الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر الحكم العسكري

عماد عطية

2011 / 7 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قراءة في المشهد السياسي الراهن
مخاطر الحكم العسكري
1. بعد أن وعدنا المجلس العسكري بانتقال سريع للسلطة إلى برلمان ورئيس منتخب يبدأ بالاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس الماضي تعقبه انتخابات برلمانية في سبتمبر تتلوها انتخابات رئاسية في ديسمبر، فاجأنا في الإعلان الدستوري بتعديل للمادة 198 يلغي وجود رئيس للدولة لأجل غير مسمى. قرار المجلس بالبقاء في السلطة لفترة طويلة وغير محددة لم يلفت انتباه أحد وسط المعارك الفضائية حول الدولة المدنية وأولوية الدستور أم الانتخابات، ولم يعترض عليه أحد، بل على العكس استمرت القوى السياسية في تقديم المطالب للمجلس كأن بقاءه في السلطة أمر ليس فقط بديهيا، بل ومطلوبا.
2. كنت واحدا من كثيرين اطمأنوا لوعود المجلس بسرعة تسليم السلطة لرئيس وحكومة مدنية منتخبة. كان الاعتقاد وقتها أن تسليم سريع للسلطة سيضمن للمجلس من جهة الحفاظ على النظام الاستبدادي القديم بأقل تنازلات ممكنة، فضلا عن أنه يقي الجيش نفسه من مخاطر الانغماس في ممارسة سياسية في لحظة ثورية تموج بحركة الملايين من البشر، كما أن الأوضاع الدولية في العصر الراهن لن يمكنها الترحيب بحكم عسكري، وهي الأوضاع التي لا يمكن للمجلس العسكري تجاهلها في ظل ارتباطاته الوثيقة بالحليف الأمريكي مصدره الوحيد للتسلح والتدريب، وأيضا بحكم تشابك علاقاته الاقتصادية بالمصالح الرأسمالية المحلية والعالمية.
3. الاطمئنان لوعود المجلس لم يعد له ما يبرره في ضوء التطورات المتلاحقة على الساحة السياسية، فالمجلس لم يؤجل فقط انتخابات الرئاسة لأجل غير مسمى، بل انه يتلكأ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد الانتخابات البرلمانية، سواء من حيث إصدار قانون الانتخابات أو من حيث إعداد الكشوف الانتخابية وتحديد الدوائر أو لجان الإشراف والمراقبة، والأهم إعداد الشرطة لتأمين الانتخابات. والمؤسف أن أي تأجيل للانتخابات البرلمانية سيبدو أمام الشعب وكأنه استجابة لمطلب القوى السياسية الليبرالية و اليسارية.
4. تبدو المسألة الأمنية هي الأكثر أهمية وجوهرية، ليس فقط من منظور تأمين الانتخابات القادمة، ولكن من ناحية مبرر استمرار المجلس العسكري في السلطة والجيش في الشوارع. من ناحية تتردد معلومات عن مطالبات من أطراف متعددة تناشد المجلس البقاء في السلطة، ليس فقط من قوى سياسية بل وأيضا من جماعات تنتمي للنظام القديم وشرائح من الطبقة الوسطى والعليا وقيادات مسيحية. ومن المنتظر أن تزداد المطالبات الشعبية باستمرار الحكم العسكري في الفترة القادمة، فلقد أحبطت مظاهرات الجمعة 8 يوليو وما أعقبها من اعتصام، محاولات إعادة جهاز الشرطة دون تغيير جذري في تكوينه وممارساته مع الجماهير، وذلك في أعقاب "البروفة" التي قامت بها قوات الأمن يوم 28 يونيو الماضي.
5. غير أن إنهاء الحكم العسكري المباشر ومظاهره يرتبط أيضا، من وجهة نظر المجلس العسكري، بضرورة تواجد سياسي قوي في المرحلة المقبلة – عبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية – للقوى المحسوبة على النظام القديم، والذي يمثل بالنسبة للمجلس العسكري ضمانة ضرورية لخروج آمن من السلطة والحفاظ على الوضع المتميز للمؤسسة العسكرية من ناحية انعدام الرقابة على ميزانيتها وأرباح شركاتها، وربما زيادة دورها في الحياة السياسية كما بدا من المشاريع العديدة لبنود دستورية تضعها فوق كل مؤسسات الدولة. غير أن استمرار الحركة الجماهيرية النشطة وحل المجالس المحلية الشعبية بحكم قضائي، واحتمال أن يلحق بها اتحاد العمال الحكومي بحكم آخر، يجعل فرصة إعادة إحياء النظام القديم بدرجة تجعل له دورا مؤثرا في الحياة السياسية أمرا مستبعدا.
6. هكذا تتزايد المبررات لتعاظم الميل داخل المجلس العسكري لاستمرار القبض على السلطة لفترة قد تطول. والاحتمال الأكبر أن تأتي نتائج انتخابات مجلس الشعب القادمة بما يدعم هذا الميل، سواء من حيث التوقعات بانفلات أمني واسع النطاق خلال فترة الانتخابات، أو من حيث نتائجها المتوقعة، والمقصود هنا تأكيد توازن الضعف بين جميع أطراف العملية السياسية والذي يجعل من دور المجلس العسكري كحكم بين هذه القوى لا غنى عنه. المجلس هنا لا يكتفي بدور المراقب ولكنه يتدخل بالمراسيم بقوانين ووسائل أخرى لتغيير الخريطة السياسية وتغليب هذا الطرف أو ذاك، حسب الحاجة.
7. موضوعيا، لا تستطيع المؤسسة العسكرية بحكم طبيعتها المضي بعيدا لا في القضاء على النظام الاستبدادي ولا في اتجاه التحول الديمقراطي، ولا تستطيع أن تذهب بعيدا في محاكمات الفساد دون أن تطالها هذه المحاكمات، ولا تستطيع أن تذهب بعيدا أيضا في محاسبة المجرمين في جهاز الشرطة للأسباب نفسها، فضلا عن حاجتها لهذا الجهاز – بطبيعته ذاتها – للحد من تصاعد الحركات الجماهيرية وقمعها. وعندما يصبح استمرار الحكم العسكري ضرورة – من وجهة نظر المجلس العسكري – فيمكننا أن نتوقع تدخله لتأكيد هذه الضرورة، تارة بالحجة البليدة القديمة، مصر مستهدفة، فتخرج حكايات عن جاسوس إيراني ثم إسرائيلي ثم أربعة أمريكيين معهم مترجم يصورون المجرى الملاحي لقناة السويس!!! في نفس الوقت الذي نشهد فيه في شهور معدودة أربعة تفجيرات "خايبة" لخط الغاز المصدر لإسرائيل والأردن، وعند الحاجة سنجد المزيد والمزيد من الصدامات الطائفية.
8. استمرار هيمنة المجلس العسكري على السلطة لفترة طويلة قادمة، لا يتعارض مع إجراء الانتخابات البرلمانية ووجود حكومة مدنية منتخبة تحت وصايته، ولا يتعارض مع إجراء إصلاحات ديمقراطية بطيئة ومحدودة تحت ضغط الحركة الجماهيرية، مثال ذلك قانون الأحزاب وقانون النقابات العمالية. ولكن انجاز تحول ديمقراطي عميق يتطلب التوصل لصيغة للتعايش بين القوى السياسية الديمقراطية من جانب وبين القوى السياسية الإسلامية من الجانب الآخر. فهذا وحده، يتيح فرصة إصلاح ديمقراطي حقيقي يبعد الجيش عن السلطة.
9. التوصل إلى صيغة للتعايش بين الإسلاميين ومعارضيهم، لا يعني تحالف ولا قوائم انتخابية مشتركة من النوع الذي يقترحه الإخوان، بل يتطلب، وفقط، الاتفاق على مبادئ احترام أسس النظام الديمقراطي (الحريات العامة والخاصة، والمساواة التامة بين المصريين) واحترام نتائج العملية الديمقراطية، أي الانتخابات. ولكن بقدر ما تبدو هذه المبادئ بديهية ويصعب الاعتراض عليها، بقدر ما تبدو عملية التوصل لهذه الصيغة للتعايش المشترك صعبة ومعقدة، فبدلا من ذلك يندفع الجميع لمزيد من الاستقطاب والتناحر الذي يشجعه ويرعاه المجلس العسكري.
10. لم يتعلم الإسلاميين شيئا من التجارب السابقة، ويدفعهم الاستقواء بالمجلس العسكري لمحاولة الانفراد بالساحة، في حين تؤكد التجارب السابقة، عام 1954 مثلا، أن الانفراد بالساحة يعني عمليا الاستفراد بهم!! ولكن على الجانب الآخر أيضا مازالت هناك أصوات كثيرة تتصور أنه لا يمكن بناء الديمقراطية إلا باجتثاث مستحيل للإسلاميين!! وبين هذا وذاك تزداد فرص العسكر لفرض هيمنتهم على الجميع وتتقلص نتائج الثورة إلى حدها الأدنى، وتحرم مصر من فرصة تاريخية لانجاز تحول ديمقراطي حقيقي.

عماد عطية
16 يوليو 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة