الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأنّ العصفور نافذة مسدلة

ريبر يوسف

2011 / 7 / 16
الادب والفن


إلى درعا



ساكناً، كحدث يتحينني, فيلمني حول نفسه بشراهة الأعمى ـ يد الأعمى بصيرتي ـ يرتطم بنافذة عالية جداً حتى لم يعد في وسعي التنبؤ بما سأشرد فيه بعد هنيهة. (ما يشد بالي عادةً يأخذ في زفرتي قسطاً من اللاسكينة). يخال لي ـ أبداً يخال لي ـ حدثٌ يأخذ بيدي كأنه يستدل العتمة المحاطة بي وحسب لحظتها، الآن ـ أبداً تحوطني العتمة إلى الدرجة التي تجعلني فيها مراقباً للنورـ إلى جسدي الذي ينتقد العتمة كمن يخاطب جداراً لم يتعب بعد، ـ التعب سمة وليس فعلاً.
الشاب الـ في جواري يأخذ حركة الالتفات في رأسي إذ يضغط بنبرة عابرة ـ كأنه عابر ـ على نبرتي المتأقلمة. لا أشاهده ـ العصفور، الآن، لا أشاهد النافذة العالية إذ يرتطم بها (هذا الكون نافذة، في كل خطوة لي نحو الغد أفقد خواصاً وجزءاً من ذاكرتي كأنني أرتطم بما لا أراه أبداً). أسير، رباه.. في كل هذا الحزن في هذا الاغتراب كله أعبر شيئاً ـ دائماً أعبره ـ حتى لم تخيّل الحياة لي مفصولة عن جراحها أبداً. تفوّق المرء على الزمن انحساره عن جرح ما. الطائر الصغير الذي أنظر إليه بعينين مستعارتين من قلقي عليه لم يشاهد النافذة العالية، بل ربما خيلت إليه حدثاً ما لم يك شارداً فيه الطائر الصغير ـ هذا الطائر الذي لا يقوى على حركة إلا الجزء البسيط من جناحه البسيط كحكاية النساء لحظة الغروب، مرتمياً على العشب، البسيطِ كحكاية النساء لحظة الغروب، أنظر إليه بعينين مستعارتين من خيبة، هذا الطائر الذي ليس في وسعي إنقاذه ينبهني أني ما زلت على قيد الحياة، أتلمس نبضات قلبه مزهرة على جناحه البسيط.
الشاب الـ في جواري يقول: "لم أشاهده يرتطم بالنافذة".
وأنا أشاهده، الآن، إذ لم يعد في مقدوري إنقاذه، لذلك أطلقت عليه اسم (درعا). يد الاغتراب تسفن سريرتي. هذا الطائر الصغير سقوطه جعلني ألحظ بأن ثمة نافذة في الأعلى مغلقة. أبتعد عنه لأختبر قلقي عليه، طائر يكبره حجماً وعافية ـ هذا ما يتنبه إلى شرودي فيه، لكل شرود حجم ـ ينحسر عن صف الأشجار المقابلة للمبنى الشاهق، لا أعرف بالضبط من أية شجرة هبّ الطائر هذا لذلك ألوّنها ـ هذه الأشجار، بنظرة واحدة من عينين مستعارتين. العاطفة حالة جمعية. يحط إلى جانب الطائر الصغير طائري الذي نسبته إلى نفسي مذ التفتت حيث الاغتراب، خيّل إلي للوهلة الأولى أنني أنظر فيهما بعينين مستعارتين من الطمأنينة، لذلك أقول في نفسي الآن:"سينقذني الطائر الكبير، هذا الطائر الذي هبّ من صف الأشجار المقابلة لخوفي الشاهق.. أركض صوب طائري إذ ينقر فيه الطائر الكبير ـ أسميه الطائر الكبير الآن ـ كشششش هشششش ششششش شششششش. (الطيور تأكل بعضها) ما أصعب الطيران. تُرى, ألهذا لا يسع الكائنات جميعها التحليق؟
أحصي ريش طائري، الريش الذي سرعان ما استقر على العشب كأنه عاطفة شخص مضى قبل لحظة.. كأنني نسيته تماماً ـ هذا الريشَ، متناثراً حول طائري الصغير ـ منبّهي وموقد نافذة في صلبي. (أتصل بصديقتي (يسرا) ومن ثم بأخي فأجد طريقة ما لإنقاذه، أستوقف شاباً يمر بجانبنا، أتحدث إليه بلغته الأم، يجيبني:" البوليس لا يأتي في نجدة طيور بهذا الحجم") ومضى بخفة كأنه غاب في صف الأشجار التي لوّنتُها بنظرة واحدة..
أصابعي تحمرّ.. تشرق من وراء جسدي، ما أراه جبلٌ يسد الرغبة بين ما أرنو إليه وبين دهشة مؤجلة ـ تتهيأ لي شكلاً غريباً لذلك أصفها بالمؤجلة.
لن أحمل العصفور إلى غرفة الشاب الصاعدِ تعبَهُ.
ألتهي بأحداث تصنعها الأشياء المتناثرة ـ كأنها طيور صغيرة ـ خلل الغرفة هذه، أجاور تعبي.. أهبط الدرج، أسبق ريح خطوتي.. تبتعد الأرض شيئاً فشيئاً عني كأنني أبكي إلى جانبي، تتغير نبرة خطواتي؛ أغيب الآن في صف الأشجار التي لوّنتها بنظرة واحدة،ـ ما أراه أخضرَ الآن هو ريش طائري. أنا حكمة تملك جناحين لا يقويان على حملي.

ــــــــــــــــــــــ
برلين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر