الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحقاد -هيلاري-

سعيدي المولودي

2011 / 7 / 22
السياسة والعلاقات الدولية


أحقاد "هيلاري"
في إفريقيا تتقدم هيلاري.ك. وزيرة خارجية الولايات.م.أ. قليلا لتدغدغ العاصفة، وتصوب أحلامها البغيضة نحو تفاصيل توسع محتمل ومرغوب، محمل بأثواب البراءة والعطف والحنان وقلب الأم التي تحلم بالجنة تحت أقدام المارينز الأشداء.وقد أبت إلا أن تدق ناقوس ضلالها وعدوانيتها نحو الصين، وتفتح ضدها سيرة المواجهة والحرب المكشوفة الموشاة بتلابيب المحبة العمياء والصداقات التي لا تنتهي والفناء من أجل حياة الشعوب ورغدها، كأنها تشعل شمعة في سواد إفريقيا أو تلعن ظلامها، كما ينبغي أن تفعل باعتبارها سليلة دبلوماسية محشوة بالنبوءات القاتلة، وتحطم في الوقت ذاته ملامح بعض شظايا وكسر المرآة التي يخلد فيها وجه أمريكا كرمز أبدي للشراسة والدم المراق.
ولكي تهيء "هيلاري" مائدة عدوانيتها، تحفر في تاريخ الاستعمار وتستعير مقته الكبير في الذاكرة الإفريقية لتؤسس للحظات التحريض والانقضاض وتؤثث فرصاتها للثأر وإعلان المواجهة والتحدي، وتتحمل الوزر متظاهرة بأنها تفتح قلبها لكمائن إفريقيا ومستقبل شعوبها المجبولة على التيه،وتطلق يد فخاخها الجميلة، لتصرخ في وجه العالم: "الصين تريد استعمار إفريقيا" وتنادي باسم التحرر والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان بضرورة التصدي الجارف لهذا الاستعمار، وضرورة منح إفريقيا متعة النوم في أحضان أمريكا،فالصين ليست جديرة بأن تجسد النموذج السياسي والاقتصادي الذي ينبغي أن تقتدي به أو تحاكيه أو تستريح في ملكوته.
وعلى مرمى من مشارف هذا الادعاء يتسلل منطق الإيحاء من رصيف الرغبة أن أمريكا وحدها الجديرة بعناق خيرات إفريقيا والانفراد بصفواتها والالتحام بشعوبها ومآسيها ومواسمها وأعيادها، وهي العاشقة الولهى التي بوسعها وحدها أن تضمها لصدرها وتغدق عليها حنانها الطليق، وتملأ سماواتها نجوما شموسا وأقمارا ومواعد وموائد مضيئة تغسل همومها المتدفقة على قارعة الطريق وترفع عنها عراقة السواد. هذا هو العشق القاتل، إنه بحجم الديموقراطية والأريحية الأمريكية التي رعت مصاصي الدماء وجزاري الشعوب والأنظمة الدموية المبثوثة في طلقات التاريخ من"بينوشي" إلى آخر الأسماء التي يحفظها الجميع، وتعهدت حروب الإبادة والقتل السافر في كثير من أكواب المعمور، وقد لا يكون آخرها العراق أو أفغانستان، فالدم وحده هو ذكرى أمريكا وسيرتها وطعمها الرضي، فهل يكون النموذج الذي جاءت "هيلاري" لتسويقه في غابات إفريقيا، وتزعم أنه الطريق للحكم الرشيد الذي يولي شطره لأمريكا قاهرة العالم.
التاريخ لا يتوقف، والدبلوماسية الشرسة تستعيد رشدها المشحون، والديموقراطية المحروسة تضيء الطريق و لا تلق حبل أمريكا على غاربها، أو تتقدم لتعيد ترتيب وقائعها، أو تنحاز للسمو التاريخي لأبيضها على أسودها، وتطلق محمولاتها لتؤدي دورها على الوجه الأتم، وتدير ظهرها للعبوديات المتناثرة في صرخاتها وكراساتها التاريخية المكتنزة، والميز العرقي الذي جسد امتلاءها الجغرافي والحضاري. ورغم ذلك فإن هذا كله قد لا يعبر عن موقف خاص أو تغير في الاتجاه، ما دام الجوهر ثابتا، ومادام الأمر لا يتعلق إطلاقا برغبة انتقام الأبيض من غريمه الأسود، أو العكس، ولكن قد لا يتأتى النظر إلى الدبلوماسية في هذه الحال وكأنها تقف على صخرة الحياد، وأن بمقدورها أن تتحدث الألوان جميعها دون دورة عثرات أو لكنة عابرة تحجب عنا سلسلة دوافع عدوانية تتخفى وتجلس في القاع تنتظر زمن الفيض المناسب.
ها هي حاجات "هيلاري" الصغيرة: إفريقيا تنتظر على الحافة، أمريكا تكتشف الجرح،والصين عدو يتأبط السوق، فلتبدأ الحرب، لتستعيد أفريقيا بياضها المطيع. وبذلك تفتح أحجار الديموقراطية التي كانت ترفع شعار "ممنوع على الكلاب والسود" ذراعيها ورداء رحمتها لتتيح فسحة الحياة السعيدة للسود والسواد في إفريقيا.
وليس من الضروري الآن أن نسأل "هيلاري" عن قطبي البياض والسواد، وعن جذور الصراع بين ظلالهما وإخفاقات كل منهما في سياق علاقات التجاور والتجاذب بينهما، إذ الثابت أن السواد هو لون الأعماق الأمريكية، باعتبار أمريكا قارة النوايا والأفعال السوداء،والأفكار والأخيلة المسكونة بكل الشر المستطير الذي لا يعرف غير سياسة حفر القبور وتدبير المجازر والقتل الجماعي المباح في واضحة النهار.هذا هو الدور الذي يوجه الإستراتيجية الأمريكية التي تعتمد القوة العمياء مبدأ ومنهجا، القوة في كتابة التاريخ وصناعة جغرافية العملاء. وما تؤشر إليه الوقائع التاريخية يؤكد ثبات ركائزها مهما خيل إلينا أنها متحولة عبر تكتيكات عابرة تطفو على سطح الأحداث وسرعان ما تتلاشى وتضمحل. إن نظرة الاستعلاء الأمريكية ورواسب الملكية للعبيد القدامى ما يزال نبضها يتوالد ويتدفق عبر أشكال متعددة لا موقع للألوان فيها، وتترسخ في حركة متغيراتها حركة الأنا الطاغية الأنا الجبارة الأنا العدوة التي لا ترى ذاتها إلا عبر إرادة تهشيم الكون وتدمير ألقه الهاديء، وعلى السفح لا ترى هذه الأنا غير عبيد ليس من حقهم أن يكتشفوا أو يغرسوا حرياتهم مع تباشير الصباح، أو يرفعوا حناجرهم وسواعدهم لتكسير أغلالهم، وعليهم أن يموتوا ليتركوا لأمريكا مجال النهايات والحياة السعيدة.
ودون أن نستعيد الذكريات الأثيمة التي غمرتها السنون في هيروشيما أو ناجازاكي المحطمتين وأزيز الرعب الذي خلفته صواعق القنابل الأمريكية الرائدة : الطفل الصغير ، والطفل البدين، التي جعلت العالم أمام لحظة النفخ في الصور، وأمام وحشية لا نظير لها تمطر الصواعق الماردة والظلال السوداء الخانقة التي كتمت أنفاس العالم، وأغرقت مداه في دورة من فناء،فإن المؤكد أن أجواء هذه الذكريات الرهيبة ورعبها الفظيع تسيطر على العقل الأمريكي وتحيا فيه وهي ما يمنحه نشوة الفوران و الهيجان والاحتماء بالقسوة والدمار كلما وجد نفسه أمام لحظة ضعف أو شعور بالخوف، ومن الصعب ضمن هذا الوضع أن نطمئن إلى أن أمريكا حررت نفسها من لهيب هذه القوة السوداء الغادرة الناقمة التي لا تسكن إلا لتتأجج على حين غرة وتجدد جلد وحشيتها اللامتناهية.
هيلاري ،بالطبع، سليلة هذه الرعشة، تقود يومها لإفريقيا لتنصب كمينها وتقف في وجه الصين لتؤلب إفريقيا على هوائها، كي تظل أبدا قارة وطيئة وتظل أمريكا المعبود الدائم بكل لغاتها وسيدة أحراشها.
لاتستفيد أمريكا على ما يبدو من أخطائها ولا تتحمل مسؤولية أخطائها السوداء، لقد صنعت الموت في كل مكان، وجعلت الأجنحة لكل ما يجلب الألم والدمار لهذا العالم، في فيتنام أهدرت دماء الملايين من الأبرياء، وفي العراق وفي كل مكان مدت يدها القاتمة لفتل الضحايا الذين يمضون لموتهم بدون حساب، كأنها لا تحدق للحياة إلا من خلال السواد لون الموت ورمز برودة الدم وانعدام الإحساس. هكذا يقول لون أمريكا: الدمار الشامل والخراب المتجدد والمجازر المتنقلة والمذابح المستديمة، ولغتها لا تتكلم غير الضحايا والخرائب الهائلة والرماد المتناثر، وديموقراطيتها لا تتكلم غير ذاتها، لذلك تحركت يدها السوداء قبل عقود لتحرق ديموقراطية الشيلي وتنشر رعبها المكلل بالموت تقتل الزهور وتغرق الأزقة والحارات في دماء تحكي عن سرائر الاستخبارات المعبأة بالثأر العريق وفلول المرتزقة الأذناب القتلة الذين يرسمون خرائط الموت،لنتذكر صرخات "الليندي" و"فيكتور خارا" و"نيرودا" التي أطفأتها أمريكا وأغرقت معها أحلام الملايين في دوامة الرهبة والقتل المبين..
أمريكا تعرف وجهتها. عدوة الشعوب الموشومة بالدم .و"هيلاري" اليوم ترفع سوط أحقادها في السماء، لتقول: إفريقيا ملك لنا، جزء من متاعنا القديم، وللصين أن تجتر فجيعتها فليس لها في هذا السواد مكان.
سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس