الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة وثورة وبينهما عبد الناصر

تميم منصور

2011 / 7 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


قال الحكماء : امام عادل خير من مطر وابل . وإمام غشوم خير من فتنة تدوم.
وقال صلى الله عليه وسلم . عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة .
في يوم الثالث والعشرين من شهر تموز يوليو الحالي تطل علينا الذكرى ال 59 لقيام ثورة الضباط الأحرار في مصر التي قادها جمال عبد الناصر . تأتي هذه الذكرى لتجد مصر الشعب والجيش والجغرافية السياسية بوضع مغاير لما كان عليه في السنوات الماضية.
مصر اليوم ليست مصر قبل الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني يناير سنة 2011 ، ذكرى ثورة يوليو تلتقي مع بزوغ خيوط فجر ثورة جديدة لم تكتمل بعد ، لأن بارومتر الأحداث لم يستقر بعد فوق مؤشرات قناعة قيادات الثوار ،لأنهم يرفضون كل سياسات التهادن مع العهد البائد، كما يرفضون المماطلة والتهرب من الاستجابة لمطالب الشعب بالتغيير الجذري المبني على إقامة نظام ديمقراطي تعددي ، ينسجم مع مواقف الشعب المصري ،الى جانب دفع عجلة القضاء المصري اكثر الى الأمام كي تطال كل الذين قامروا بمقدرات الشعب وعلى رأسهم أخطبوط النظام حسني مبارك.
بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أصبح في رصيد الشعب المصري ثورتان بمقدوره ان يستخدمهما كجناحين يطير بواسطتهما للحاق بمواكب الحضارة والتمدن والأخذ بيد العدالة الاجتماعية البعيدة عن الطائفية والطبقية والسلفية الظلامية .
السؤال الذي يطرح نفسه ،هل سيعتبر قادة ثورة يناير ثورتهم امتداداً لثورة 23 يوليو التي اعادت الى الشعب المصري اعتباره، كما اعادت مصر كلها لشعبها ،بعد ان كانت ضيعة ينهب ثرواتها الانجليز والا سرة المالكة وطبقات الاقطاعيين من ابناء الاقليات الذين عبثوا بمقدرات مصر بكاملها.
يجب ان يكون هناك تلاحم بين النهج الفكري والرؤيا المستقبلية للثورتين ، مع ان لكل ثورة ظروفها ، الا ان ثورة يوليو كانت شاملة ومتجذرة في قلوب الجماهير ، يجب على العهد الجديد في مصر ان لا يتردد برفع سقف ثورة يوليو من جديد بعد ازالة صدأ وغبار كل محاولات تهميش وتغييب احداث وتاريخ هذه الثورة ، هذا ما بدأه السادات الذي آمن بان نجمة لم يلمع الا اذا اطفأ نور الثورة بانجازاتها وقيادتها ، مقرراً الالتفاف عليها لقتلها ، وقد اكمل مبارك ما بدأه السادات وزعانفه من الحاقدين ، ان ضرب الثورة في فكرها وانجازاتها الوطنية والاقتصادية اعاد مصر الى نقطة البداية ، شاركت في هذه المؤامرة الولايات المتحدة واسرائيل والرجعية العربية .
النجاح الذي حققه اعداء الثورة ليس بطمس الكثير من معالمها وتدمير كل مشاريعها الاقتصادية فقط ، لقد نجح اعداؤها من قطع خيوط التواصل بين اجيالاً كاملة في مصر وبين الثورة بكل ترجمتها القومية والوطنية وروحها الثورية ، لقد حاصروا غالبية انجازاتها والقيم التي شبت عليها ، استبدلوا آمال واماني المواطنين بالجهل والفقر والاستبداد والمحسوبية والطبقية والاستغلال والتبعية خلال اربعة عقود متتالية .
في هذا المناخ نبت جيل كاد ان يكون مهزوماً ، لانه رضع من حليب القهر والاذعان والخوف والاتكالية ، جيل لم يشاهد امامه سوى طوابير الغاز والخبز والعشوائيات والبطالة وهجرة شباب من الوطن وهروب الادمغة والعقول المفكرة ، جيل قدم آلاف الشهداء الذين قضوا في زنازين مبارك وعمر سليمان والعادلي وغيرهم .
اعتقد مبارك بان نهايته بعيدة ، فحرق جميع الجسور التي تربط بينه وبين ابناء الشعب ، هكذا تصرف الملك فاروق الذي خلعته ثورة يوليو ، اعتقد انه باق الى الأبد ، لقد دفعه غروره ان يدعي بأنه ينتسب الى الدوحة المحمدية مستغلاً سذاجة غالبية ابناء الشعب المصري فصدقه الكثيرون .
كل المعطيات التاريخية تؤكد بأن الشعب لم يكن بالنسبة للسادات ومبارك اكثر من اداة او آلة مهمتها الطاعة وصنع الرفاه لهما ولاعوانهما ومواد خام لحياة البذخ والترف.
ذكر الرئيس الامريكي نيكسون في مذكراته كيف كان السادات يتجاهل وزراءه ويتخذ القرارات بنفسه ، ووفقاً لرواية الرئيس كارتر اثناء مفاوضات كامب ديفيد ، فأن الرئيس السادات كان يتخذ قرارات مصر بنفسه ، ولم يوافق على وجود احد من معاونيه اثناء المفاوضات ، ويؤكد ذلك "منصور حسن " الذي كان وزير الاعلام ، في عهد السادات وموضع ثقته ، لم يكن الشعب سوى مجرد اسفنجة من واجبها امتصاص قرارات السادات ، هذا كان رأي "محمد حافظ اسماعيل " مستشار السادات للأمن القومي ايضاً .
اما بالنسبة للرئيس السابق مبارك فيكفي التقرير السري للمخابرات الامريكية " سي آي ايه " الذي نشر في وسائل الاعلام هذا الاسبوع ، يشير التقرير الى حالة مبارك النفسية بانها غير مستقرة ، ويشير ايضاً بان مبارك اتصف بالغباء والبلادة ، يعشق الكذب ، شكاكاً بطبيعته متغطرساً فارغاً ، ويعشق اغتياب الغير وغير متدين ، يشعر بالدونية وسهل الانقياد ، ويشير التقرير بأن مبارك كان يكره عبد الناصر وصدام حسين ، ويضيف التقرير بانه كان لا يشعر سوى بذاته ويستمتع بتدمير الآخرين .
اما عبد الناصر فان اعداءه قبل اصدقائه كانوا يؤكدون بأنه كان صاحب مشروع وطني وقومي قبل ان تتاح له فرصة تولي قيادة عجلة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر ، قبل قيام الثورة كانت مصر تمر بازمة وطنية وفكرية عميقة ، فقد سادت في مصر قبل الثورة وطنية الباشوات ، وكانت تعيش تحت تهديد سيوف السلفيين الذين افتقدوا لكل نهج او مشروع وطني اقتصادي متطور ، كان في مصر حركة ماركسية رفعت مشروعاً لدعم الطبقات الكادحة ، لكن الاطر الاجتماعية والطبقية والفئوية منعت وحالت دون تطوير الفكر الماركسي الاشتراكي ، جاء عبد الناصر بعبقريته الفكرية فحول الوطنية المصرية الى وطنية الجماهير ، هدفها الاستقلال التام وليس العضوية في نادي الامم المتحدة .
اخذ عبد الناصر جوهر الاسلام والدين عامة كثورة روحية زمنية لتغيير حياة الانسان ولتحقيق سيادته على الارض ، اخذ عبد الناصر جوهر القومية العربية وحولها الى حركة شعبية جماهيرية اخترقت الحواجز الاقليمية المفتعلة ، ساهم عبد الناصر في صنع النظرية الثورية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين .
هذا غيض من فيض من مناعة عبد الناصر وقدراته ، اذا ليس غريباً ان يكون احد كبار زعماء العصر ، قبل رحيله ترك ميراثاً وطنياً صلباً واضحاً هدفه تحرير الانسان المصري والعربي من كل انواع العبودية .
ترك عبد الناصر خميرة فكرية عمادها اجماع عربي قومي متطور يتجسد بمحاربة الاقليمية وازالة الحدود بين الدول العربية ، وحدة هدف تسبقها حرية مطلقة من الاستبداد والعبودية مدعومة بالعدالة الاجتماعية شعارها نفط العرب للشعوب العربية وليس لحكامها .
السؤال : هل سيستفيد شباب الثورة في مصر من الخميرة والتراث الذي وضع عبد الناصر لبناته خلال مشواره في الحكم ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عاش جمال عبدالناصر
جمال عبد الناصر ( 2011 / 7 / 20 - 22:34 )
جمال عبد الناصر شخصية ربما لن تتكرر في التاريخ العربي..

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر