الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا والبحث عن النفوذ بين شهداء سورية

علي الأمين السويد

2011 / 7 / 22
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


بات من البديهي أن ينتظر العرب التصاريح الدبلوماسية الصادرة عن الإدارة الأمريكية أو تحليلاتها هذه الأيام بشديد الترقب لما ما للولايات المتحدة من وضع استثنائي مع كل الأنظمة العربية بلا استثناء كما هو معروف، وقد كانت للعبارات التي أطلقتها تلك الدبلوماسية الأثر البالغ في تحديد مسار كل من الثورات التونسية والمصرية و الليبية، أو تلك التي لم تطلقها بالنسبة للثورة اليمنية والتي تباينت حول هذه المواقف مختلف رؤى الشباب العربي المنتفض حيثما وجد.
ومن الملاحظ أن تعليقات هذه الإدارة بما يخص الثورة السورية والنظام الحاكم في سورية يكتنفها عجب العجاب، فتارة تظن أن أمريكا ستسحب اعترافها ببشار الأسد كرئيس لسورية عقب عبارة أطلقها مسئول هنا أو مسئول هناك، وفي اليوم التالي أو ربما بعد سويعات من ذلك التصريح تعيد تلك الجهة إنتاج ما نطقت به بنبرات تصالحية قد تثير الريبة.
وبمقارنة المواقف الأمريكية من الثورات العربية الأخرى مع موقفها من الثورة السورية، نجد أن هنالك ما يستدعي إثارة تساؤلات عدة مثل: هل هنالك تخبط في السياسة الأمريكية بالنسبة لسورية أم أن هناك خلاف بين الرئيس أوباما و رئيسة دبلوماسيته؟ الجواب هو ربما يكون كذلك إلا أنه احتمال بعيد جداً حيث أن الإجابة على هذا التساؤل يفرضها الواقع الدامي على الأرض في سورية.
فأمريكا، حقيقة، لا يهمها شخص أو نظام من يقود سوريا بعد آل الأسد بقدر ما يهمها الحفاظ على مصالحها المتنوعة في المنطقة، و لأن النظام خبير بما يرضي الأسياد ، فقد أثبت أنه مستعد لفعل أي شيء في سبيل البقاء بل هو مستعد للتخلي حتى عن قول المفردات التي استخدمها لتنجير وهندسة مقاومته الحنجورية الفارغة إلا عبارات الضحك على الذقون، و لا شك أنها تتضمن طقوس السجود والركوع لأمريكا خلف الكواليس و الأدلة صارت في متناول الصغير قبل الكبير وكان آخرها الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية المثير للتساؤلات من حيث السرعة والتوقيت.
وبات من الواضح أن الإدارة الأمريكية تعكف على تقليب الوضع السوري وتحليله عن كثب، فهي ليست فقط راغبةً في رحيل النظام السوري لانتهاء صلاحيته، بل وتريد أن يكون لها اليد الطولى في رحيله لتقبض ثمن ذهابه فيما بعد ولكنها، مع ذلك، نجدها ساعةً تدغدغ نظام بشار الأسد ، و تارة تراها تحضن الثوار السوريون وتركل النظام بكعب حذائها، إلا انه سرعان ما تتحول تلك الركلة إلى ما يشبه قبلة الحياة. وقد وصلت حدة تلك التصريحات لدرجة إفقاد بشار الأسد الشرعية عقب اعتداء شبيحة الأمن والنظام على السفارات الأمريكية والفرنسية، و القطرية في دمشق لنسمع في اليوم التالي تملصاً من هذه الأقوال وكانت تماماً عكس المتوقع.
هل يدل هذا على تخبط في السياسة يظهر خلافاً ما بين أوباما و كلينتون؟ الإجابة بالإيجاب قد تكون مستبعدة لو تم التدقيق في العبارات الصادرة عن كلينتون و أوباما بشكل أعمق. فأمريكا حين أرسلت سفيرها إلى حماه واستقبله أهلها الشرفاء استقبال أي متعاطف معهم، توقعت أن يتطور ترحيب المحتجين بالسفير إلى حد مطالبته بالتدخل في سورية بطريقة ما، الشيء الذي لم يحدث، فكان نتيجة هذا الذي لم يحدث أن خرجت كلينتون لتقول أنه من الصعب التأثير على سورية من الخارج.

إن تحليلاً بسيطاً لنبرة التصريحات التي سالت أو تعثرت أو لم تجر ألسن رؤوس الدبلوماسية الأمريكية تشير إلى رغبة أمريكية حقيقية في أن يكون لها دور فعال، وربما ترغب في أن يكون لها اليد الطولى في إزالة نظام آل الأسد، ولكنها، وفي الوقت ذاته، لا تريد أن تفرض نفسها فرضاً لتتهم بسوء نياتها، فتبوء بالرفض التام من قبل أطياف الثورة السورية، وهي بالمقابل تسعى لأن تكون مدعوة ومرحب بها على طريقة استقبال أهل حماه الأشاوس لسفير أمريكا الاستقبال الذي لم يعدو كونه تعبير عن الشكر لأي تضامن إنساني قد يصدر من أي شخصية أو دولة في العالم مع شعب يذبح ذبح النعاج بأياد من يفترض بهم حمايته.
هذا الترحيب الذي تسعى خلفه أمريكا لا تنتظره و لا تقبله من أقطاب المعارضة السورية التقليدية لكيلا تعاني بما باءت به في العراق حين ظنت أن من اعتمدت عليهم من المعارضة الخارجية يملكون شيئاً من أمر العراقيين يسهل مهمتهم بعد احتلال العراق.
وبات من الواضح أن الدعوة و الترحيب المقبولين من قبلها حقيقةً لا يتم إلا بدعوة صريحة من أبطال الشارع السوري الذين إلى هذه اللحظة يحجمون عن دعوة العالم للتدخل في سورية بغير السبل السياسية بالرغم من أنهار الدماء الشريفة التي سبب في إسالتها النظام السوري لأنهم لا يرون في ذلك إلا شكلاً من أشكال الدعوات إلى استباحة الوطن من قبل دولٍ لا يهمها إلا مصلحتها أولاً و أخيراً كأمريكا والدول الأوروبية.
و لا يوجد أدنى شك في أن خشية المحتجين السوريين من تهمتهم بالاستقواء بالأجنبي هي وراء إحجامهم عن هكذا دعوات، ولا شك أن هذه الخشية و هذا المستوى الرفيع من الوطنية هو، وللمفارقة، ما يسعد النظام و يطمئنه ويفسح المجال أمامه للتقتيل في الشعب السوري كما يشاء بدم بارد و دونما إبطاء.
و للمفارقة أيضاً،أنه ثبت أن هذا التقتيل المجرم لا يزيد في الشباب السوري إلا إصراراً على مزيد من تكثيف الجهود لحث الفئة الصامتة التي يحاول النظام تجبيرها لصالحه للخروج عن صمتهم ، ولزيادة الضغط على النظام سياسياً و اقتصادياً لإسقاطه سلمياً تحت أعين وسمع دول العالم المنتظر و المراقب، حالياً، في حالة تشبه كثيراً العض على الأصابع بانتظار من يصرخ أخيراً. فالسوريون يعتقدون أنهم سيسقطون النظام دون خدمات المرياع(1) الأمريكي بينما هذا المرياع لا يتمنى أن يسقط النظام دون دسِّ أنفه، وهو سيفرض نفسه بأي شكل من الأشكال و ربما من باب الضمير الإنساني حين يرى أن الكفة قد مالت باتجاه إسقاط نظام بشار الأسد حتى لا يخرج من المولد السوري بلا حمُّص.
إن الرد المناسب على التصريحات الزكزاكية للقادة الغربيين تشكل حافزاً أكبر لاعتبار هذه المواقف مناصرة للنظام ومعادية للشعب السوري بداية، ومن ثم التركيز على تطوير أساليب الاحتجاج السلمي وتصعيده دون النظر إلى ما يناور به كل من هو ليس سورياً. إن تكاتف جميع أطياف الشعب السوري السهل المنال والعصي على التمزيق، كفيلٌ بأن يزيح هذا النظام المستبد إلى الأبد، و كفيلٌ بأن يجعل دول العالم المهتمة في مصالحها في سورية تلهث خلف الشباب السوري لاسترضائه عاجلاً أو آجلاً فسورية مفتاح باب التغيير الشامل في مستقبل هذه البقعة من العالم فالنصر صبر ساعة.

(1) المرياع: هو ذكر الماعز المسمى بالتيس والذي يعمد صاحبه لخصيه كي يكبر حجمه كثيراً ويجعله كنقطة علام لتلحق به الأغنام أينما ذهب، فيسهل عمل الراعي في جمع الأغنام من حوله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال