الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية وإعادة الاعتبار للذات الجمعية

عيبان محمد السامعي

2011 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
ونحن في غمرة التحولات التي تعصف بالمنطقة العربية, وامتداد الربيع العربي بطابعه الثوري ليشمل كل الأفق فإن الحاجة الموضوعية تقتضي فهم طبيعة هذا الحدث التاريخي الفارق ومحاولة تحليل أبعاده واستشراف آفاقه وبيان الإسهام الشبابي في صنعه والوصول به إلى الثورة الاجتماعية الشاملة والمنشودة ..
فمنذ أن أقدم "محمد البوعزيزي", الخريج الجامعي التونسي والعاطل عن العمل على إحراق نفسه كتعبير عن حالة الرفض والاحتجاج لما لحق به من أذى وإهانة وجهت له من شرطي كان يمارس عنجهيته المعهودة, متكئٌ في ذلك على ثقافة "غجرية" تحتقر إنسانية الإنسان تشَّربها في معسكرات التخلف والهمجية بُغية إنتاج أجهزة "أمن" مهمتها الرئيسة قهر إرادة الإنسان العربي ودوس كرامته وسحقها بالبيادات ذات الكعب العالي الغليظ...
لم تكن لحظة إقدام البوعزيزي تلك خارجة عن السياق, بل أتت كمحصلة منطقية للتراكمات القهرية المترسبة في الوجدان, فكانت الشرارة التي أتت على أنظمة القمع والفساد لتحصدها يباباً وأرضاً بوراً ..
(2)
إن هذا الحدث بما يمثله من رمزية "أسطورية" لم يكن وليد اللحظة بل كانت له إرهاصاته الموضوعية , لكنه استطاع وبكل اقتدار أن يلتقط اللحظة التاريخية الفاصلة لينقل النسق المعاش من حالة البيات الشتوي إلى حالة التجاوز المطبوعة بالانتفاضات العارمة, كما أنه جعل الكثير والكثير من القانطين والمرتهنين لسلطات الاستلاب إعادة حساباتهم وتقولاتهم الماضوية من أن هذه الشعوب مفعولٌ بها وأنها أدمنت الخنوع, وأنها شعوب ”ماسوشية / فتيشية “ تدمن الظلم وتستلذه, وأثبتت باليقين أنها شعوب حية, تستكينُ حيناً من الدهر, نعم!!, لكنها حين ساعة الجد, تنتفض كالعنقاء من تحت الرماد..
(3)
ولأنَّ الحياةَ صراعُ إرادات فإن الوضع الثوري الممتد هو التعبير الأقصى والأسمى لهذا الصراع, صراعٌ طرفاه أنظمة تستمد شرعية وجودها من أدوات قمعية وعصابات مافيا مسنودة على أعرافها الغرائبية المشرعنة لحرية الفساد والنهب أنتجت كائنات مشوهة وسعت في تخريب العلائقيات البينية المجتمعية بطابعها الإنساني المتجرد لتصبح الأنانية والذاتية الفردانية بمدلولها الاستهلاكي وتعبيراتها الرأسمالية المعيار في ذلك. وشعوبٌ قررت على حين استنهاضٍ ويقظة , الانتصار لقيمة الحياة والتفكك من الأغلال الحديدية وإعادة الاعتبار للذات الجمعية من خلال إعادة الأصالة الإنسانية إلى المسار العلائقي والفعل الإنساني بأبعاده المتعددة بما في ذلك القدرة على اتخاذ القرار الحر وممارسته في الواقع الوجودي.
(4)
إنها الثورة بما هي فعل اجتماعي تؤسس لوعي اجتماعي مغاير, وبما انتهجته من وسائل سلمية حضارية هي في الأصل والجوهر ضدية مع الطبيعة العشائرية لهذه المجتمعات فكانت البداية الفعلية لتأسيس ذلك الوعي, ولها ما بعدها يقيناً..
إننا إزاء تحول حقيقي في بنية العقلية الجمعية, حيث لا يمكن التقليل من ممارسة حالة الرفض الجمعي ضد سلطات القهر, وهي ممارسة كما أثبتتها الأحداث الثورية المجيدة ممارسة واعية لا عاطفية كما يتقوَّل المتقولون, بل إن الحالة الثورية التي أشعلتها الفئة الشبابية وكانت طليعتها الأولى والصانعة الحقيقية لها أكسبتها ميزة أخرى, بما تكتسبه هذه الفئة من روح تجديدية لا تؤمن كثيراً بالأنساق وآليات التفكير القديمة, وتمتلك رؤية ناقدة وطبيعة تحفزية تجاه حتمية تغيير الواقع البائس بل والتمرد على محدداته المعيقة.
(5)
كما لا يمكن الاستهانة بالوعي المكتسب لدى الفئة الشابة, فهناك وعياً حقيقياً وفكراً خلاقاً يتضح من خلال المسار الثوري في مجمل البلدان التي تعيش وضعاً ثورياً, وقد أخذ هذا الوعي تعابيره سواءً من خلال الشعارات المرفوعة في الاحتجاجات والمسيرات الجماهيرية والتي تنادي بالحرية كقيمة عليا وضرورة رحيل المستبدين وإعادة السلطة للشعب وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة أو من خلال إدارة الفعل الثوري والإصرار على تحقيق كل الأهداف التي صيغت من خلال حوارات معمَّـقَـة وتفاعلات حقيقية بين الأفراد والمكونات الثورية, ومن خلال المواجهة الواعية لكل محاولة ترمي إلى حرف مسار الثورة أو الالتفاف على مضامينها أو وضع حدود فاصلة لها من قِبل بقايا الأنظمة البائدة والقوى التقليدية والتي تريد أن تجعل منها مجرد تحول سياسي فوقي أو إعادة تموضع لمراكز القوى والنفوذ وهو ما يتصادم مع الرغبة الجارفة للقاعدة الجماهيرية الواسعة في تحقيق ثورة اجتماعية ثقافية شاملة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع