الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤامرة الكبرى - سوريا

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2011 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


طبيعي للغاية أن يزخر تاريخ الدول والشعوب بالأحداث التي ينطبق عليها مايسمى اصطلاحا ً بالمؤامرة. إن حياة الأفراد عبارة عن حلبة صراع يومي بين قوى الخير وقوى الشر الكامنة فيهم. فنحن في النهاية بعيدون عن صفة النبوة والعصمة! نحن بشر ٌ عاديون تتنازعــنا أهواءنا ورغباتنا وغرائزنا. وتبقى غريزة البقاء الغريزة الأقوى والأهم فينا. قلائل للغاية هم البشر الذين ينتصر الخيرُ فيهم ويأخذوا جانب العدل والإنصاف بخاصة ٍعندما يكون لهم ثمة مصلحة كامنة في الدفاع عن موقف ٍ مخاتل ٍ ظالم ٍ ما أو عمل لاإنساني كانوا شهودا ً عليه بشكل أو بآخر. وما أسهل فلسفة الأمور وتفسيرها تحت أي عنوان أخلاقي وتمويهها كي نستطيع تبرير موقفنا المجانب للحق والمخالف له، صراحة ً أحيانا ً، أمام أنفسنا أولا ً ثم أمام الآخرين. أما على صعيد الدول فالأمر مختلف نوعا ً ما، شكلا ً، لكنه متطابق من حيث الجوهر. فلقد اتفق الجميع منذ أور وأوروك وماري وإيبلا وروما وقرطاجة وسواها... أن الدول تدافع عن مصالحها أولا ً وثانيا ً وأخيرا ً. وهي أيضا ً، كما الأفراد، تدافع عن مصالحها تحت مسميات وذرائع أخلاقية مختلفة. كالدفاع عن الذات ضد الهمج والبرابرة أو نشر مفاهيم العدالة والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان إلخ... فلا يستغربن أحد، مثلا ً، أن اتفاقية القاهرة 1916 أو ما عرف فيما بعد باسم اتفاقية سايكس بيكو كانت تهدف أولا وآخرا ً للحفاظ على مصالح ومكتسبات الدول الكبرى في حينه، فرنسا وانكلترا وروسيا وذلك من خلال تقاسم تركة العثماني المريض المشرف على الهلاك. ينطبق مصطلح المؤامرة تماما ً على هذه الاتفاقية من حيث الشكل والمضمون. فهي ضد مصلحة الشعب الأصلي، خطط لها سرا ً في الخارج ونفذت قسرا ً بالسلاح عندما نضجت العوامل والمكونات. وما هذه الاتفاقية إلا غيض من فيض المؤامرات التي مورست على الشعوب والدول!
تحاول وسائل الإعلام السورية مستميتة ً تصوير مايحدث اليوم في سوريا على شكل مؤامرة كبيرة. تهدف إلى تفتيت الكيانات السايكس بيكوية الموجودة حاليا ً إلى كيانات أصغر. وقد قالت الكاتبة السورية المعروفة كوليت خوري إن ما يحدث اليوم هو مؤامرة كونية على سوريا وليس فقط مؤامرة دولية. أي أن المتآمرين تجاوزا حدود الكوكب الأزرق ووصلوا إلى فضاءات أخرى مازالت غير معروفة حتى ساعة تحرير هذا المقال. هي المؤامرة إذاً. والهدف منها أولا ً التفتيت بعد التقسيم... ثم قطع الشرايين المغذية للمقاومة اللبنانية الشريفة المقاتلة في جنوب لبنان وأخيرا ً وليس آخرا ً منع النظام السوري الحالي من ممارسة الممانعة والمقاومــــة! لن أحاول هنا أن أدافع أو أنفي أي من هذه الأسباب والدوافع، ولكني سألفت الانتباه إلى مؤامرة أخرى أكبر بكثير وأهم بكثير، سبقت المؤامرة الكونية الكوليتية الحالية. وأنا أقصد بذلك المؤامرة التي رافقت استقلال الشعوب العربية ضمن كيانات جغرافية تدعى، تجاوزا ً، بدول.
لقد مرت الشعوب العربية في مطلع القرن العشرين بفترة النهضة وتلمس الذات ومعرفة النفس وطعم التحرر. وبرزت في سماء المنطقة أسماء ٌ نجوم مازالت تنير ظلام ليالينا حتى يومنا هذا. ثم عانت هذه الشعوب من مخاض مرحلة ولادة "الدولة - المسخ" التي نــُحتت وشكلت كما يريد الغرب والقوى الكبرى. ويكفي أن تلقي نظرة سريعة على خريطة الشرق الأدنى وأعلامها وأناشيدها الوطنية حتى تفهم لماذا أخذ العراق شكله المعروف محروما ً من مدخله على الخليج العربي جراء إنشاء دولة الكويت مع مايعني ذلك من احتمال الوقوع بكوارث اقتصادية واجتماعية مستقبلية. ولبنان الحالي بعد أن أ ُجبرت الحكومة السورية الوليدة في حينه على إعطاء أقضيتها الأربعة له (بيروت ضمنا ً) ليتحول إلى لبنان الكبير ويحرم سوريا من منفذها الكبير على البحر أيضا ً ثم سرقة لواء اسكندرون ووهبه لتركيا لتزداد سوريا ضعفاً على ضعف من الناحية الجغرافية. ثم انظر للأردن العجيب وحدوده الكرتونية المرسومة بالمسطرة، مسطرة الحاكم الأجنبي. أما بعد الاستقلال / ولادة الدول... فقد دخلنا بمـجريات المرحلة الثالثة والأخطر ربما في سياق المؤامرات التي حيكت ضد الشعب السوري. ألا وهي مؤامرة تنصيب من لايرحم على شؤون البلاد والعباد ودعمه بكل الوسائل المتاحة كي يبقى ويزدهر على جماجم الناس وحقوقهم وحرياتهم وكراماتهم. في العراق شهدنا صدام الرهيب وفي سوريا أتانا حافظ المزمجر وفي الأردن ملك ولا كل الملوك وفي لبنان حصلنا على ديكتاتور أشد وأقسى ظلما ً وظلاما ً وقسوة وأقصد بذلك ديكتاتور الطوائف وملوكها الذين شـَـرْعـَن َ وجودَهم ميثاق الـ 1943 وميثاق الطائف من بعده وميثاق الدوحة أخيرا ً. أما عن فلسطين المنكوبة فحدث ولا حرج...
لاشك أن وراء مايجري اليوم في سوريا مؤامرة ما. فللدول الغربية مصالحها التي ليس من المعيب لها أن تدافع عنها. ولكن الطـــامة العظمى والمؤامرة الكبرى تكمن ماوراء مفهوم المؤامرة الأجنبية على سوريا الغالية. فالمؤامرة الكبرى كانت ومازالت وجود نظام الحكم السوري بحد ذاته. هذا النظام الذي تاجر ويتاجر بكرامات ومشاعر الناس وحسهم الوطني و حماسهم لتحرير الأراضي السليبة. نظام ٌ مضى عليه نحو نصف قرن ينادي بالوحدة والحرية والاشتراكية وهو من كل ذلك براء. بعد نصف قرن من الزمن وجدنا أنفسنا، فجأة، نخشى على وحدة سوريا الداخلية ومناطقها بعد أن كنا ننادي بالوحدة مع المغرب العربي وموريتانيا! بعد نصف قرن من ممارسة العهر الفكري والكذب الإيديولوجي الممنهج والمدروس بات المنادي بالحرية مندســا ً وعميلا ً وخائنا ً يعمل لصالح جهات مجهولة مغرضة. بعد نصف قرن وجدنا أنفسنا نبحث عن اسم ٍ مناسب ٍ نعطيه للاقتصاد السوري الاشتراكي بعد أن لم يعد ممكنا ً إدراجه تحت أي اسم ٍ أو مذهب اقتصادي معين... وأعتقد أنه من المعقول جدا ً تسميته اقتصاد اللواحم والكواســــر والأسود. هذه هي، برأيي المتواضع، المؤامرة الكبرى التي أتت ثمارها اليوم. ثمار ٌ سامة ٌ ملونة ٌ بلون الدم.
كلي ثقة بأن الشعب السوري قادر ٌ على تجاوز هذه المؤامرة بوعيه وعمقه التاريخي. فهو مازال حتى اليوم سلميا ً في تحركه نابذا ً للنعرة الطائفية رافضا ً للتدخل الأجنبي. أقول وبالفم الملآن: أشعر اليوم وأكثر من أي وقت مضى بالفخر كوني سوري. أشعر اليوم بالعزة والكرامة وأنا أرى العلم السوري والنسر السوري بعد أن فقدت هذه الرموز معناها فيما مضى تحت ضربات الكذب والنفاق والإخصاء الفكري. ستقدم سوريا، هذه العروس الآرامية الخالدة الخصبة، المثال والقدوة... وستخرج من رمادها مرة أخرى كالفينيق منتصرة على كل المؤامرات وكل المتآمرين، رافعة راية العدل والحرية والمساواة والديمقراطية والمواطنة الحقة. قوة الوطن من قوة إنسانه، والإنسان السوري يعيد اليوم تعريف ذاته من جديد بدمه ودموعه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عام 2000 مرت أم المؤامرات على الجميع
نبيل السوري ( 2011 / 7 / 18 - 05:09 )
وهو عام توريث البلد بما حمل من الأب اللص السفاح للإبن الأخرق الفاشل الذي أمعن في إخراج سوريا من التاريخ ليعيدها إلى ما قبل التاريخ. مرت مؤامرة التوريث الكبرى بمباركة الإدارة الأميركية ممثلة بمادلين أولبرايت شخصياً، وهي كانت بالواقع تمثل إسرائيل أولاً قبل أميركا، وتحت نظر العالم، والأسوأ تحت نظر الأغلبية الساحقة للمعارضة السورية، التي أثبتت يومها أنها كانت غبية حين توقعت وبسطحية وسخف أن الحية قد تلد غزالاً، وأذكر في حوار لميشيل كيلو حينها أنه أطنب بمديح سمج للوريث جعل معه أحد المتحدثين يقول له: أنت هنا مع السلطة أم مع المعارضة؟ وما لبث النظام الممانع أن أثبت للجميع أن الحية لاتلد إلا حية وربما أكثر شراسة، وأثبت للعالم أنه من المستحيل أن يقوم إلا بما يجيد عمله ألا وهو القتل والنهب والقمع
اليوم وصلنا إلى لحظة الحقيقة، ولايوجد إلا إسقاط هذا النظام ومحاكمة رموزه ومن لف لفهم، بعد إلغاء حكم الإعدام القروسطي، ولا مجال لسخفاء مثل كوليت خوري التي وياللعار توسخ تاريخ جدها النضالي المتميز، وعلى الجميع أن يصطف إما مع طغمة المجازر الجماعية أو مع الشعب

وعند رحيل هذا النظام تنتهي المؤامرة وتموت

اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ