الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينمائي كاظم الصبر: إنها كارثة كبرى حين تكون لدينا سينما، لكل طائفة. و السينما منتج جماعي ، لا يتعلق برغبة مبدع واحد. إنها تكنولوجيا متطورة على الدوام

جاسم العايف

2011 / 7 / 17
الادب والفن


عُرف "كاظم الصبر" في الوسط الثقافي البَصّْري باهتماماته السينمائية. وقد انعكست على نتاجاته القصصية،القليلة، التي نشر بعضها في بداية السبعينيات ، إذ ساهم في مجموعة ( 12) قصة بَصّرية بحلقتيها ،عامي 71-72 . حصل على زمالة، لدراسة السينما خارج العراق. وتخرج في أكاديمية الفنون السينمائية والمسرحية/ بوخارست /رومانيا/. بعد عودته ، ولمواجهة البطالة و متطلبات الحياة اليومية ،عمل بمكتب تسويق جريدة " طريق الشعب" في بغداد.غادر العراق، متخفياً،أواخر السبعينيات. وعمل أستاذاً للسينما في/ المعهد الملكي لتكوين الأطر / وزارة الشبيبة والرياضة/ في المملكة المغربية،وفي التلفزة المدرسية المغربية، مخرجاً ، وأستاذا لمادة السيناريو.اخرج لحساب (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة)عدداً من الأشرطة السينمائية الوثائقية منها :
ـ تاريخ العلوم عند المسلمين .
ـ العمارة الإسلامية .
ـ المخدرات هروب إلى الجحيم . 35 ملم. كتب سيناريوهات هذه الأشرطة الشاعر الراحل مصطفى عبد الله. أعد لحساب "شركة البيت المغربي" الأشرطة السينمائية التالية :
ـ مشاكل الشباب المسلم.
- العادات والتقاليد الإسلامية .
- الفن التشكيلي الإسلامي . كما اخرج لحساب منظمة الطفولة العالمية (اليونيسيف) خمسة أشرطة وثائقية حول موضوع البستنة المدرسية، وسلسلة وثائقية من" 10 أشرطة "عن "الحصان" لوزارة الفلاحة المغربية. كما اخرج شريطا وثائقياً عن الفنان التشكيلي المغربي (فؤاد بلامين) وكذلك شريطا وثائقياً بعنوان( ارض مقدسة)عن آثار مدينة شاله المغربية وكتب سيناريو فلم( 35 ملم )،كارتون من إنتاج المركز السينمائي المغربي، وأنجز مونتاج السلسلة الرياضية (أبطال من ذهب) بُثت من تلفزيون وراديو (العرب- Art ). صدرت له عن دار نشر الإمارات / أبو ظبي/ رواية للفتيان بعنوان (ياسمينة تهزم القراصنة ).كما صدرت له، عن دار نشر/الحرف / القنيطرة- المغرب/عام 2008/رواية أخرى للفتيان بعنوان"الأسيرة".عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق منذ السبعينيات.
* كيف أنت بعد أكثر من ربع قرن على مغادرتك العراق مُجبراً؟.ماذا جرى لك بعد عودتك من رومانيا متخصصا بالسينما؟.وما لذي تراه، في بصرة الآن؟.
- اشكر لك أيها الصديق العزيز ، على هذه البادرة ، التي اعترف إنها تمثل ضغطا نفسيا كبيراً يتمثل في الكيفية التي سأكون عليها أمام الأصدقاء/ في البصرة/ بعد كل الأعوام التي فارقتهم فيها ، انه مأزق كبير لي، وربما للكثير ممن اثروا الصمت والانزواء، ولا أتحدث عمن اثروا البقاء في العراق فهم اقدر وأجدر بالدفاع عن اختيارهم . كان المنفى بالنسبة لي مقبرة انطوت على ما بقي من أحلام واندفاعات فضاؤها الوطن. بالنسبة لي لم تكن هناك اشتراطات من أي نوع أو مواصفات لاختيار المنفى أو بقعة الأرض التي يمكنني أن اجهر فيها بإنسانيتي ، لقد وجدت نفسي في آخر ارض عربية من جهة الغرب ، تماما في آخر مكان حيث وجد "موسى بن نصير" نفسه فيه ومن فوق صخرة على ساحله مثقلا بالأسى والإحباط لأن البحر حد من اندفاعه وانه سيتوقف مرغما فلا شيء بقي أمام عنفوانه سوى الماء . صديقنا الشاعر" مصطفى عبد الله" سبقني هنا في غربته التي أسدل عليها الموت ستاراً ثقيلا في العام 1989 في حادث سير مؤلم. كانت صدمتي كبيرة فقد ضيعت وطناً آخر، ضيعت نخلة وارفة ، نهرا متدفقا من الصداقة امتد من مقهى "أبو مضر" صباحا و(دكتها) عصراً ،و العشار وكورنيش شط العرب مساءً.. حتى مصب "نهر سبو" على المحيط الأطلسي في القنيطرة. لقد ألقيت بأحلامي السينمائية الجميلة من فوق جسر على (دجلة)،لا أتذكر اسمه،مباشرة بعد لقائي (بمدير السينما والمسرح) حينذاك، الذي كان مرتاباً طيلة اللقاء معه، كمن يواجه معضلة ويريد أن يزيحها بأقل الخسائر النفسية، حيث اكتشف إنني امثل صفقة خاسرة لمؤسسته في حال موافقته على عملي كمخرج فيها. كان هذا أول لقاء لي مع السينما العراقية ممثلة بهذا الرجل وهو آخر لقاء.لست نادما على شيء، فقط ثمة مرارة تنتابني من وقت لآخر.عزائي أني لست الوحيد الذي عانى من سياسة البعثيين ، وحزني مقيم وطري على شهداء الموت المجاني، في الحروب العبثية وأقبية الأمن والمخابرات والمقابر الجماعية، قد أكون محظوظاً لأني عشت لأرى مسلسل الرعب البعثي واقرأ كلمة النهاية على شاشته السوداء.أرجو ألا يكون الجزء الأخير من سؤالك محض اختبار لمحبتي الأبدية للبصرة ، فان لم يكن الأمر كذلك. فينبغي أن أقرر حقيقة إن البصرة هي شهيدة عراقية بامتياز!؟. ترى هل سيعيد البكاء على أطلالها دورة الزمن الجميل إلى ما كانت عليه ؟.اعتقد أن للبصرة قدراً هي تعرف، أكثر منا ، كيفية التعامل معه.
* لو سلّطنا ضوءاً على السينما العراقية كيف تبدو صورتها لك؟.
- المهتمون بالشأن السينمائي العراقي يتحدثون عن السينما العراقية وفق حيثيات محددة، أهمها الحرص على أن تكون هناك سينما وهي ضرورة بالطبع وأنا انحاز لهذا التوجه إلى حد بعيد لكن الأمر لا يخلو من تعقيدات على مستويات عدة ، لوجستية تتعلق بالبنيات الأساسية، العتاد السينمائي ، المواكبة التقنية ، العنصر البشري،وهو الأهم أو ما يمكن أن نطلق عليه " الموارد البشرية "، ولكن ذلك لا يكفي لصناعة السينما إذا أهملنا شروط العمل في فضاء حر يبتعد عن منطق اللاءات أو التابوات المحددة للإبداع.ما عرَفَتهُ السينما العراقية من انجازات يعد ضئيلا لا يتناسب مع القدرة العراقية ، التي ثبت تفردها وإبداعها. هل نتهم نظاماً معيناً دفع بها نحو الهاوية؟. أو نحاسب فكراً شاذاً أسهم في تقزيمها؟. هذا تبرير فيه منطق مقبول فلو قدرنا الثقل النفسي الكارثي الذي مثلته( 35)سنة من تسلط طال كل شيء فقد يعفينا ذلك من المساءلة التاريخية، واضعين في الحسبان إن السينما منتوج جماعي لا يتعلق برغبة منفردة لمبدع واحد كما إنها تكنولوجيا متطورة على الدوام وسلسلة من العمليات التي تتعلق بالتسويق أي محكومة بمنطق اقتصادي صارم.لهذه العوامل مجتمعة وجدت السينما العراقية نفسها في مأزق قد يستمر لدخول تعقيدات أخرى على الخط ، التطرف والتشدد ، تيارات الإسلام السياسي- الديني، خاصة الراديكالي، وتأثيراته ، الطائفية وخطاباتها الانعزالية الثأرية ، الكل يدرك ما لوسائل الاتصال، من أهمية ودور بارز في هذا الحراك السياسي الذي يدفعه البعض بالاتجاه المذهبي.
*ما الذي قدمه السينمائون العراقيون في منافيهم؟. وعند عودة بعضهم للعراق عملوا ،بالمتاح، أفلاماً ،هل اطلعت عليها؟. وما رأيك فيها؟.
- لم يكن حظ من هاجر من السينمائيين العراقيين بأفضل ممن بقي منهم.ما قدمه السينمائيون في منافيهم ، لم يكن بمستوى ما توفر لهم من ساحات الحرية والعمل وهو تأكيد على إن الإبداع السينمائي مرتبط بالأرض وبالإنسان، بالمعايشة،وبالتاريخ.فإذا حدث وكانت هناك استثناءات فلا يمكن القياس عليها. قد يكون ما قدم مجرد هواجس وأوجاع مبررة يؤطرها الحنين إلى المنبع ولكنها تبقى في النهاية تاريخاً شخصياً لمعاناة منتجيها وموضوعاً يهم نقاد السينما، لا استثني نفسي، ما يتعلق بنشاطي فان اغلب ما فعلته كان إنتاجاً تلفزيونياً بطلب من جهات إنتاجية لها مقاصدها التربوية أو الفكرية ولم تكن لي سلطة في توجهاتها النهائية، أن تكون مسخراً بأجر متفق علية مسبقا أو راتب معين أمر يتنافى مع القدرة الذاتية وحرية الخلق الضرورية لإنتاج عمل متميز. لم يستهونِي التلفزيون مطلقا، لكنه كان الفرصة الوحيدة أمامي . كانت عودة بعض السينمائيين إلى العراق،بعد سقوط النظام، عودة متلهفة للتعبير عن معاناتهم بعد إدراك حقيقي من قبلهم، بان لا سينما عراقية من دون عراق ، وان يعلنوا وبأصوات عالية أنهم أحياء وان قرائحهم لم تجف بفعل الغربة والبعد عن الوطن، فقدم البعض منهم رؤيتهم لبلدهم ممهورة بكل الشوق والحنين الذي حملوه معهم في غربتهم ومنافيهم. نجح البعض في إيصال رسالته فيما اخفق الكثير، المشكلة ليست هنا، لو أخذنا مجموع هذه المحاولات لاكتشفنا الطبيعة الانفعالية في معالجة وضع أصبح عصيا على الفهم عندما استجدت أمور لم تكن في الحسبان ، النظرة الرومانسية للواقع العراقي والتحولات المنتظرة تلاشت حين بدا أن الأفق يضيق شيئا فشيئا أمام الإبداع والمبدعين. الدولة لم تقم بما يلزم ولا يمكنها أن تقوم بدفع عجلة الإنتاج لان لديها من الحيثيات الاديولوجية ما يجعلها عاجزة عن الدفع بالفنون والثقافة إلى الأمام. المسألة الآن رهينة بجهود الفنانين بتأسيس السينما التي في خاطرهم، سينما متحررة من الاملاآت . سينما ترفع التحدي وتجبر الأطراف المتشككة في أهميتها ، وتدفعها إلى تبني الموقف الصحيح.
*هل يمكن أن تقدم لنا تصوراً عن السينما المغربية المجهولة لدينا؟.
- في السبعينات والثمانينات لم يكن الإنتاج السينمائي المغربي كثيفاً، كما الآن، وصل العدد في السنة الماضية إلى أكثر من عشرة أفلام مغربية عُرضت في القاعات السينمائية ، وهذا الكم هو محصلة للسياسة التي التزم بها صندوق دعم الإنتاج السينمائي المغربي، ولكن ثمة زيادة ملحوظة في الإنتاج، مع تقلص مضطرد في دور العرض ، من 250 صالة عرض إلى اقل من 170صالة.السينما المغربية، سينما واعدة بسبب الطريقة المتحررة التي تُعالج من خلالها الكثير من المواضيع التي كانت والى عهد قريب من المحرمات، مثل: الجنس، الدين، السياسة. والأمر مرتبط إلى حد كبير بالحريات المتاحة.ويلعب المركز السينمائي المغربي دورا رائداً في دعم الإنتاج السينمائي ، في المهرجان الذي نظم في مدينة طنجه أثار فيلم "ماروك" الذي أخرجته المغربية (ليلى المراكشي) جدلاً واسعاً،في الساحة الثقافية والسياسية المغربية.وتحول الفيلم إلى سلاح للمواجهة بين (الإسلامويين)،الذين اعتبروه مسيئاً للقيم الدينية، وللشخصية المغربية، وبين اليساريين الذين وجدوا في موقف خصومهم فرصة لاتهامهم بـ"الإرهاب"، ومعاداة الفن والإبداع. بيانات الاستنكار التي تلت عرض الفيلم، لم تمنع المركز السينمائي المغربي من الترخيص لعرضه في القاعات السينمائية العمومية. لم تقتصر هذه الجرأة على المخرجات المغربيات فقط فالمخرج المغربي وجد متنفساً في التعبير عن انشغالات الناس مستغلاً بعض الانفتاح في المؤسسة الرسمية. و تم فتح حوارات بقصد المصالحة ومحو ندوب الماضي. المخرج (حسن بن جلون) نبش في الدفاتر السرية للمعتقلين بفلمه " درب مولاي الشريف" فأطلق العنان لنبش دفاتر أخرى،لما أطلق عليه ً(سنوات الرصاص) أي فترة القمع السياسي في الستينيات والسبعينيات. السياسة شكلت اتجاهاً في السينما المغربية لكنها لم تكن الموجة الوحيدة السائدة. هناك ثيمات أخرى تناولتها السينما المغربية: الهجرة من الأرياف إلى المدن، وما يترتب عنها من أزمات خانقة في المجال الديموغرافي والمعيشي.وموضوع الهجرة السرية وقوارب الموت التي تتهشم قبل رسوها في سواحل أوربا الجنوبية.ثمة مهرجانات سينمائية في المغرب ذات سمعة عالمية. وهناك الاهتمام الشعبي والجماهيري من خلال نوادي السينما التي تعد معلماً بارزا من معالم الاهتمام بالشأن السينمائي المتميز وهي معملاً أولياً لتفريخ المتذوقين وصناع الأفلام في مراحل لاحقة .
*كيف يمكن تصور حجم التأثير السينمائي في العراق وقد أُغلقت دور العرض خوفاً وتحريماً!؟.
- هذا رهين بالحالة التي سيسلكها المسار السياسي للدولة العراقية ومدى ايلائها الاهتمام بالثقافة عموما وحصراً بوسائل الاتصال العصرية وتقديرها لأهمية المنتوج الثقافي - السينمائي اجتماعياً وفنياً، لا باعتباره منتجاً اشهارياً دعائيا بمضامين سياسية وقتية، بل كعنصر ثابت من عناصر خلق الشخصية العراقية المتفاعلة مع محيطها وعالمها المتغير،وأيضاً في ترسيخ القيم الإنسانية ومبادئ الديمقراطية واحترام الآخر وخياراته الفردية والفكرية والسعي بجدية من اجل أن يأخذ المجتمع المدني دوره الفاعل في الحياة العراقية القادمة. إنها كارثة كبرى حين تكون لدينا سينما لكل طائفة وكل عشيرة أو مكون اجتماعي عراقي. ومناظرة وطنية حول الثقافة الوطنية والسينما العراقية أمر لا بد منه لتحديد ملامح المستقبل وتشمل اتفاقاً على مبادئ عامة، تخص الميدان السينمائي،بعيداً عن الأخلاقيات السياسية المتقلبة،كذلك خلق صندوق وطني لدعم الإنتاج السينمائي تتكون مداخليه من اقتطاع جزء من الميزانية العامة للدولة يدعم المشاريع الجيدة التي يتقدم بها أصحابها. كذلك إنشاء مدينة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني على غرار ماهو موجود في مصر أو الإمارات العربية. والتعامل رسمياً مع الفن باعتباره ضرورة وليس ترفا. وإعادة النظر في قبول المتقدمين للدراسة في المعاهد الفنية وخاصة معاهد السينما، كذلك تجديد المناهج وعصرنتها والتزود بالإمكانيات والأطر المتخصصة، فمن غير المعقول أن يصبح ولوج هذه المعاهد هو البديل المضمون لغير المؤهلين.وليس معقولاً أن تضع، هذه المعاهد والكليات، في أولويات أهدافها تخريج معلمين واساتدة لمادة التربية الفنية فقط.وإقامة المهرجانات السينمائية الوطنية وخلق مهرجان دولي، فهذه المهرجانات هي مدارس خبرة متنقلة.
* اجري هذا الحوار ،عند زيارته البصرة مؤخراً.

تقديم وحوار/جاسم العايف *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز