الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس سرقة فاشلة

عادل الخياط

2011 / 7 / 17
الادب والفن


أغلق الباب وقفله بالمفتاح وهو يلهث , ثم إتكأ عليه وهو يلهث , ساندا رأسه , مُغمضا عينيه , ليُوحي للناظر من خلال ذلك اللهاث المتناوب على صدره أن ثمة جِنياً خرافيا كان يطارده ! .. لبث على ذلك من ثلاث إلى خمس دقائق . هل هي غفوة خوف أم أمان ؟ .. وحين فتح عينيه داهمه فزع مفاجئ , إذ الظلام نفس الظلام , فإنتفضت يده بسرعة نحو سويج المصباح وضغطته فلم يشتعل , أخرج عود ثقاب وشعل الفانوس المُعلق قرب عتبة الباب فإنفرجت مُكونات المكان على تدرج الشعلة الشُبه خافتة . جال ببصره في أنحاء المكان بفضول وكأنها ليست غرفته التي يسكن فيها منذ زمن طويل ! جلس على الأريكة , ثم نهض وجلس على السرير . حاول أن يمسك الذي يدور في رأسه , لكن الأحداث كانت تأتي وتزيغ هاربة . حاول ترتيبها منذ إنتهائه :" نزلنا السُلم , إجتزنا منتصف الشارع , ثم ركضت بدون أية ملاحظة منهم .. بعدها .. لا فائدة , لا أقدر , رأسي يكاد ينفجر !" .. نهض , تمشى مكدورا .. نظر ملابسه . كان الوحل يرتفع معه حتى هامته . دمدم :" من حسن الحظ إنها لم تأتي بغير هذا ." ثم إتجه إلى الدولاب وغير ملابسه , ثم إنتبه إلى زجاجة شراب في ركن الدولاب , جلبها ودار كأسا , ولم يشربه , وضعه على طاولة صغيرة , وجال ببصره مرة أخرى .. حتى إستقرت عيناه على باب الغرفة .. تذكر ذلك الشخص :" حقا , كيف أمنت ذلك الشخص إلى تلك الدرجة من الثقة , هل كان فِعلي فِعل إنسان عاقل , أبقى عنده أكثر من ساعة , وأعطيه عنواني كاملا ." ثم سكت وقد بدا إن رأسه قد إحتواه شيء ما , وبالفعل , فقد تساءل بعد برهة :" حقا إنه أمر غريب , لماذا فعل ذلك , شيء لا يُصدق , يُومئ لي من النافذة , ثم ينزل ويفتح الباب ويصحبني إلى بيته ويُهدئ من خوفي وتوتري ثم يطلب مني بعد فترة عدم الإنصراف خوفا من إنتظار الشرطة ؟! " . حاول أن يجد تفسيرا مُقنعا لسلوكه معه :" ربما يريد أن يستغلني لأشياء خاصة به , فمحتمل إنه باحث إجتماعي ويريد أن يعمل بحثا من نوع ما علي ." لكنه إستبعد وإستسخف الفكرة :" لكن بحث من أي نوع , فقد صحبني إلى بيته وهو لم يعرف شيئا عني , لم يعرف عن السرقة , والدليل إنه سألني عن التفاصيل لاحقا , وعندما أخبرته إن الشرطة لاحقوني لمجرد إنني حاولت مصالحة صديقي في الشارع فأخذ يصرخ, لعنَهم ولعن أفعالهم . " ويستطرد في إستبعاد الفكرة :" كذلك أي باحث هذا الذي لا تحتوي مكتبته إلا على كتاب مُزركش واحد وبضعة ملفات ومجموعة صُور مُؤطرة لأشخاص ملتحين ." وصمت مستغرقا .. ثم عاود المخاض من بُعد آخر : " نعم , هو محتمل يريد أن يستغلني , ولكن من حيز آخر , فمن المحتمل انه تاجر مخدرات أو شيء من هذا القبيل , ويعكس ذلك بيته الضخم الذي يسكن فيه ."
ثم تداخلت الهواجس في رأسه فقادته إلى شريكه في السرقة " مُراد " , فأخذ يتساءل :" ومُراد هل مسكوه ؟ لا شك إنهم مسكوه , ومسكوه مصابا , فقد كانوا على مقربة منه وهم يصيحون عليه :" توقف .. توقف وإلا أطلقنا النار ." . ثم تداعت الوقائع أكثر :" لكن كيف أصابوه وقد سمعتهم يقولون أثناء إختفائي في حديقة منزل ذلك الشخص :لا فائدة , لقد إختفى , لا أعرف إن كانوا يقصدونه أم يقصدوني أنا ؟!" .. وبجزع تواصل هرش رأسه :" لو يأتي , لو أعرف مكانه , هل أذهب إلى هناك لأتفقد عن بُعد , قد يكون ... ." .. وعندما تعِب رأسه من كثرة الفسخ على ما حدث ضربه بالجدار ونهض وهو يُؤمل نفسه بقدوم " مُراد " ليرى ماذا سيفعل معه غدا .. جلب زجاجة الشراب وجلس محاولا أن يقتل الإنتظار بالشرب .. فلم يقدر , تناول كِتابا وأخذ يُقلبه .. أيضا لم يستطع .. نهض , أخذ يذرع الغرفة جيئة وذهابا .. في لحظة طرأت له فكرة تغيير أماكن محتويات الغرفة , فنقل السرير إلى مكان الأريكة , ونقل قمارة رفوف الكتب إلى جهة أخرى , ثم عَلق لوحة لسلفادور دالي كان قد حصل عليها ذلك اليوم .. بعدها أخذ يتملى في الوضع الجديد .. لكن دون جدوى .. فعاد إلى ذرع الغرفة بالمشي وبتوتر أكثر , وإسترسل على ذلك حتى بلغ إتقاد الجمر في رأسه الذروة !! فإتكأ على الجدار . مضت برهة على ذلك .. فإحتواه قليل من الإسترخاء .. إختلطت الهواجس بين مُراد والشجرة والشخص الذي أنقذه من الشرطة , فقال : " لا بد من إسترخاء أكثر , سيشل الإضطراب تفكيري تماما إذا بقيت على هذه الحالة ." .. إتجه إلى الأريكة وجلس بتراخ , ثم شعل سيجارة وشرب كأسا .. فبدا أن الجمر قد أخذ يهفت في رأسه , مضى على تلك الحالة وقتا .. إلى أن طرأت فكرة الخروج والذهاب لحديقة المنزل لجلب النقود المدفونة قرب الشجرة , قلَبَ الأمر يمينا شمالا : " هذا هو أفضل وقت للذهاب , الجميع خلدوا إلى النوم الآن ." ونهض , وقبل أن يفتح الباب , طرأ شيء نقيض :" لكن يجب أن أنتظر , لا بد من وضع خطة لذلك , الذهاب الآن ربما يُوقعنا في ورطة ." . رجع وجلس , ثم عاد إلى الشخص المُنقذ :" يا ترى هل أحس إنني لص ؟ لا أعتقد , لو أدرك ذلك لسلمني إليهم ."
وتتواصل متوالية الجزع :" يا لهذه المصيبة , لو يطلع الفجر , أكاد أُصاب بالجنون , لكن كيف لا أجن , لو ضاعت النقود ستحل كارثة عليَ وعلى مُراد ." .. هل ثمة " طنطل " كان من الممكن أن ينتشله من ذلك الوضع ؟.. شعل سيجارة ونهض متجها إلى النافذة : كانت مصابيح المدينة مطفأة إلا بعض الفتوق المضيئة في الأفق المُعتم ! فتح النافذة فإستقبله هواء رطب ورذاذ مطر .. أيقن حينها إن مُراد لن يأتي بعد ذلك . توغل أكثر في عالم صديقه مُراد , فإحتواه تصور لم يكن جديدا , لكنه برز فجأة :" كيف تصورت عدم حضور " مُراد " الآن وفي المرة السابقة عندما إعتقدته مُصابا , فقد كفرَ بالوجود كله نتيجة العوز الذي كان يترنح تحت وطأته , إذن فهو إما مات من أحدى الإطلاقات التي أطلقوها عليه , أو إنهم أمسكوا به بعد إصابته ."
أغلق هذا الإعتقاد أي بصيص أمل بعودة " مُراد " , فعاد إلى الأريكة ورمى بجسده عليها وقد خيم عليه ظلام مُطبق .. لكن بعد هُنيهة ظهر إعتقاد معاكس :" لكن إذا كانوا قد مسكوا به , فمن الطبيعي سيشهد علي بعد معاينة المكان المسروق ." ويرتد إستفسار :" وكيف يعرفون المكان المسروق ؟ .: لا بُد إنهم عرفوه , فقد شاهدوكما تهبطان سُلم البناية , والمحتمل الأكثر توقعا أن " مُراد " يعترف ويشهد عليك أيضا ..: هذا صحيح .. : وإذن يجب أن تختفي في مكان غير مكانك هذا ."

إذ ذاك غلق النافذة بسرعة , ثم هام يبحث عن المفاتيح مضطربا , وفي اللحظة التي إلتقطها من على الطاولة زاغت عيناه بإتجاه الساعة الجدارية , فوجد الوقت يقترب من الرابعة , فإنتابه بعض الهدوء , ثم أخذ يُطلق بعض التبريرات :" لكن مضى وقت طويل , لو كان مُراد وشى بي لكانوا قد داهموني منذ وقت مُبكر ." وأضاف بقناعة أشد :" لا , لا , لا شك إني أبالغ كثيرا , لا بد إن مُراد أيضا إنتابه بعض القلق عليَ , مثلي تماما , ويخاف أن يأتي الليلة ." .. وبسخط :" آه .. اللعنة على الشرطة , لماذا يطاردوننا يا ترى , هل جريمة أن نأخذ جزءا من ملايين أولئك المُتخمين ." ثم عاد ورمى بجسده على السرير , فسرى في عروقه وصعد إلى رأسه موج من الخدر , غفا برهة .. فأيقظته دقات الساعة الجدارية مُعلنة الرابعة ليلا , فلعنها ونهض , جلب وسادة وإنطرح محاولا النوم .. لكن عبثا .. فبعد فترة من التقلب .. نهض وجلس جلوسا غير مستقر . أية سموم تغل أنفاسه , حتى النوم ذهب عنه !

إستقرت عيناه في تجوال جديد على زجاجة الشرب , فقرر أن ينفض النصف الباقي حتى يطلع الفجر , وجلس يشرب ويتصفح بالكتاب .. وبعد برهة غلبه النوم , فسرح جسمه على السرير وغاب في غفوة ما صحا منها إلا على وقع طرق شديد على الباب ! فتح عينيه ونهض فرأى ضوء الشمس يملأ الغرفة . كان المفعول لم يزل في طلعته وسلوكه : نصف عين وبقية الرعيل في المجهول .. بدا عليه إن رُكام الأشياء التي أرقته طيلة الليلة الماضية غدت خلف المتناول العقلي , فأرجع رأسه إلى الوسادة , إتضح من فِعله هذا إنه يود أن يغفو إلى الأبد !؟ .. غير انه بعد برهة نهض , تمعن الأشياء حوله فرأى مظروفا صغيرا قرب الباب , مشى إليه يجر خطواته بتثاقل , إلتقطه وفتحه , كانت ثمة " نُوى - حبات فاكهة " داخل المظروف وكلمات مخطوطة على ورقة
تقول :" يبدو انك يا سيد سعيد لص ساذج , لم تتعلم أصول السرقة على أسس صحيحة , فالسرقة لها قواعد وأصول ليس أي شخص يتقن فنونها إلا الذين تمرسوا عليها طويلا في مخاض الحياة , ولذلك فإن النقود التي دفنتها قرب الشجرة في حديقة منزلي أصبحت من حصتي , أنا الشخص الذي أمنتك من الشرطة ,تستطيع حسابها على أساس عادل : أمنتك من الشرطة وإستوليت على النقود , هي هكذا الحياة , الحياة فُرص كما يقولون , أتمنى لك فرصة أخرى بشرط أن لا تقع في طريقي !

المُوَقع : رئيس مجلس المحافظة "

صعقتهُ الكلمات , سقطت الورقة والنوى من يديه دون وعي .. ورجع يُجرجر رجليه مبهوتا , وعلى تلك الحالة أخذ يدور في الغرفة مثل المجنون .. ثم وفي لحظة أطلق صيحة قوية بأعلى صوته :" أين أنت يا مُراد .. ضاعت الفلوس .. فإرتد عليه صوت مُراد مُدويا في فضاء رأسه :" كيف ضاعت يا مجنون , كيف , كيف .. كيف .. وقهقهة رئيس مجلس المحافظة تتمازج مع صيحات الندم والضياع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال