حتى 1991 وصاحبت الأفكار الخاصة بأنتقال أنظمتها الشمولية إلى النمط السياسى الليبرالى الغربى .

فمع ميلاد هذا الواقع السياسى المغاير تقدمت الحاجة لخلق بنية كفيلة بإيجاد تنظيم سياسى لا يقوم على سيادة الحزب الواحد ولكن على آليات سياسية تضمن تمكين الوصول لحلول الوسط بين أطراف متناقضة ومواجهة ثقافة الإحتكار شبه المطلق الذى كانت تمارسه الدولة داخل المجال العام .

غياب ذهنية التسامح القادرة على التأليف بين الإتجاهات المتصارعة دون اللجوء لوسائل الرقابة والإكراه التى أعتادها الجمهور كانت المعضلة التى واجهت هذا التطورالسياسى بأوروبا الشرقية , وكذلك صعوبات تحويل ما يمكن تسميته " بالفضائل المدنية الليبرالية " لقيم وطاقات أجتماعية وبدون أشاعة الفوضى وعدم الإستقرار خلال هذه المرحلة الإنتقالية .

تجربة أعادة أنتاج السياسة بهذه المجتمعات - فى مرحلة مابعد سقوط النموذج السوفيتى – تتفق فى أكثر من جانب مع الدعوات التى تترى الآن بشأن عملية التحول الديموقراطى فى محيطنا العربى على خلفية الحدث الإنتفاضى الجماهيرى المستمر.

فالأنظمة العربية على أختلاف أسس شرعيتها وأشكالها الجمهورية والملكية قامت" بمصادرة وتأميم " المشاركة الفعلية والحقيقية للجمهورفى ميدان السياسة , وذلك لصالح زمروعصب ودوائرمحدودة قبضت على سلطة الحكم وادارة عمليات النظام .

جفاف وبوار بيئة السياسية كان أحد ملامح العقود العربية الأخيرة على الرغم من وجود أحزاب سياسية ومؤسسات وقواعد دستورية – فى بعض البلدان العربية - تنسجم شكليآ مع مقررات التعددية ومبدأ أحترام الرأى الآخر والتداول السلمى للسلطة .

شواهد موات السياسية تجلت فى فقدان الثقة بالنخب السياسية وشيوع اللامبالة حيث أحيط الفعل السياسى بإدراكات وصفات سلبية دالة على التدليس والمواربة والنفاق , كما تحولت الإنتخابات والإستفتاءات – وهى أداة تجديد الشرعية – لمناسبات لتزويرأرادة الشعب وأثبات غياب الجمهورعن أدارة الشأن السياسى .

الحضورالجديد للجماهيرالعربية المنتفضة يعكس رغبة المشاركة فى الفضاء السياسى والمساهمة فى تحديد أولوياته ,لاسيما وأن أجندة الشرائح الشابة التى تقود الإحتجاجات الميدانية تدورحول قيمة الحرية كمطلب أساسى وتؤكد على حق المواطن فى تقريرمصيره السياسى والإجتماعى .

ما يلفت النظر هنا أن عملية أقصاء وأستبعاد الجمهور العربى من ميدان السياسة أمتدت من المشرق حتى المغرب , وكانت نتاجآ لفشل مشروع دولة الإستقلال وأخفاقها فى بناء مؤسسات الدولة والأمة الحديثة القادرة على أستيعاب الجمهورو تحقيق تكامله ومشاركته القومية فى الإدارة والسياسة والشأن العام .

وفى الواقع فأن كافة الوثائق الإصلاحية السياسية والإجتماعية العربية التى كانت تتداول فى مرحلة ماقبل ثورة تونس تعادل بشكل أو بآخر مطلب أختراع السياسية الذى يتردد على خلفية هذه الإنتفاضات الجماهيرية , فقبل وبعد المعطى الثورى تظل الحاجة ماسة لإعادة ضخ المياه المناسبة داخل حوض السياسية الجاف حتى يتمكن السباحون من خوض تجرية العوم .

ووفق قاعدة أن " حدود التوقعات لا ينبغى أن تتجاوز معطيات الواقع" فأن ثمة معوقات ستواجه عملية بناء الفضاء السياسى العربى وبما يضمنه من إعادة ترتيب دورالدولة وتقنين مسؤلياتها وحقوق المواطن وواجباته , فضلآ عن تحديد فروض و شروط المساحة التى ستنشط فيها منظمات المجتمع المدنى الجديد .

كما أن هناك عقبات آخرى ترتبط بعملية أغراء المواطن العربى بممارسة فعل السياسية , فمن خلال مطالعة تجربة أوروبا الشرقية نجد أن الثقافة السياسية الشيوعية رسخت عادات ورموز وقيم أخترقت الحياة الإجتماعية لعقود طويلة دعمت الرابطة العضوية بين السياسية وأفكار المسئولية والعدالة والمساواة .

ومن هنا فأن بناء الفكرالليبرالى التعددى فى هذه المجتمعات وجد رصيدآ مسبقآ له فى نسيج الثقافة السياسية الماركسية , وفى روح المسئولية المشتركة والتغلب على الإتجاهات الأنانية للصالح العام وأدراك أن حقائق التهميش والتفاوت الإجتماعى نتاج لممارسات النظام السياسى .

اما داخل الواقع الإجتماعى العربى فأننا نبدأ من فراغ وعراء خلفته أنظمة القمع البوليسية الأوليجاركية التى أنتجت كيانات ومؤسسات وتجارب حزبية سياسية مشوهة لا ملامح لها . ولذلك فأن عملية أعادة أختراع السياسية يجب أن ترتبط بأنتاج أستراتيجية أجتماعية وثقافية ونفسية متكاملة لتغيير الإتجاهات السلبية السائدة والمسيطرة فى هذا الواقع .

فالنموذج السياسى العربى الديموقراطى الذى يروم مصداقية وشرعية الجمهور يجب أن يضطلع أولآ بمهام أعادة تأهيل وتكوين المواطن العربى أقتصاديآ وأجتماعيآ و ثقافيآ وكخطوة مبدئية لإستيعاب وفهم هذا مفردات النموذج ومن ثمة الإلتحاق به والدفاع عنه.

كما أن مجرد التمكين لليبرالية الغربية كمفهوم ومؤسسات وبهدف تحرير واقع الركود السياسى العربى يظل حديث مشوه ومبتسر ومقطوع ما لم ترفده ضمانات بشأن أعادة هيكلة بنية النظام الإقتصادى والإجتماعى تدعم عدالة توزيع الناتج القومى وتؤكد علاج أختلالات توزيع الداخل والفجوات المتزايدة بين الأغنياء والفقراء .

فالقضية الإجتماعية يتعين أن تكون على رأس جدول أعمال هؤلاء المهتمين بأعادة المواطن العربى لميدان الفعل السياسى , فلا ديموقراطية بدون عدالة , ذلك أن حرية هذا المواطن تبدأ من أنعتاقه أجتماعيآ وطبقيآ أولآ , ومن تلبية حاجاته الضرورية فى العمل والصحة والغذاء والتعليم وليس من بطاقة أقتراعه وعضويته الحزبية .

ومن المفيد التأكيد هنا على أن تيار الإسلام السياسى يمثل عائقآضد التمكين للسياسة فى واقعنا العربى وعبر أستيلاء دائرة ( الحرام و الحلال الدينى ) على الفضاء السياسى الوضعى والدهرى , واسباغ هذا التيار لنعوت الكفر والزندقة والخروج عن الملة فى مواجهة القوى العلمانية المناهضة له .

فضلآ أن تياره السلفى بأطيافه المختلفة يختزن عداءآ أيديولوجيآ لأفكار الديموقراطية والتعددية والحزبية على النمط الليبرالى بالنظر إلى الثنائية الضدية التى يعتمدها و يحتكم اليها كمعيارللتمييزبين فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان , وبين حزب الله وحزب الشيطان .

أن دمج هذه التيارات داخل السوق السياسى والإنتخابى التنافسى العربى أعمالآ لمبدأ عدم الإقصاء وأحقية كل فصيل فى أختيار مرجعيته ينطوى على مخاطر يتعين الإنتباه اليها . أذ يتعين الزامها بمفردات اللعبة السياسية الديموقراطية القائمة على مقررات الدولة المدنية وعدم التمييز الدينى وقواعد المواطنة , وبأن تقدم الضمانات الكفيلة بعدم نكوصها على هذه القواعد والآ يكون صعودها للسلطة هوالتجربة الديموقراطية الأولى والأخيرة .

وأيا ما كان الأمر , فأن أعادة أختراع السياسة فى واقعنا العربى باتت عاجلة وملحة , ويحسب للحدث الجماهيرى الثورى القائم فضل طرحها للنقاش واثارت الجدل حولها فى هذه اللحظات الفارقة من تطور حياة مجتمعاتنا العربية .
عماد مسعد محمد السبع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقترح الهدنة.. إسرائيل تمهل حماس حتى مساء الأربعاء للرد


.. إسرائيل تهدد بمحاربة حزب الله في كل لبنان




.. جون كيربي: ننتظر رد حماس على مقترح الاتفاق وينبغي أن يكون نع


.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار




.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ