الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفاوضات والسلطة الفلسطينية

حسين عوض

2011 / 7 / 19
القضية الفلسطينية



هناك من يعتبر التفاوض حرفة يزاوله الفرد لمدة طويلة, إلا أن التفاوض هو فن الاتصال الفعال الذي يسعى لإشباع الحاجات الإنسانية.
إن المفاوض يصنع ولا يولد, ويطبق ما تعلمه, وأن أفضل المفاوضين يجب أن يكون لديه المزيج الصحيح من الإلحاح واللباقة, أي أن يكون قادرا على مناقشة القضايا الرئيسة التي تهم قضية دولته, بشكل متكرر حتى يتم الوصول إلى الحل النهائي المبرمج في عملية التفاوض, دون تقديم أية تنازلات تمس الجانب الرئيسي في المسألة التي يتم التفاوض بشأنها, وعلى المفاوض أن يتحلى بالصبر, لأنه يشكل مواقف قوية تمكنه من إيهام الطرف الآخر, بأن النقاط التي يتم مناقشتها لا يمكن انجازها بسرعة, ويعني ذلك بدفع الطرف الآخر إلى التعجيل في الوصول إلى نتائج تلبي توجهاته, ويجب أن يكون المفاوض مدرسا وطالبا بالإضافة إلى ثقته بنفسه, فإذا لم يكن لديه الثقة بنفسه فأنه ليس بمفاوض جيد, ويتميز المفاوض بالإبداع, وهو القدرة في أن يقدم المفاوض الاقتراحات والحجج للتغلب على الخلافات القائمة.
إن بداية العملية التفاوضية تتضمن تغيرات مقصودة واختيارية في جوهرها حسب الطريقة التي رويت بها الأشياء, سواء أمكن تحديد لحظة معينة يمكن أن تتوافق مع هذه التغيرات أم لا, وليس كل المسائل قابلة للتفاوض في وقت معا, فالأطراف المرتبطة بالصراع قد ترفض أن تتصل بعضها ببعض, وفي هذه الحالة تصبح أي مفاوضة غير ممكنة, وهناك أطراف ليست مستعدة للتفاوض, وهنا يحكم على التفاوض بالفشل, وربما يتحول إلى صراع مثال:- الإسرائيليون يقولون دائما (لقد كنا على استعداد للتفاوض, ولكن العرب غير قادرين على ذلك بسبب انقسامهم وضعفهم, وهذا يبدو غير مجدي لنا أن نتبع طريق التفاوض).
هناك أربعة مصادر رئيسة للقوة في المفاوضة:-
1:- شخصية المفاوض:- الفصاحة والبيان والثقة بالنفس والشخصية المميزة, وأن أفضل المفاوضين من يكون لديهم المزيج الصحيح من الإلحاح واللباقة, ويكون جيدا في إقناع الآخرين.
2:- وضع المفاوض:- المكانة الجيدة, وكما حذر دبلوماسي ذو تاريخ طويل (حاول أن تفهم الجانب الآخر حتى لا تبدو أنك تعامله بخشونة, ولا تدع الطرف الآخر أن يرهبك).
3:- خبرة المفاوض:- إن حيازة الخبرة تعطي قوة التأثير على الآخرين, وإذا واجهت مفاوضا آخر يملك خبرة قوية, أطلب منه دائما تفسير التعابير والمصطلحات التقنية حتى لا تنخدع بواسطتها أو تصاب بالارتباك, وكما عبر خبير بارز روبرت لوفت (أعتقد أنه يجب أن تكون قادرا على أن تعرض الأمور بوضوح معقول, وأن لا تورط نفسك في عبارات وفقرات طويلة, ويجب أن تصاغ وتعاد صياغتها بشكل جيد, ومرة أخرى أعتقد أنه يمكنك أن تتفادى جعل الموضوع طويلا ... الخ).
4:- غريزة التفاوض:- تعني القدرة على التقاط فرصة ما عند حصولها, أو الشعور بأن الشخص الآخر في موقع ضعيف.
إن فشل مفاوضات السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني يعود لأسباب عديدة أبرزها:-
الانقسام الفلسطيني الذي استمر على مدار أربع سنوات ونيف, واعتماد السلطة الفلسطينية على خيار التفاوض فقط مع الكيان الصهيوني, وطلب المفاوض الفلسطيني تجميد المستوطنات التي تقيمها إسرائيل في الضفة الفلسطينية والقدس, بدلا من طلبه إزالتها وإلغائها بشكل كامل من الأراضي الفلسطينية, وهناك العديد من نقاط الضعف التي جلبتها منظمة التحرير الفلسطينية من خلال اتفاقية أوسلو, بدءا من التخلي عن الثوابت الفلسطينية التي قامت على أساسها الثورة الفلسطينية, مضافا إلى الانفراد بالحل حسب اتفاقات أوسلو, وأدى ذلك إلى ازدياد عدد المستوطنات والمستوطنين, وبالتحديد في القدس هناك ما يزيد عن 180 ألف مستوطن, وفي الضفة الفلسطينية 334 ألف مستوطن.
لقد قامت إسرائيل بإلغاء اتفاقية أوسلو من منهاج التاريخ في الصفوف الابتدائية, ويتضمن منهاج التاريخ في المدارس الابتدائية اليوم, موضوع يتعلق بمعاداة اليهود وملاحقتهم وما تعرضوا له أبان الحرب العالمية الثانية, وموضوع آخر يتعلق بقيام دولة إسرائيل, وحروبها مع العرب واتفاقيات السلام مع مصر والأردن, وأهم ما تم التنازل عنه فلسطينيا من قبل القيادة الفلسطينية المتنفذة, هو إلغاء أهم بنود في الميثاق الوطني الفلسطيني, وقد تم تأجيل البحث في العديد من القضايا الرئيسية (القدس واللاجئين وحق العودة) وهي من أهم مرتكزات الحل النهائي.
تدرك السلطة الفلسطينية أن اتفاق أوسلو قد انتهى, لاعتبار أنه يقوم على قاعدة زمنية مدتها خمس سنوات, وقاعدة تفاوضية توصل الطرفين إلى الحل النهائي للقضايا الأساسية, ولم يبق من أوسلو حتى اليوم إلا الاسم.
إن ما حققه الكيان الصهيوني خلال مرحلة التفاوض مع الطرف الفلسطيني يزيد اضعافآ عما حققه على مدار العقود الأربعة الأخيرة .
على المفاوض الفلسطيني أن يلتزم بالحقوق الوطنية المشروعة التي خصت الشعب الفلسطيني, كما نصت عليها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة, والصادرة في تشرين ثاني عام أربعة وسبعين وتسعمائة وألف, وتتضمن حق الشعب الفلسطيني المشروع في تقرير مصيره بدون تدخل خارجي, وحقه في الاستقلال الوطني والسيادة على أرضه, وحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أراضيه وممتلكاته.
هناك جهود أمريكية تبذل من أجل استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية, ولقد طلب نتنياهو من وزيرة الخارجية الأمريكية دعم إسرائيل لتعطيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر أيلول القادم, وإن مسؤولين في الخارجية الأمريكية قد اجتمعوا مع الدكتور صائب عريقات ومع يتسحاق مولخو رئيس الوفد الإسرائيلي من أجل استئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين, وقد أقرت اللجنة الرباعية في اجتماعها في واشنطن في 12 تموز بأن على أطراف النزاع إعادة إحياء عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين, وقد كشف الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد في صحيفة هآرتس النقاب عن تفاصيل خطة تحشد إسرائيل وفقا لها جهود سفاراتها في مختلف أنحاء العالم لمحاربة اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية, وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية ببمارسة الضغط على دول عديدة للتصويت ضد الدولة الفلسطينية, وهناك احتمال انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي يعطل بحث الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
نستخلص التالي:- كان الكتاب الدبلوماسيين يقولون دائما لقرائهم (أن يتعلموا الإمساك باللحظة الصحيحة) ومثل هذه النصيحة لا معنى لها ما لم تعرف تحديد اللحظة الصحيحة والمناسبة.
تعتمد العديد من الحكومات بأن المصالح الوحيدة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار في الفترة التي تسبق المفاوضات الفعلية هي مصالحها, وتعتمد هذه الفكرة على افتراض أن الجانب الآخر يفعل نفس الشيء, وعلى هذا فسوف تواجه تصادم القوى, ومن هذه المعركة سوف ينبثق شيء ما, وهذا الشيء هو نتيجة الصراع, غير أن هذا المنهج لا يلائم الحل المنتظم للصراع في أي عالم إلا في ذلك العالم الذي تنطبق عليه قاعدة داروين في (البقاء للأقوى).
يجب أن لا يكون خيار التفاوض مع إسرائيل على أجندة القيادات الفلسطينية في هذه المرحلة, ويعتبر التفاوض مع إسرائيل عملية انتحار في ظل دعم الولايات المتحدة الأمريكية لها, وضرورة البحث عن وسائل آخري غير التفاوض¸لاعتبار أن استرداد الحقوق لا يتم من خلال التفاوض والاستجداء, والتفاوض بحاجة أوراق ضاغطة يتمكن من خلالها المفاوض تحقيق الهدف, على عكس ما كان يتم من خلال المفاوضات الفلسطينية مع الإسرائيليين تنازلات متواصلة, وللأسف ما زالت السلطة الفلسطينية ترفع شعار التمسك بالمفاوضات من أجل السلام وتعتبرها الخيار الوحيد, ويعني ذلك أن عملية التفاوض هي مضيعة للوقت.
لقد كان قرار منظمة التربية والثقافة (اليونسكو) اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل هو انحياز كامل للإحتلال الإسرائيلي, ومخالفة لقرارات الشرعية الدولية التي تعتبر القدس أرضا عربية محتلة, وهذا القرار من القرارات التي تمس حقوق الشعب الفلسطيني ولا يمكن أن تكون دولة فلسطينية مستقلة بدون أن تكون القدس عاصمة لها.
الحل الممكن في ظل الثورات العربية, هو التحضير لقيام انتفاضة ثالثة في داخل فلسطين مدعومة من الشعوب العربية, هدفها دحر الإحتلال الإسرائيلي وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس, وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها بالقوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-