الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعلٌ جامح نحو لجينِ البحرِ

صبري يوسف

2011 / 7 / 19
الادب والفن


وعلٌ جامح نحو لجينِ البحرِ

إلى الروائي البديع الصديق صموئيل شمعون

أيُّها الوعل الجامح نحو لجينِ البحرِ،
أراكَ تعبرُ مسافات تقدح شرراً كأنّها من لهيبِ الجمرِ، هل تبحث عن نقاءِ الرُّوحِ بحثاً عن عشبةِ الخلاصِ، هل ثمَّة خلاص من عبقِ الكلمات ومهجة الألوان ونحن نسير نحو خيوط الصباح؟! هل ثمة خلاص من ترّهات هذه الأزمنة الملوَّثة بروث البقر، ها قد دستَ في جوف ابن بطّوطة في عبوركَ أعماق القارّات، كثيراً ما يراودني متى تكتب رواياتكَ؟ عندما ينام الليل أم عندما ينام القلب من ضجر فقاعات هذا الزمان، زمانٌ مرمَّم بالبكاء، مقمّط بحزنٍ أبدي، يصلح أن نستلهم من تفاقمات آهاته أساطير جديدة تفوق عوالم الأساطير، عجباً أرى، كيف انقرضَتْ فضاءات الأساطير في وقتٍ نعيشُ في دهاليز معتمة، تتدلّى من جدرانها وبطونها كائنات لا تخطر على بال، كائنات غريبة عجيبة، تفوقُ أجواء الأساطير، صعودٌ انزلاقي نحو شفير الجحيم.

سألتني منذ وقتٍ قريب تساؤلات تنمُّ عن عبور صخبِ البحر، عادتْ رسائلي إليّ لأنَّ كيكا في إغفاءة بين حقول النَّارنج، الأصدقاء بخور متصاعدة نحو زرقة السماء، أراك على ابحارٍ مع رحلةِ حرفٍ، بحثاً عن رحابة فضاءات السؤال، إلى أين يقودنا السؤال، وإلى أين تقودنا البلاد، ومَن يستطيع أن يخفِّف من ثخونة الجراح المستوطنة فوق رقاب العباد، منذ زمنٍ لم أسمع هدير ثورات كيكا كيكا كيكا، ثورات كيكاوية منبعثة من براري الحبّانية حيث أبوّة مطرّزة بموجات البحر، تعانق طفولة مفروشة على مساحات الجبال.

صموئيل شمعون، صديق مبلَّل بانكسارات هذا الزَّمان، مكسوٌّ برذاذاتِ المطر ومحصَّنٌ بأديمِ الأمل المعرّش في حفاوةِ اليراع، يحاول صموئيل أن يرتِّق خلخلات أجنحة الشَّفق فيزدادُ خلخلةً هو الآخر فلا يجد حوله ملاذاً سوى ضحكة صاخبة في وجه قباحات هذا الزَّمان، كأنّه مجبول من كائنات منبعثة من طموحات رحلة كلكامش في أوج بحثه عن قمم الجبال، فلا يرى صموئيل أمامه سوى أغصان كيكا يكحّل بها وجه الدنيا.

وعودٌ كثيرة يا صامو إلى سماء ستوكهولم، تأتي وتغيب، تغيب وتأتي ولا نرى أثراً لزخات المطر، أجحتكَ مبلَّلة بالندى، غارقة في وهج الحنين إلى نومٍ عميق تحت ظلال النَّخيل، هل بقى أثراً للنخيل، حضارات مؤرّخة فوقَ انبعاثِ الحرف الأول، منقوشة على أحجار آشور، شامخة في ألحان قيثارة الرُّوح وهي تبوحُ أسرارها للنجوم، أيها "الآشوري التائه"، لماذا تهرب من تجلِّيات آشور وهو يرسم أجنحة ثيرانٍ مجنّحة للعبور في وهادِ القارّات، أيها الملفَّح بهلالاتِ الغمام، أيها المحمَّل برذاذاتِ المطر، أيُّها المطر الهاطل فوقَ مآقي نينوى وهي تتطلَّع إلى شواطئ البحار البعيدة، بعيداً عن جنونِ الصولجان، جنونٌ حتّى النِّخاع، جنونٌ أن أرى وجه بابل مسربل بالبكاء، جنونٌ أن أرى "حضارات" آخر زمن تلطّخ وجه الشموخ، شموخ أوَّل الأبجديات، شموخ ملاحم الحياة، تشبه يا صديقي بخور الأديرة القديمة وهي تناغي بسمة الأطفال، لماذا كل هذا العبور في وجه الرِّيح، لا تقترب كثيراً نحو وهج الشَّمس، ستحترق أجنحتكَ المضمَّخة ببوحِ السؤال، كما تحترق أجنحة الفراشات وهي تحلّق حول هلالات النور. متى ستكتب رواياتكَ القادمة وسيناريوهات أفلامكَ وأنتَ تزدادُ تيهاً في لجينِ الماءِ، كأنّكَ تنافسُ الرِّيح في بهجةِ العبور كي تبلِّل وجهَ الدُّنيا بالمطر؟!


ستوكهولم: صباح السبت 14. 5. 2011
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه الضعيف بالمناظرة: كنت أشعر بالإرهاق من السفر


.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1




.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي